رمضان كريم!
ما أحلى رمضان هذا العام، ونحن نشهده بلا مبارك ولا بن علي، وقريبا ربما بدون القذافي ولا الأسد، ولا علي عبد الله صالح، وبدون أي طاغية متكبر، آثم متجبر، يعتقد أن السلطة معناها امتلاك الشعب، والقبض على ماضيه وحاضره ومستقبله بيد من حديد، ومواصلة قتله جوعا وتعذيبا، واستبدادا، ثم توريثه لابن فاشل أو أخ مستهتر أو حتى لزوجة متكبرة مثلما كان سيحدث في تونس قبل الثورة.
-
ما أحلى رمضان، وهو يعود لأمة حيّة، لا ميتة، ولشعوب تبحث عن كرامتها وشرفها في المواقف البطولية، وليس بين فتات الخبز المرمي في الشوارع، وداخل قفف رمضان الموزعة على أنصاف المواطنين، المهدرة كرامتهم في بلدان ينام السلاطين فيها على بحور من النفط المسلوب من طرف الأجنبي.
-
ما أحلى رمضان، وهو يقول لنا أن العبادة لا تكتمل إلا بدعاء الحرية، والصوم لا يصحّ إلا بصفاء النفس الكريمة، وقيام الليل لا يجوز إلا متبوعا بشمس الحقيقة.
-
رمضان هذه السنة، يأتي في وقت قررت فيه الأمة قطع صومها عن المطالبة بالحقوق، وأن تنزل للشارع، لتدق باب الحرية، قائلة بصوت واحد، الله أكبر على كل ظالم ومعتدٍ، ولو كان الثمن، أرواحا تسقط في ساحة النضال، وعائلات تتشرّد وتفقد طعم الصيام لحين ضمان عودة رمضان الحقيقي للأجيال المقبلة، دون خوف ولا رعب ولا ترهيب.
-
الحكام العرب لم يختطفوا منا الحرية والديمقراطية والكرامة فقط، ولم يسلبونا الغذاء والماء فحسب، وإنما سرقوا منا فرحة الصيام، ولقاء رمضان، وكذا فرحة العيد والإفطار، وجميع المسرّات الأخرى، كما هرّبوا أحلامنا في صناديق من حديد، أحكموا غلقها بقوانين ظالمة، وحصّنوها بدساتير على المقاس، معتقدين أن الأمة استكانت وهانت، ولم يعد في مقدورها الحراك مجددا، لكن هيهات.
-
ليلة الشك انتهت مع يقين الثورة، والجوع الأبدي لم يعد قدرا محتوما على العرب والمسلمين، بل تحوّل من مجرّد شبح هارب إلى كائن من ورق يسهل حرقه في ميادين الشهادة، وتمثال من شمع يحق إسقاطه في شوارع الحرية. هذه الشوارع المخضّبة أرصفتها بدماء الأحرار الباحثين عن استرداد الكرامة، والقابضين على وهج الثورة وكأنها مولود افتقدوا رؤيته منذ عقود، أو ملّوا انتظاره لسنوات، ثم فاجأهم ذات ربيع، وهم لذلك، مستعدون على جعله ربيعا مستمرا، حتى وإن داهمهم حرّ الصيف وبرودة الشتاء، وفريضة الصيام.