-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان مهلاً!

سلطان بركاني
  • 677
  • 1
رمضان مهلاً!
ح.م

خمسة أيام تفصلنا عن وداع رمضان.. أيام قليلة تعدّ على أصابع اليد الواحدة ويأفل نجم شهرنا الفضيل وتغيض أنواره.. رمضان هذا العام كان مختلفا، لكنّه ظلّ محافظا على حلاوته، فمهما حرم كثير من المسلمين الصّلاة في بيوت الله وحرموا صفّ الأقدام بين جدرانها في التّراويح والتهجّد، ومهما قيّد الوباء حياة كثير منهم، إلا أنّ روحانية رمضان ظلّت كما هي في أعوام مضت، والطّمأنينة التي كان يجدها الصّائمون الذين يعرفون لهذا الشّهر قدره في أعوام مضت، وجدوها في رمضان هذا العام أيضا، لذلك لا شكّ في أنّ نفوسهم بدأت تتحسّر مع توالي أيام رمضان، وقرب رحيله.

ماذا عسانا نحن المفرّطين نقول ونحن نستعدّ لوداع رمضان؟ لو كنّا نعلم أنّ الله تقبّل منّا الصّيام والقيام، والدّعاء والذّكر وتلاوة القرآن، لو كنّا نعلم أنّ الله قد أعتق رقابنا من النّار، لو كنّا نعلم أنّنا سنخرج من رمضان بصحائف بيضاء محيت عنها الأوزار والسيّئات، لو كنّا نعلم أنّ الله قد رضي عنّا وأحبّنا… لو كنّا نعلم هذا وذاك لكان من حقّنا أن نفرح ونسعد، وأن يهنّئ بعضنا بعضا، لكن لعلّ بيننا من لم يغيّر رمضان شيئا في حياته، بل لعلّ بيننا من ازداد بعدا عن الله في رمضان.. ماذا عسانا نقول؟ هل تغني الحسرات وهل تنفع الآهات والنّدامات؟ لكن ما الذي عسانا نفعله إن لم نتحسّر؟ كيف لا نتحسّر على رمضان والواحد منّا لا يدري هل سيعود هذا الشّهر المبارك وهو في الوجود، أم تحت اللّحود.

المجتهد سيتحسّر على رحيل أيام وليالي رمضان الغالية، لأنّه وجد فيها حلاوة الطّاعة وأنس القرب من الله، والمفرّط سيتحسّر على أنْ مضى رمضان وانقضى ونفسه هي نفسه وحاله هي حاله؛ ما دمعت عيناه لله.. ما شعر لرمضان بلذّة.. ما وجد للجوع طعما.. لا يزال أسيرا لنفسه عبدا لشهواته.. لسان حاله: هل سيمهلني الله أحد عشر شهرا أخرى ويبلّغني رمضان آخر لأحاول مرّة أخرى؟ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله.. لله ما أتعسك يا نفس! حرمتِني لذّة الصّيام، ومنعتِني متعة القيام… وفعلتِ بي وفعلت!

خمسة أيام وتعلن النّتائج وتوزّع الجوائز، ويفرح الفائزون برمضان ويتحسّر الخاسرون؛ سيفوز المحسنون الذين خرجوا من رمضان كيوم ولدتهم أمّهاتهم بصحائف بيضاء محيت عنها الذّنوب والسيّئات. سيفوز من صام وقام، ومنع نفسه الشّهوات والآثام، وجنّبها الجدال والخصام. سيفوز من غضّ سمعه وبصره عن محارم الله، وأمسك لسانه عن الوقيعة في أعراض عباد الله. سيفوز من أمضى شهره بين صلاة وبكاء، وذكر ودعاء. سيفوز من عرف الحكمة من الجوع في رمضان، فتصدّق من ماله وأطعم من يجوع في رمضان وغير رمضان.

في المقابل؛ سيخسر من صام عن الحلال وأفطر على الحرام. سيخسر من يبيت مع القنوات والصّفحات ويصبح مع الأموات نائما عن الصّلوات. سيخسر من دخل رمضان وخرج وهو لا يزال ينام عن صلاة الفجر. سيخسر من دخل رمضان وخرج وهو لا يزال يعادي أباه أو جاره أو أخاه. ستخسر من دخل رمضان وخرج وقلبها لا يزال معلقا بالأغاني والمسلسلات. ستخسر من دخل رمضان وخرج وهي لا تزال تتفنّن في الحجاب، ولا تزال تلبس الضيق من الثياب.

أخي المؤمن.. يا من بدأت تحسّ بالنّدم على تفريطك في رمضان. إن خسرت ما مضى من أيام رمضان، فلا تخسر ما بقي من أيامه الغالية. إنّ الله يقبل التّوبة في آخر رمضان كما يقبلها في أوّله. تب إلى الله عن تضييع ما مضى من أيام. عاتب نفسك وتحسّر على ما فات. واعقد العزم على استغلال ما بقي من أيام وليالٍ وساعات. لا يزال في عمر رمضان 5 أيام، و5 ليال، ربّما تكون بينها ليلة القدر. ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ))؛ ليلة من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، وأعتق من النّار، وكان كمن قام أكثر من 83 سنة كاملة.. فتعرّض -أخي المؤمن- لرحمة الله فيما بقي من أيام، لعلّك تعتق من النّار وتفوز برضا العزيز الغفّار، فتكون شهورك كلّها رمضان.

رمضان بدأ يلملم أوراقه ليحمل أعمالك إلى الله.. اجعل الأيام الباقية منه أيام معاتبة ومحاسبة، تعاتب فيها نفسك على تفريطك في استغلال أيام وليالي رمضان الغالية، وتعصر قلبك لتحسّ بالتّفريط في جنب الله الذي منّ عليك ومدّ في عمرك حتى أدركت رمضان، لكنّك لم تحسن استغلاله، وأنت لا تدري لعلّه يكون آخر رمضان في حياتك.

عاتب نفسك في هذه الأيام، وأكثر من الاستغفار، لعلّ الله يجبر تفريطك ويرحم تقصيرك؛ فالاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث والغفلة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: “الغيبة تخرّق الصيام، والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقع فليفعل”. ويقول ابن المنكدر رحمه الله: “الصيام جُنة من النار ما لم يخرقها، والكلام السيئ يخرق هذه الجُنة، والاستغفار يرقع ما تخرق منها”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • المذنب الفقير لله

    السلام عليكم أرج منكم استاذي ان تذكروا الناس بالحديث الذي يقول: من لزم بيته وقت الطاعون ……… و يكون له اجر شهيد و إن لم يمت .
    و لما لا كتابته كل يوم في اعلى الصفحة الاولى للجريدة و شكرا