-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جدوى البحث عن حل.. لدى ديمقراطية محل سؤال

جدوى البحث عن حل.. لدى ديمقراطية محل سؤال

في الوقت الذي بدأنا نزعم أننا نتعلم المبادئ الأولى للديمقراطية، ونُمنّي النفس بأننا سنعرف ذات يوم ديمقراطيا….. ترتفع أصوات كثيرة في أوروبا اليوم ـ لتعلن أن هذه الديمقراطية الموعودة إنما ستقتل نفسها بنفسها وما على البشرية سوى أن تستنجد بعلمائها ومفكريها وفلاسفتها لعلها تجد حلا لهذا القتل الذاتي الذي بات اليوم واضحا بعد الذي أفرزته نتائج الانتخابات الأوروبية يوم الأحد الماضي… هل تعود أوروبا من جديد وتكتشف لنا الحل في الجانب السياسي الذي غيّبناه على أنفسنا، كما اكتشفت لنا الحل في الجانب العلمي والعقلي الذي تنكرنا له طيلة قرون من الانحطاط؟ أم سنجتهد ونبتكر الحل بأنفسنا؟

يَطرح الأوروبيون هذه الأيام مسألة في غاية الأهمية لها علاقة بمستقبل بلدنا السياسي وبالرؤية التي ينبغي أن نصوغها لأنفسنا في العقود القادمة، بل لها علاقة بمستقبل كل البلاد العربية والإسلامية وغير الأوربية التي اعتبرت أن الحل الموعود بالنسبة لنظامها السياسي هو الديمقراطية.

تنطلق هذه المسألة من ملاحظة التنامي المتزايد لليمين المتطرف في أوروبا الذي أكدته نتائج الانتخابات الأوروبية يوم الأحد الماضي حيث أصبح لأول مرة في التاريخ هو القوة المعارضة الأولى في فرنسا بنسبة 24 ,9 % ، وفي بريطانيا بنسبة 27,5 % ناهيك عن فوز مؤيدين للنازية صراحة في كل من اليونان وألمانيا ولو بنسب ضئيلة… هذا اليمين المتطرف الذي تنامى في كامل أوروبا، بدأت ترتفع تجاهه أصوات تقول: إنه أصبح يركب الديمقراطية ليحطم الأساس الأول الذي تقوم عليه: المساواة بين المواطنين، وتتساءل ألم يحن الوقت لدعوة المفكرين والعلماء الغربيين للاستنجاد بالحكمة لأن النقاش حول الديمقراطية اليوم “لم يعد سياسيا إنما روحيا” (جريدة لوموند الفرنسية ليوم الثلاثاء 27 ماي 2014) ؟؟، باعتبار أن النظرة السياسية والأيديولوجية لهذا اليمين لا تقوم على الدفاع عن برامج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية إنما على أفكار عنصرية تقوم على التمييز بين مواطني البلد الواحد على أساس العرق واللون والمعتقد الديني، فهناك العرق الصافي وغير الصافي، وهناك الديانة المنبوذة وغير المنبوذة… وقد وصل الأمر بالحزب الوطني الديمقراطي الألماني NDP المعروف بدفاعه عن النازية الجديدة إلى الدعوة الصريحة لمواجهة ظاهرة الهجرة ليس لحماية الاقتصاد الألماني إنما لحماية “الجوهر النقي للشعب” الألماني، دون الحديث عن الشعارات التي يرفعها اليمين المتطرف في فرنسا واليونان وبريطانيا الداعية إلى التمييز بين المواطنين الذين جعلت منهم الديمقراطية فرنسيين أو ألمان أو إنجليز بحكم قوانين الجنسية …

هذا التوجه الجديد الذي تزايد مؤيدوه من الأوربيين أعاد طرح النقاش اليوم حول مصير الديمقراطية الغربية وجدواها كنظام سياسي، يدفعنا إلى مراجعة منطلقاتنا للإصلاح السياسي من الأساس وطرح السؤال الجوهري: أي نظام سياسي نريد؟ أي نموذج ينبغي أن يسود بلادنا باعتبار أن النماذج السائدة اليوم أثبتت إما فشلها (الشيوعية) أو محدوديتها (الديمقراطية).. وقبل ذلك يدفعنا إلى طرح سؤل آخر: إلى من ينبغي أن توكل مهمة البحث عن البديل؟ هل للسياسيين وأنصار الجدل السياسي أم للعلماء والمفكرين الذين ينبغي أن يستخلصوا الدرس من كل ما يجري في العالم. أم أنه علينا أن نبقى مكتوفي العقول ونعتبر أننا مازلنا قُصرا ننتظر الإشارة من الغرب الذي بدأ بذاته يضع ديمقراطيته التي تبناها لقرون من الزمن محل سؤال؟

لقد طرح بعض السياسيين هذه المسألة في إطار حملة تعديل الدستور الحالي ولكنهم لم يوضحوا ماذا نريد بالضبط من إصلاح النظام السياسي. هل ينبغي أن نُبقي النقاش في مستوى ما هو معروف من آليات التعبير الديمقراطي الغربي في ظل الخبرة الديمقراطية الحالية في العالم الرأسمالي (نظام رئاسي، برلماني، تعددية…الخ)؟ أم علينا أن نتجاوز هذا الطرح للتفكير في آليات أخرى خارج نطاق آليات التجربة الغربية التي تمكننا من تفادي تكرار التجربة النازية التي أوصلت هتلر إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع أو تكرار التجربة الأوربية الحالية التي قد توصل متطرفين إلى الحكم يفعلون مع غير الشعوب الصافية عرقيا أكثر مما فعلته النازية، أو تأكيد الاتفاق الضمني للدول “الديمقراطية” أن التداول على الحكم من خلال الانتخابات ينبغي أن يكون مشروطا بعدم وصول الإسلاميين غير الموالين للغرب إلى السلطة؟

إنها بلا شك أسئلة جوهرية لا أعتقد بأن السياسي (الحزبي) قادر على الإجابة عنها بمفرده، ولن يستطيع الإجابة عنها حتى ولو أراد، لذلك مازال اقتراحنا لأجل مستقبل بلدنا أن يكون النقاش حول الرؤية سابقا للنقاش حول الدستور، لأنه ضمن الرؤية المستقبلية سيتم تصور النموذج القادم لبلادنا من خلال العديد من المؤشرات والأبعاد الماضية والمستقبلية، ليس فقط في القطاع السياسي إنما في كافة القطاعات. وأظن بأننا نمتلك من الكفاءات التي بإمكانها القيام بذلك، داخل الأحزاب السياسية وخارجها، والخارجة أكثر عددا وقدرة على التحليل والطرح إذا ما كانت هناك إرادة لتفعيل دورها.

هل نحن أفضل من الأوروبيين الذين كانت إشارات أولى منذرة بمستقبل غير مرغوب فيه كافية لتحرك فيهم الدافع لفتح نقاش معمق حول الديمقراطية ذاتها وآلياتها، بالرغم من أنها أساس وجودهم.. هل نحن أفضل من الأمريكيين الذين بدأوا منذ نحو عقدين من الزمن في التحضير إلى ما يُعرف بالديمقراطية الإلكترونية بعيدا عن الأحزاب والانتخابات والنقابات… ولديهم تجارب ناجحة حاليا في بعض الولايات…؟؟

أظن أن ما حدث في أوروبا وما سيجري في السنوات القادمة من نقاش حول مصير الديمقراطية ينبغي أن يستوقفنا إذا كُنّا بالفعل نريد أن نؤسس لنظام سياسي بإمكانه أن يستمر في القرن الحادي والعشرين، وربما يحمل إجابات للغربيين في بعض المناحي منه.

لقد اجتهد الصينيون حينما كيّفوا النظام الشيوعي مع الكنفشيوسية من خلال تفكير عميق داخل الحزب الشيوعي ذاته، وهم اليوم يسابقون التطورات ليرفعوا من درجة تكيفهم وبقائهم في عالم متضارب، واجتهد الإيرانيون أيضا وصاغوا نموذجا سياسيا يستلهم من الديمقراطية الغربية بعض القواعد ولكنه ليس استنساخا، وقد بدأ الغرب يعترف بنجاح هذه التجربة التي ليست كباقي التجارب.. واجتهد الاندونيسيون في التعامل مع الدين في دستورهم ونظامهم السياسي وكيفوا الديمقراطية مع خصوصياتهم.. لماذا لا نجتهد نحن ولا نعمل على أن يكون دستورنا نسخة مشوهة عن الآخرين؟ لماذا لا نسعى أن يكون اجتهادا قائما بذاته لا يتنكر للموروث التاريخي والحضاري للأمة ولا يكون غافلا عما يصيب هذا النظام الديمقراطي الغربي الشائخ من أمراض أصبحت تهدّده بالفناء ونحن ننتظر منها البقاء.. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • بنت عمران

    سيدي من تخاطب وعلى من تقترح الفئة الضعيفة توافقك الراي اما الفئة الباغية اقصد الحاكمة فهي تسعى للحظة الانية وبعدها الطوفان

  • ناصر

    لا احب ان انظر نظرة سلبية الى المستقبل .. كل شيئ سيتغير الى الاحسن .. و اليمين المتطرف الذي تنامى في كامل أوروبا هو شيئ عادي ولا يشكل خطر لان المصير الدولي العالمي يشجع نظام جديد لبد منه على كل الدول .. نظام عالمي جديد يرفض العنصرية و النازية رفضا تام .. لانه سيكون نظام عادل بين المجتمعات و بين الشعوب .. في نظري الشخصي نظام العدل هو الحل .. الدكتاتورية و الديموقراطية و الفاشية وووو كلها مجرد اسامي كثيرة تدعو الى التفرقة .. السؤال هو >> الم يحن الوقت لتنظيم نظام عالمي جديد و نسميه العدل الحق .