-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حكمة مشروعية الصيام

حكمة مشروعية الصيام

تفضَّل الأستاذ أبو أسامة عمر خَلْفَة فأتْحَفَنِي بهدية قيّمة في آخر العشر الأوائل من هذا الشهر المبارك، وهذه الهدية القيّمة هي مما يَزْهَدُ فيه أكثرُ الناس، لأنها كِتَابٌ لا يُؤكل ولا يُشْرَبُ ولا يُلْبَسُ، وهذه أهّمُّ ما يَتَلَهَّفُ عليه الناس ويتَطَاحَنُوَن من أجله.

عنوان هذا الكتاب هو “حِكْمَةُ مشروعية الصيام”. وهو جَمْعٌ لما دَبَّجَهُ يرَاعُ صَاحِبِ القلم السيال، والفكر الصَّوَّال الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي، الذي وصفه الإمام ابن باديس بأنّه “فَخْرُ علماء الجزائر”، ولولا تَوَاضُعُ الإمام لوَصَفَهُ بأنه “فخر علماء المسلمين في هذا العصر”، كما أَكَّدَ ذلك العاَلِمُ الزعيمُ التونسي محي الدين القُلَيْبِي، رحم الله الجميع، ونَفَعَ الأمةَ بما تَرَكُوهُ لها من فكر أصيل، ومَجْدٍ أثِيل.

أشكر الأستاذ أبا أسامة على هديته القيّمة، وأشكره شُكْرَيْن على اهتمامه بجمع تراث علماء “خير جمعية أُخْرِجَتْ للناس”، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ونشره له، فأكَّدَ بما عَمِل، وما يعمل، أنه لا يستبدل بهذا التراث الأصيل أي كَلاَمٍ دَخِيلٍ هو دُون تراث علمائنا الأعلام، ولكن أكثرنا لا يعلمون، ولا يفقهون.

كان الأستاذ الفاضل قد طلب مني أن أكتب مقدِّمةً لِعَمَلِهِ هذا، ولم يَتَيَسَّر لي ذلك لما يعلمه عَنِّي من ضَعْفٍ؛ وقديما قال الشاعر:

إن الثمانِينَ وَبُلِّغْتُمُوها     أَحْوَجَت سَمْعِي إلى تُرْجُمَان.

وما أنا من الثَّمَانِينِ ببعيد..

إن الإمام الإبراهيمي لا يهتم فيما يقوله ويكتبه في هذه الشعائر ولا غيرها بما يَدُورُ في حِلَقِ العلماء، من التركيز على هذه الأحكام الفقهية الجزئية، لأنها مِمَّا يَعْرِفُه أكثرُ عَجَائِزِنا الأمِّيَّات؛ ولكنه يذْهَبُ إلى لُبِّ هذه الشعائر، وإلى مقاصد الإسلام الكبرى، وإنَّ العقول الصغيرة تضيق بالمعاني الكبيرة.

من أجل ذلك لا يؤمن في هذه الفريضة بما يُسَمِّيهِ المتمَسِّكُون “إنّا وَجَدْنَا فُقَهَاءَنَا على رأي ولن نتركه”، ولهذا يقول: “لا تجعلوا الحدود الإقليمية التي وضعها المخلوقُ حُدُودًا فَارِقَةً في الشعائر التي وضعها الخالق”، ويقول :”لا تلتفتوا إلى شُبْهَةِ تَبَاعُدِ الأقطار”، ويقول: “صوموا وأفطروا على أخبار إذاعة تونس، فَمَا تونس إلاَّ جَارَةُ قسنطينة، وعلى أخبار إذاعة الرِّبَاط فما الرِّبَاط إلاَّ جَارُ وهران”.. ولهذا فهو لا يعطي قيمةً للشائع من الأقوال كـ”اختلاف المَطَالِع” التي يَعَضُّ عليها “الظاهِرِيَّةُ الجُدُد”؛ في وَقْتٍ “صَارَ العَالَمُ بَيْتًا” كما يقول هذا الإمامُ السابق لزمانه، المُغَبِّرُ في وُجُوهِ “العلماء الخَوَالِف الجَامِدِين”.. وإلا كيف يُعْقَلُ أَن يصوم الأردنيون في يوم والفلسطينيون في يوم آخر وليس بين البلدين إلا “شَعْبَةٌ، وسَاقِيَةٌ” تسمى “نهر الأردن”؟! وقُلْ مثل ذلك عن سائر الأقطار الإسلامية، وما ذلك إلاَّ لأنَّه -كما يقول الإمام-: “كلما جاء شهر رمضان الذي تُصَفَّدُ فيه الشياطين انطلقت من بينكم شياطين تدعوكم إلى التفرُّق في شعيرة لم تُشْرَعْ إلاَّ للْجَمْعِ، وتُزَيِّنُ لكم الاختلاف في الدين باسم الفقه في الدين”.

رحمك اللهُ أيها الإمامُ الهمام، والفقيه الأفْقَه، والعلامة الأعْلَم. وهَدَانَا إلى فِقْهِ فِقْهِكَ. وتقبَّل اللهُ صيامنا وقيامنا، ونَصَرَ إخْوَانَناَ “فقهاء الجهاد” في غزة، الذين أحْرَجُوا “علماء جاهِد بالسُّنن يَا أبا عبيدة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!