خافوا ربّي!
خبران مثيران لفتا انتباهي أمس، وسيُلفتان انتباهكم اليوم: الخبر الأول يُفيد بأن تنسيقية الأئمة وموظفي الشؤون الدينية، اقترحت توزيع زكاة الفطر من طرف المواطنين.
أمّا الخبر الثاني: فيُفيد أن اللجنة الوطنية لوكلاء أسواق الخضر والفواكه، رسمت استفهاما عريضا أمام لغز وسرّ اختفاء وندرة منتج البطاطا من أسواق الجملة قبيل عيد الفطر!
المطالبة بإحالة “صلاحية” ووظيفة توزيع مداخيل زكاة الفطر على المواطنين، قد يفهمه “ناقصو العقول” بأنه تشكيك في الصناديق “الرسمية” المكلفة بجمع وتوزيع هذه الزكاة، والمقدّرة بالملايين والملايير!
كما أن الحديث عن اختفاء البطاطا من أسواق الجملة عشية العيد، قد يفهمه أيضا “ناقصو العقول“، بأنه تهمة مباشرة للبارونات والبزناسية والسماسرة، بكبارهم وصغارهم، المحترفين منهم والمبتدئين، يعملون معا على تخزين هذه المادة “الأساسية” لغالبية الجزائريين، قصد اختلاق أزمة أو ندرة، ليتمّ بعدها تبرير الاحتكار ورفع الأسعار!
الخبران، قد يكونان مجرّد خبرين لا يستحقان تهويلا أو تأويلا، لكن عدم الوقوف عند مثل هذه الأخبار، هو الذي أدخلنا “في حيط” في كثير من الحالات، وحوّل قطاعات بعينها إلى مخبر تجارب يكرّس منطق “تعلّم الحفافة في روس اليتامى“!
عندما يصبح المواطن وفاعلو الخير وعابرو السبيل و“الناس الملاح” يتوجّسون خيفة وريبة من “صناديق الزكاة” عبر المساجد، ويتوجّس المستهلكون من التجار “عديمو الذمة” الذين يخفون البطاطا لرفع أسعارها، فمن الطبيعي أن يفرّ الجزائريون من هؤلاء وأولئك!
المشكل، أن وأد الحساب والعقاب، هو الذي فرّخ عمليات “النهب المقنـّن“، وحين تصبح الشبهات تحوم حول صناديق الزكاة ببيوت الله، ويقتات “مصّاصو الدماء” من عرق ومال الغلابى، فلا غرابة أن يتحوّل رمضان، وهو شهر التوبة والغفران، إلى فرصة نادرة لممارسة الجشع!
لا يختلف تحويل أموال الزكاة عن إخفاء البطاطا لرفع أسعارها، والتطابق بين المتهمين في الأولى والمتهمين في الثانية، هو أن الأمر يتعلق بتجاوز أو جنحة أو جناية يُعاقب عليها القانون وتذمها الأخلاق، لكن في الحالتين، لا حياة لمن تنادي، فقد فعل الطمع بالعقول والقلوب ما فعلته النيران بالهشيم!
كم هو جميل، لو تمّ تمكين المواطنين من مرافقة صناديق الزكاة، وأسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، ومتابعة مداولات المجالس “المخلية” ونشاط النواب والوزراء، ورصد وعود الأحزاب، والطبقة السياسية، سلطة ومعارضة.. عندها قد تذهب أموال الزكاة لمستحقيها الحقيقيين، وينفضح سرّ بطاطا الخنازير!