-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تقييم المكتسبات بين الأهداف وتعقيدات الواقع

تقييم المكتسبات بين الأهداف وتعقيدات الواقع

يُسدل الستار بعد أسبوع، على الطبعة الأولى من امتحان تقييم المكتسبات للسنة الخامسة ابتدائي، والذي خلف لغطا كبيرا وسط الأسرة التربوية وخارجها، طغى حتى على مغزاه وأهدافه البيداغوجية، فهل كانت المسألة مرتبطة بالارتجال في إقراره؟ أم في عدم فهم أهدافه؟ أم أن الأمر يتعلق بعدم جدواه بصيغته الحالية؟

وفي غمرة هذه “التقييمات” التي ينزعج القائمون على الوزارة حتى من إطلاق تسمية “امتحان” عليها، كان الصوت المسموع في القطاع هو “التذمر” لدى بعض أعضاء الأسرة التربوية ونقابيين، و”ضجيج” عبر الشبكات حول جدواه وآثاره النفسية على الأولياء والتلاميذ والتي تُناقض “مغزاه” البيداغوجي.

وعلت هذه الأصوات على أي تقييم هادئ وموضوعي من شأنه الحسم في جدوى ما سُمِّي “السانكيام الجديد”، كما أنها جاءت مناقضة لطرح وزارة التربية التي تصفه بـ”الخطوة الضرورية” من أجل “تقييم نوعي وليس كمّيا” لمكتسبات التلميذ بعد نهاية المرحلة الابتدائية، تمهيدا لسد النقائص خلال محطته القادمة وهي مرحلة التعليم المتوسط.

وهذا الامتحان ظل لسنوات مجرّد مشروع في رفوف الوزارة، بعد أن أظهرت عملية تقييم للنسخة القديمة وهي شهادة التعليم الابتدائي، أنها اختبارات بدون جدوى، بحكم أنها تستنزف جهدا تنظيميا كبيرا يضاهي الإمكانات اللوجستية التي تخصص لامتحانات البكالوريا، لكن تبين أن نسب النجاح العالية فيها مجرد غطاء يحجب نقائص بالجملة تنجلي في أول سنة من التعليم المتوسط.

كما أن مختصين يقولون إن المغزى من هذا “الامتحان” هو التقييم البيداغوجي الناجع والفعال للمكتسبات، وترسيخ مبدأ التحصيل العلمي والمعرفي لدى التلاميذ، بعيدا عن رهان حصد الشهادات وتحقيق المعدلات والنقاط العالية.

لكن ما طُرح من انشغالات وسط الأسرة التربوية ومن نقابات القطاع وحتى مفتشين، يرتبط أساسا بظروف وطريقة إجراء هذه التقييمات، ومدى قدرتها على تحقيق ما هو مرجوٌّ من عنوانها الكبير المرتبط بإصلاح الاختلالات في منظومة التعليم بالمرحلة الابتدائية، والتي يمكن اختصار مَهمَّتها الرئيسية في تخريج تلاميذ يتقنون المهارات اللغوية ومهارتي الكتابة والحساب، قبل التنقل إلى الطور المتوسط.

ويظهر من خلال تقييمٍ، ولو ظاهريٍّ، لهذه الامتحانات، في انتظار التقييم العميق لها بناء على نتائجها، أنها لم تأخذ الوقت الكافي من الإعداد وضبط كافة جوانبها قبل إقرارها، بالنظر إلى الظروف التي جرت فيها، بشكل دفع البعض إلى التساؤل حول جدواها؟

وطفت على السطح خلال تنظيم أول طبعة من هذه التقييمات، ما يشبه تناقضات بين مغزاها وجوانبها التنظيمية، ومنها أن إسقاط احتساب نقاط الاختبار يُفقده جانبا من الاهتمام لدى التلميذ، لعلمه المسبق بأنه غير مصيري، ومن ثمة، لا يمكن انتظار تقييم يُظهر مستواه الحقيقي.

كما أن إجراء تقييمات إجبارية طيلة شهر كامل وفي 12 مادة، مع عقوبة الإقصاء في حق المتغيِّبين بدون تقديم بدائل لذلك، يعدُّ أمرا غير معقول في الواقع، وقد يحرم تلاميذ نجباء من الانتقال إلى الطور المتوسط لظروف قد تكون قاهرة كالمرض أو أي سبب عائلي آخر.

وفي الجانب الآخر، وجد أساتذة أقسام السنة الخامسة أنفسهم في نهاية الموسم الدراسي أمام ماراتون حقيقي، بين التدريب على التقييمات وإنهاء البرنامج والتحضير لامتحانات الفصل الثالث، ثم اختبارين للتقييم أسبوعيا مع التصحيح وتدوين النتائج، وبعدها حراسة امتحانات نهاية التعليم المتوسط والبكالوريا، بشكل جعل نقاباتٍ تتوقع هجرة جماعية من تدريس هذه الأقسام خلال المواسم القادمة.

ويبدو من خلال معاينة شاملة لهذه “التقييمات”، منذ الإعلان عن إقرارها ووصولا إلى إجرائها، أن ما رُسم لها من أهداف تصبُّ في مشاريع إصلاح المنظومة التربوية، قد اصطدم باختلالات في التنظيم، بشكل يستدعي إعادة النظر في الكثير من جوانبها مستقبلا، سواء بتقليص عدد مواد التقييم وكذا موعد إجرائها خارج أوقات الدراسة، أو منحها طابعا رسميا رغم أن البعض يطالب بإلغائها نهائيا لعدم جدواها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!