-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا نكون ضحية مرة أخرى

حتى لا نكون ضحية مرة أخرى
ح.م

النظام السياسي ليس هو السلطة السياسية، وليس هو الحُكم فقط، وليس هو عصابة أو قائمة تضم مجموعة من الأسماء… إنما هو مُركَّبٌ مِن العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتداخلة التي تَشكّلت خلال عقود من الزمن في ظل سلطة سياسية قائمة، جعلت من هذه العلاقات جزءا من طبيعة الدولة ولها انعكاسٌ على كافة أفرادها بدرجات مختلفة. ومن ثَمّ، فإن التغيير الجذري لهذا النظام يستلزم إزالة كل هذا المُرَكَّب من العلاقات المتداخلة والكثيفة بين المتغيرات المشكِّلة له، واستبدالها بأخرى ناشئة أفضل منها، إلى أنْ نصل إلى تفكيك بنية النظام الفاسدة واستبدالها ببنية سليمة على رأسها سلطة سياسية متطابقة مع طبيعتها الجديدة يؤيدها الشعب.
ولعل هذا وحده يكفي لنرى أن مسألة التغيير الجذري للنظام ليست ببساطة الشعار الذي يُرفَع هنا وهناك، خاصة ونحن نريده تغييرا بسلمية ودون انزلاقات كما حدث في بعض التجارب المحيطة بنا.

في تقديري، بدل الخوض في مزايدات: مَنْ مع النظام ومَنْ هو ضده؟ مَنْ مع فلان ومَنْ هو ضده؟ وبدل تضييق أفق الناس وربط كل المشكلة في شخص أو حلها بشخص، أو مجموعة من الأفراد، أو مداعبة عواطفهم قبل عقولهم بمصطلحات الجذرية والفورية والسلطة الشعبية… علينا بتهدئة النفوس وعقلنة الطرح وتعميم فقه الإصلاح التدريجي والسلس وبعيد المدى الذي يتطابق بحق مع جوهر السلمية الرافضة للعنف والتخوين القائمة على أولوية الدولة على السلطة، وأولوية مشروع البناء على مشروع الهدم، وأولوية المصالح الوطنية على المصالح الأجنبية، وأولوية موقف أبناء الجزائر العميقة، البسطاء من الناس، على غيرهم ممن يعيشون ضمن محيط أكثر أمنا أو أقل غدرا إن في الداخل أو الخارج ويرفعون شعارات الجذرية والفورية… أي أن نُخرج الناس من حالة الاحتقان التي يعمل البعض على الزج بنا فيها، إلى حالة من الهدوء التي تُمكِّننا من التعامل مع الأزمة التي تمرُّ بها بلادنا تعاملا موضوعيا بعيدا عن كل إفراط أو تفريط…

إنه لا يوجد جزائريٌّ واحد راض بالحالة التي نحن عليها في كافة القطاعات، وبالوضع الذي آلت إليه بلادُنا في ظل سياسات عامّة أثبتت فشلها، ولكن لا يوجد جزائري واحد، يقبل أن يُزَجَّ بأبنائنا في دائرة الانزلاق، فقط ليقول البعض إن النظام هو السبب وليس الشعب… كم يؤلمني هذا الكلام، وأنا أعلم أن الذين يستخدمونه سياسيا هم أعلم من غيرهم، أن النظام السياسي لن يتغيَّر جذريا كما يزعمون بهذه الكيفية، بل أحيانا لا يهمهم تغييرُه بقدر ما يهمهم تغيير هذا الشعب وإن تم تحطيم جزء منه… لن يقبلوا أبدا بوطنيٍّ يحمل مشروع بناء التجربة الديمقراطية الاجتماعية في إطار الإسلام. وإذا ما حدث وتغيّر النظام بهذا الاتجاه جذريا كما ينادون، فتأكدوا من أنهم سيكونون أول من يقف ضد هذا التغيير الجذري.. وعمق الأزمة يكمن في وعي هذه المسألة، والأمل في حلها كذلك .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • amine

    الى العلق رقم 1...........العامة من الناس لا ترى المخاطر التي قد تنجم عن الفوضى التي تقود الى هدم مؤسسات الدولة. دور المثقف هو تنوير المجتمع و تحديره من مستقبل مفتوح على المجهول مستقبل يريد البعض فرضه على الشعب باسم حرية التعبير ..اشكر الاستاد على مقاله الصائب و شكرا

  • alilao

    من المؤسف أن ترى مثقفين من بلادنا يقفون ضد ارادة الشعب في التغيير الجذري لمنظومة الحكم التي أثبتت فشلها في كل القطاعات. في الدول الأخرى يكون المثقفون في الطليعة من أجل التغيير. عندنا يلوم المثقفون شعبهم على ثورته وانتحابه وبكائه مما آلت اليه بلاده وكأنه يعيشون على كوكب آخر.