-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجسر العملاق بقسنطينة لم يسلّم بعد 14 سنة من انطلاق المشروع

تشققات وانزلاقات تهدد أجمل جسور شمال إفريقيا بالانهيار

ب. ع
  • 2949
  • 0
تشققات وانزلاقات تهدد أجمل جسور شمال إفريقيا بالانهيار
أرشيف

مازالت الكثير من المشاريع، التي صُنفت بالكبرى في ولاية قسنطينة التي سبقت أو تزامنت مع تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، تثير الجدل والتساؤل وحتى التحقيقات الأمنية، من مشرع التيليفريك اللغز المتوقف منذ سنة 2017، بعد أن اشتغل لمدة تسع سنوات فقط، وخرج عن الخدمة نهائيا، ومشاريع قصر المعارض وحديقة التسلية الكبرى في حي زواغي ودرب السياح وترميم الجوامع ودور العلم، وكلها بقيت مجرد نماذج وصور فقط، يضاف إليها الجسر العملاق الذي دخل غرفة العمليات ولم يخرج منها بعد وصار في الفترة الأخيرة ملفه على مكتب التحقيقات الأمنية.

“الشروق” توجهت إلى واحدة من ملاحق الجسر العملاق المسمى بجسر صالح باي، وهو نفق حي الزيادية الذي كان من المفروض أن تنجزه الشركة البرازيلية التي أنهت الجسر العملاق في سنة 2014، حيث وجدنا المكان شاغرا، وبعض العمال والحراس من الذين التقينا بهم، حدثونا عن أخطاء في الدراسة التقنية التي تم تقديمها منذ أزيد عن عام ونصف، التي طالت حتى مشروع دعم وإنقاذ الجسر العملاق من أي خطر قد يصل إلى الانهيار إن تواصل الانزلاق بنسبة المتتاليات الهندسية من ميليمترات إلى سنتيمترات.

سألنا المهندس علي بن حميدة وهو مسؤول تقني على الجسر العملاق، عن صحة ما يشاع على أن الجسر العملاق التحفة الفريدة التي زيّنت عاصمة الشرق في زمن الاستقلال، صار مهددا بالانهيار، فأخبرنا بأنه قد تعرض للتوقيف منذ شهر مارس الماضي عن مهامه، من طرف مدير كوسيدار الشركة الوطنية الساهرة على ملاحق الجسر العملاق التي لم تسلم بعد، والساهرة أيضا على جبر العيوب المهددة للمنشئة التي ظهرت، بسبب كشفه لبعض التجاوزات التي وصفها بالخطيرة جدا، وأشار إلى أن عيوبا أو تشققات واضحة على مستوى الجسر ظهرت في الفترة الأخيرة في ثلاث مناطق، في mln 5 في حي الزيادية وop1 عند مخرجه بالمنصورة وmm6 في طريق ولاية باتنة، ولا يجب البقاء من دون تحرك، لأن هذه الشقوق توحي بخلل يتمثل في انزلاقات وجب معالجتها بسرعة من مكاتب دراسات ذات خبرة وكفاءات.

المشكلة أن كوسيدار بحسب المهندس علي بن حميدة وهو مهندس دولة في الأشغال العمومية، منحت ملف الدراسة التقنية، لأحد المكاتب التي لا تمتلك الخبرة، وهو ما رفضته مديرية الأشغال العمومية بولاية قسنطينة، التي يتبع لها المشروع جملة تفصيلا، من خلال مراسلة بتاريخ الثامن من جانفي 2021، تشير فيها إلى نقص خبرة المكتب المعني وبأنه لا يستوفي الشروط، ومع ذلك تواصل العمل معه، وبعد أن كان مشروع إنقاذ الجسر من خطر الانزلاقات، تحت عنوان “عاجل جدا”، مرّت الآن أكثر من سنة ونصف عن تسليم الدراسة التقنية لهذا المكتب والأشغال لم تنطلق بعد وقد لا تنطلق أبدا.

“الشروق” اطلعت على بعض الأمور الغامضة في الأشهر الأخيرة، موازاة مع توقف الأشغال وبقاء مصير الجسر العملاق مبهما، منها ضخ 230 مليون لمكتب دراسات نظير التقاطه صور بالليزر، أو ما يسمى بالسكانير الخاص بالجدران، وهي تقنية أكد مهندسون، بأنها بسيطة جدا ويمكن لمؤسسات الدولة بما فيها كوسيدار القيام بها، دون اللجوء إلى مكتب دراسات، كما أن مكتب الدراسات فوتر ما قيمته أكثر من 100 مليون سنتيم نظير المتابعة التقنية خلال العمل، الذي هو في حقيقته لم ينطلق بعد، إضافة إلى أرقام أخرى مليونيةومليارية لا توجد في الواقع. المهندس علي بن حميدة الذي تحدث لـ”الشروق اليومي”، ذهب أبعد من ذلك عندما قال بأن أحد مكاتب الدراسات الذي مُنحت له الدراسة لا يمتلك أصلا سجلا تجاريا، وهو ما جعله يراسل والي ولاية قسنطينة الحالي ووزير الأشغال العمومية والرئيس المدير العام لشركة كوسدار التي تعتبر عملاق جزائري بإمكانياتها المادية الكبيرة وأيضا بخزانها البشري الذي يمتلك الكفاءة والخبرة.

بعض المهندسين الذين تحدثوا لـ”الشروق”، قالوا بأن الجسر العملاق هو مشروع الأمة الجزائرية، فقد عُرفت قسنطينة منذ أكثر من قرن من الزمن بعاصمة الجسور، وكان ضروريا أن لا ترتبط هذه التسمية بما بنته فرنسا فقط من الجسور، فجاء الجسر العملاق ليشرّف جزائر الاستقلال، لأجل ذلك وجب تسليم جميع ملحقاته، ووجب إنقاذه لأن تواجد المياه أسفل الجسر، قد توصلنا – بحسبهم – إلى مرحلة الخطر الكبير، ويصبح العلاج غير ممكن.

مشكلة مصالح الأشغال العمومية أنها تسرعت – بحسب أحد المهندسين – في قطع الاتفاق مع الشركة البرازيلية التي بدأت أشغال الجسر العملاق، لأن هناك أمور حاسمة مازالت لغزا في حكاية الجسر العملاق، ومنها إنجاز البرازيليين لنفق تحت الجسر يكلف 600 مليار من خزينة الدولة، لحمايته، من دون فهم سبب لذلك، كما أن المعلومات الواردة لدينا تؤكد الشركة البرازيلية رفعت دعوى قضائية في محكمة باريسية ضد هيئة الأشغال العمومية بسبب فسخ العقد من طرف واحد.

“الشروق”، اتصلت بالسيد سبتي رغيسي مدير ورشة الجسر العملاق، عن سبب توقف الأشغال وعن السهام التي وجهها مهندسون اتجاه مكتب الدراسات المكلف بإنقاذ الجسر، فنفى الأمر، وقال بأن الأشغال أعيد بعثها، واعتبر التأخر أمرا عاديا بسبب تعقّد الحالة كما قال، وأشار إلى أن مكتب الدراسات الشاب، هو تحت المراقبة الدائمة من شركة كوسيدار، ولا يمكن أن يقوم بأي تجاوز وهو تحت مجهر الإدارة، ورفض أن يعطي موعدا لتلسم ملاحق الجسر العلاق الذي بلغ الآن سن الـ 14 عاما من دون أن يسلم بملاحقه رسميا.

يذكر أن تعليمات نيابية، قد وُجهت سابقا للضبطية القضائية لفتح تحقيقات معمقة في مشروع إنجاز الجسر العملاق، التي توسعت في الفترة الأخيرة وأثارت غضب والي الولاة الحالي الذي وعد في مناسبة سابقة بأن يتم تسليم نفق حي الزيادية أحد أهم ملاحق الجسر العملاق خلال شهر ديسمبر من السنة الماضية 2021، من دون أن يتحقق الوعد، وجاءت التحقيقات بعد ظهور عيوب تقنية على مشروع الجسر العملاق. وكان مشروع دراسة وإنجاز الجسر العملاق أو ما يعرف بجسر صالح باي، قد أثار جدلا واسعا، بعد أن اختار الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة البرازيليين من دون مناقصة دولية، لإنجازه، ففازت بالصفقة شركة دراسات برازيلية تدعى أندرادي غوتيرز، بحجة ما يربط قسنطينة بالبرازيل التي أنجزت في زمن بومدين جامعة منتوري، وهي نفس شركة الهندسة التي أشرفت على دراسة مشروع إنجاز جسر العاصمة البرتغالية لشبونة، وكان الرئيس الراحل بوتفليقة قد منح والي الولاية في ذلك الوقت عبد المالك بوضياف كل الصلاحيات في إنجاز أول جسر في قسنطينة بعد الاستقلال.

ومنحت الشركة البرازيلية الدراسة التقنية لمكتب معروف على المستوى العالمي وهو مكتب دراسات دانماركي يدعى كووي، وهو ما جعله كشكل هندسي يظهر كتحفة نادرة في العالم، ذكر أن هذا الجسر بدأت الاشغال الكبرى به في صيف 2010، ومازالت تكلفته الحقيقية إلى حد الآن غير معروفة بدقة وهي تفوق نصف مليار دولار، وتم استهلاك مبالغ إضافية منها 2700 مليار سنتيم لتحويل المياه التي توجد تحت الجسر وإنجاز أعمدة إضافية، و100 مليار كتعويضات لمن تم تهديم مبانيهم و400 مليار لربط الجسر ببقية الأحياء، مع ارتفاع عدّاد الأموال المصروفة عليه والجسر لم يسلم بعد.. بل إنه مهدد بالانهيار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!