-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تغييرات، بوادر أم أماني ؟

التهامي مجوري
  • 1619
  • 0
تغييرات، بوادر أم أماني ؟

تصريحات الأمين العام للأفلان الأيام القليلة الماضية، تبشر بتغييرات هامة تطال جوانب من الحياة السياسية في سنة 2016، منها تعديل الدستور وجهاز المخابرات وأمور أخرى تأتي بالتبع بطبيعة الحال؛ لأن التغيير والإصلاح في هاتين الجهتين ينبني عليهما بالضرورة إعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة.

ولكن المتابع للحياة السياسية في البلاد، والمتصفح لورقات منظومتنا الفكرية والثقافية والإعلامية، وأدبيات خطابنا السياسي لا يشعر بأن شيئا جوهريا سيتغير؛ لأن لغة الخطاب التي نسمعها من جميع الجهات واحدة، ولأن الوجوه الممثلة للتيارات في الساحة واحدة، ولأن البدائل الإصلاحية المعروضة ليست بالقوة التي تغير الواقع، ولأن الشرعية التاريخية ومنطق السلطة الفعلية –على حد تعبير الأستاذ مهري رحمه الله-، لا يزالان يهيمنان على الساحة بشكل أو بآخر، والجديد العائد الذي كنا نظن أننا ودعناه في ثمانينيات القرن الماضي، قد غاد بقوة ألا وهو جرثومة الجهوية، التي تحولت في بعض الأحيان إلى عنصر إعلامي هام  في تحليل الحياة السياسية في البلاد.

هذا قدر من اليأس كاف للتقليل من البشائر التي بشرنا بها سي سعداني، وحتى لا يكون كلامي “الريح في الشبك” كما يقول العاصميون، يمكنني استصحاب جملة من الأمور التي يعيشها كل جزائري سواء كان مهتما بالشأن العام أو غير مهتم، أي سواء كان مسيسا أو غير مسيس.

وضع الأشخاص مكان الأفعال

وذلك بربط الأمور في القراءات السياسية للواقع بالأشخاص، أي استحضار الأسماء والأشخاص في كل تحليل سياسي، بدل القيم السياسية والأخلاقية، هذا القرار جيد لأن فلانا فعله، وذاك قرار سيء لأن علانا فعله، وهذا مشروع ناجح لأن زيد هو الذي قام به، وذاك مشروع فاشل لأن عمرو هو الذي من وؤائه، “وهلم جريا.. “، وهذا الأسلوب في تحليلنا للواقع الذي نعيش، من اللوازم المزعجة التي توارثناها أبا عن جد، منذ عقود الحركة الوطنية، في حين أن المسألة السياسية في جوهرها قضية نظام حكم، وطرق تسيير، وثقافة مسيرين، ومنظومة ثقافية حاكمة، وليست مجموعة من الأفراد منفصلة عن النظام بمؤسساته.

هذه المشكلة ليست جديدة في حياتنا السياسية كما ذكرت، وإنما كانت ولا زالت من موروثات الحركة الوطنية التي كانت تصنف المواقف والحكم عليها من خلال الانتماء الحزبي او الفئوي أو الجهوي..، ولا زلنا كذلك إلى اليوم، إذا ذكرنا مرحلة من مراحل تاريخ الجزائر، لا نذكر فضيلة ولا رذيلة إلا في صورة ثناء على زعيم أو قائد أو استنكار لفعله،  وكأن المؤسسات لا وجود لها، لا رسمية ولا شعبية، فلا فضل ولا مسؤولية لمؤسسة ولا لشعب، وإنما هي للرئيس وللزعيم وللقائد، وكذلك الفشل والإخفاقات فهي للمجرم والفاشل والعميل!!. وعقلية بهذا المستوى لا يمكن ان تحقق إصلاحا أو تغييرا في مستوى طموحات الشعب؛ لأن منطقها قاصر على الأسماء والمسميات وحسب، فلا قيم ولا تقييم ولا نتائج ولا محصلات… وإنما زيد قفز بالجزائر وعمرو باعها وفلان جعل منها كيت وكيت وعلان أرادها كذا وكذا، ولا يهمني هنا ذكر الأشخاص، لأن الذي يعنيني هو صيغ التعامل مع الأحداث وليس من يقوم بها، على اعتبار ان صيغ الفهم والتقدير والتقييم هي الحكم وليس وجود فلان أو علان في الموقع الفلاني.    

عدم اهتمام الشعب بالحياة السياسية

وذلك يعني أن الشعب الذي يفترض فيه أنه هو الذي يصنع الحدث بالتفاعل معه قبولا ورفضا للأمور المتعلقة به وببلاده، لا يهتم بما يجري في الحياة السياسية، فمعنى ذلك أنه غير مكترث بما يجري؛ لأنه يحمل في لاشعوره أن ما يقع من أحداث تتكلم عنها الصحافة أو يلوكها السياسيون، هو عبارة عن تغيير أشخاص وتقاسم أدوار وتبادل مصالح ومن ثم لا جديد يرتقب، ولا امل في الإصلاح.

وهذا المعتقد الشعبي الذي دفع بالجماهير العريضة إلى عدم الاهتمام بالشأن العام أو على الأقل ضعف الاهتمام، نتيجة للأمر الأول الذي يربط القضايا بالأشخاص وبالعصب وبسلطة الإدارة.. فهو يائس من أهمية الفعل الشعبي، وهو سبب إهماله للموضوع؛ بل ربما اعتبر الاهتمام بالشأن العام مضيعة للوقت؛ لأن ما يريده صاحب القرار يمشي ومن ثم لا حاجة له باهتمامات الناس.

وعندما نقول عدم اهتمام الشعب بالشأن العام والشأن السياسي منه على وجه الخصوص، بحيث لا يهمه منه إلا المصلحة العاجلة والخاصة، المأكل والملبس والسكن..، فمعنى ذلك أن هذا الشعب لا يؤمن بجدوى الاهتمام بالسياسة ومعنى عنده للفعل السياسي، فلا انتخابات ولا تصديق لنتائجها ولا إيمان بما يعد به الفائزون بها وبالمختصر لا ثقة في السياسة ولا في السياسي. وقد ساءني تصريح لأحد السياسيين ذات يوم، عندما ذكر له حراك شعبي في مناطق من الوطن على أنه حراك له مطالب سياسية، قال لا إنما هو حراك لمطالب اجتماعية، وقراءتي لمثل هذا التصريح، تؤكد ما نريد قوله وهو أن المواطن يائس من الجانب السياسي ولكن ما يسيء للمواطن وللدولة أيضا، ان المواطن في رأي هذا السياسي أصبح عديم الاحساس، ولا يحركه شيء، بل لم يعد يشعر إلا بالحاجة إلى المطلب الاجتماعي وما يحتاج إليه الحيوان من أجل البقاء. وهي أقل حاجات الإنسان التي يشترك فيها هذا المواطن مع الحيوانات،

تذرير المشكلات

أي تفتيتها وتحويلها إلى ذرات، بحيث تقسم المشكلات الكبرى إلى أجزاء صغرى والكلام عن هذه الأجزاء الصغرى وكأنها هي المشكلات الحقيقية التي ينبغي علاجها.. وهذا من بين المنزلقات الكبيرة المؤدية حوار الطرشان الذي يتكلم فيه كل الناس ولكن لا أحد يسمع أحدا.

لا شك أن الكثير مما يتكلم عنه الناس من قضايا في الحياة السياسية له أهميته، تعديل الدستور صدقية الانتخابات المفاضلة بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني، الأزمة الاقتصادية المترتبة عن انخفاض سعر البترول…، وإلى ما هنالك من الأمور التي يتكلم عنها السياسيون والإعلاميون، ولكنها ليست هي أصول المشكلات، وأكاد أجزم أن كل ما ذكر لا يعتبر مشكلات حقيقية، باستثناء صدقية الانتخابات، وإنما هي أعراض لمشكلات أخرى هي الجديرة بالبحث والعلاج. وذلك لا يمكن الوصول إليه إلا بالبحث في أصول المشكلات الحقيقية وليس الأوهام التي تشعر المناضل بأنه يناضل وهو في الحقيقة يحرث في الماء وأ يحصد الريح.

إن المشكلات الاجتماعية والسياسية، كليات وجزئيات، والكليات في العادة هي الجديرة بالاهتمام؛ لأن الجزئيات عبارة عن أجزاء يراد التغلب عليها ولكن بعد الوصول إلى تشخيص المشكلة الكل والشروع في علاجها، اما أن يتم التسويق على أن تعديل الدستور أو استبعاد الجنرال توفيق هو الإصلاح والتغيير الشامل وتمدين الحياة السياسية، أظن أن ذلك تسطيح للمشكلات وتذرير لها، وذلك لا ينبئ بتغيير في المدى القريب     

استبعاد المسألة الثقافية

وأخيرا عندما تستبعد المسألة الثقافة في الإشارة إلى التغييرات السياسية، لا أظن أن تغييرا يحصل بثقافتنا الرائجة.. فنحن الآن نحمل ثقافة استصحبناها من زمن حركة التحرير الوطني، ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ومن ليس معي فهو ضدي، ومن لم يكن مناضلا فهو حركي، ومن لم يقر السلطة على ما تفعل فهو خائن للوطن… هذه المصطلحات لا نقر على أنها فينا، ولكن جميع سلوكاتنا تجاه بعضنا كلها تقر هذه المعاني. وهذه الثقافة لا يمكن ان تقود مجتمعا يطمح إلى فهم المجتمع المتعدد المتنوع الذي تجمع بينه الغايات الكبرى. والحل في تقديري هو توسيع قاعدة التثقيف وفق المعطيات المحلية والدولية الجديدة.

وما لم يعاد النظر في هذه النقاط الأربع ومراجعتها بجدية، لا أتوقع تغييرا أو بدو إصلاح قبل سنوات لأن معوقات الإصلاح والتغيير أكثر بكثير من القدرة والإرادة الواجب توفرها، اما مبرراته فهي قائمة منذ صائفة 1962. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بزاز بعزيز

    ما اوردته عن تصرحات العبد المحنط الذي فر وتنظيمه من بوابة متحف سيباع يوما كمومياء فرعونية من زمرة تصحيحين يؤتمرون من آمون الشرفي المعظم .
    اما عن ما سيتغير في 2016 عفو لو ذكرت 2610 قد اشاركك الطرح ليس بهذه الزمر يأتي التغيير ولامع هذه الرعية التي طغت عليها الامية فكيف يعدل ناخب وهو امي دستور جمورية ويزكي برلمانا وينتخب رئيسا .
    اما عن رأيك في الكليات والجزئيات تاخرنا يا استاذ ليتهم فعلو ذلك يوم اجتمعو في طرابلس
    وعن الجهوية فذات يوم سيفهم لما بعد انتصار الحلفاء لم تسلم فرنسا لديقول الا لاحقا.