-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ديمقراطيات الأقليات الساحقة

عمار يزلي
  • 740
  • 0
ديمقراطيات الأقليات الساحقة

يتضح اليوم جليا وبلا مواربة، بأن القيم التي نشرها الغرب في أوروبا عقب الثورة الصناعية الأولى والثانية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ثم في الولايات المتحدة وباقي دول الغرب، بشأن الحرية والعدالة والأخوّة والمساواة والحقوق، لبني البشر سواء، قد مُرِّغت اليوم في التراب والوحل وداستها جنازير الدبابات وفجرتها القنابل الفسفورية والعنقودية المحرمة دوليا المحللة إسرائيليا وأمريكيا على سكان غزة وفي جنوب لبنان وسابقا في أفغانستان والعراق وباقي الدول العربية والإسلامية.
سقطت الأقنعة في مسألة الحريات كلها: الدينية، وحرية التعبير، وحرية الاختيار. الديمقراطية نفسها صارت محل جدل، أي ديمقراطية يقصدون؟ إنهم يريدون ديمقراطية “الأقليات الساحقة” التي تحكم “الأغلبية المسحوقة”، تحت أقنعة ومساحيق عفا عنها الزمن وانكشفت مع أول ضوء لصباح ليالي غزة الرهيبة الدامية التي أخرجت من الوجود الإنساني بالمطلق على مرآى ومسمع من الغرب “المتحضِّر” و”الإنساني” المتباكي لأجل حيوان معذَّب أو جائع أو مريض أو كبش مذبوح في عيد الأضحى، فيما الأطفال في غزة يُفرمون مع أمهاتهم وذويهم في مفرمة لحم وشواء، ليلا نهار، حتى داخل المستشفيات التي لم تسلم لا من أمن ولا جوع ولا خوف.
الإعلام الغربي الذي انكشف زيفه أمام الملأ الغربي وشعوب الغرب المخدرة منذ عقود، بل وقرون بمورفين الإعلام الثقيل الذي نشأ مع أوليغارشيات المال والسلطة السياسية منذ القرن الـ18، هم اليوم يستفيقون على إعلام ذي حدين: إعلام فردي، يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل الصور والأخبار التي تمتنع عن تسويقها آلة “وسائل الإعدام” الدعائية الكلاسيكية الثقيلة السمعية البصرية والرقمية والورقية، من أجل تسويق رواية وسردية واحدة، هي أن العالم الغربي هو “مركز الحضارة والقيم” وأن من دونهم وسواهم هم “كائناتٌ” مطلوب منها أن “تتحضَّر” عن طريق الاستعمار، والاحتلال، والإخضاع، والعقاب الجماعي الاقتصادي أو التدمير المنهجي كما يحدث اليوم في غزة وفلسطين والمنطقة العربية والإسلامية عموما.
المظاهرات العارمة في الغرب نصرة لفلسطين وغزة تفوق اليوم التصور: تتحدى قوانين الدول الغربية، وتخرج الشعوب من كل الأطياف لنصرة الحق وفضح الظالمين والاستبداد الغربي السياسي والإعلامي: 60 في المائة من الشباب ما دون 35 سنة في الولايات المتحدة يساندون الشعب الفلسطيني وينددون بالإعلام المزيف ومواقف الدولة الرسمية. كل هذا نتيجة التحرر من سجن الإعلام المغيِّب للحقائق، المروِّج لسردية أن 7 أكتوبر كان بداية وليس نهاية، وكأنه قبل هذا التاريخ كان كل شيء على ما يرام في غزة والضفة وعموم الأراضي المحتلة، وكأنه لم يكن هناك قبله احتلال.
اليوم، ورغم سيطرة سلطة “سيليكون فالي”، المالكة لوسائط الاتصال الاجتماعي، التي تحجب المحتويات الموضوعية وتمنع نشر الأخبار والصور من الواقع والآراء المعارِضة للمواقف الرسمية ووسائل الإعلام الثقيلة، إلا أن تنوُّع مصادرها، وانفتاح الأعين على الحقائق المخفية، خاصة لدى الشباب والطلبة بشكل أساسي في أمريكا والغرب، دفع هؤلاء نحو البحث عن منصَّات جديدة غير خاضعة كليا للضغط واللوبي المالي والسياسي في أمريكا وأوربا: تيك توك الصينية، التي بدأت مع الشباب والمراهقين بمضامين خاصة بهم، تدخل اليوم حلبة نقل الفيديوهات من قلب غزة الجريحة بأطفالها ونسائها والذين يفوق عددهم لوحدهم 8 آلاف شهيد، في حين بلغ العدد غير النهائي لضحايا المذابح والتقتيل بالبارد والساخن والتجويع وقطع الهواء والتنفس عن الخُدَّج ومرضى القصور التنفسي والكلوي والسرطان، أكثر من 11 ألفا والقائمة مفتوحة…
تيلغرام الروسي، تعمل به المقاومة اليوم وتبثّ أفلامها وإعلامها، وتوزِّع وتكشف الحقائق المصوَّرة المغيَّبة بلا أخلاق مهنية ولا خلاق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!