-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا نؤجل الأمل مرة أخرى

حتى لا نؤجل الأمل مرة أخرى

عندما يصبح الشخص أكبر من الفكرة، وأكبر من المؤسسة، وأكبر من الدولة، نكون بصدد إفلاس سياسي حقيقي، لحد الآن تقلصت الأحزاب في أشخاص، وتقلص المستقبل السياسي للبلاد في أشخاص، وبدل أن يتجه الناس إلى نقد مقترح هذا أو تثمين مقترح ذاك، أو التركيب بين أكثر من مقترح لإيجاد حل من الحلول، هم الآن في غالبيتهم في حالة انتظار الشخص “السماوي” “الملهم” الذي سيكشف عنه الدرج السري في اللحظة الحاسمة، وسيكون هو عنوان الحل.

هذه الحالة بالذات ينبغي أن لا تسود، وينبغي أن نضع لها حدا، أي ينبغي أن لا يظهر هذا الكائن السماوي، وعلينا أن نرفضه حتى وإن ظهر، باعتباره سيكون عنوان اليأس ونحن نريد أن ندخل مرحلة الأمل، كفانا تأجيلا لها.

مرحلة الأمل ينبغي أن ترتبط بـ”الأفكار الدافعة صانعة المعجزات الكبرى في التاريخ”، على حد تعبير مالك بن نبي ــ رحمه الله ــ، لا بعبادة الأشخاص الذين يشكلون النفي المطلق والتام للفكرة والمشروع والرؤية.

لن يكون موقفنا صائبا إذا اخترنا أشخاصا بعينهم من غير أن نكون مقتنعين بالأفكار التي يطرحونها، فما بالك إذا اخترنا أشخاصا لا أفكار لهم بالأساس.

إن المرحلة السياسية المقبلة ينبغي أن تتميز بتنافس جدي ونزيه بين الأفكار التي تتضمنها البرامج، لا بين الأشخاص الذين يزعم كل منهم أنه الأقدر على قيادة البلاد والعباد.

إن القدرة ينبغي أن تتجلى في مقترحات الحل الحقيقية لا في سمات ووعود الشخص، في أن تكون هذه المقترحات مقنعة وقابلة للتنفيذ، لا مقترحات عامة يشترك فيها الجميع، كالقول بتحقيق السلم الاجتماعي وترقية التعليم ومحاربة الفساد، وتعزيز التعددية وتحقيق التضامن الاجتماعي وغيرها من الشعارات، إننا ننتظر مقترحات دقيقة وواضحة ومبررة بالقدر الكافي، لكي تُعَّمق بنقاش عميق ثم تأخذ الشرعية بتزكية شعبية واسعة، وتتحول إلى سياسات عامة قابلة للتطبيق في مدى زمني محدد ومضبوط بدقة.

إننا نريد أن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة التحول من تمحور السياسة حول الأشخاص إلى تمحورها حول الأفكار الدافعة، نريد نقاشا واسعا مثلا حول: أهمية نقل العاصمة نحو الجزائر العميقة، تناسب واضح في الأجور بين الأدنى والأعلى، متوسط سن 40 سنة للحكومة، متوسط 25 تلميذا في القسم، إطعام مدرسي للجميع، التزام كل مسؤول بمعالجة نفسه وأسرته في بلده، تعويض المظلومين ممن قبعوا أويقبعون الآن في السجون، تحديد آجال واضحة لوضع حد لكابوس السكن…الخ. وبعدها يأتي الأشخاص، الأنسب فالأنسب، ليُنتخب أحدهم على أساس ما التزم به، ويُحاسب فيما بعد كل على أساس ذلك.

 

من غير هذه المنهجية، لن ننتقل إلى مرحلة جديدة، وسنضطر إلى تأجيل الأمل مرة أخرى لا قدّر الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!