-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سورية.. شروط المرحلة الانتقالية

صالح عوض
  • 556
  • 3
سورية.. شروط المرحلة الانتقالية

فيما نحن نتوجه لرصد آلية حراك تطوّر الأوضاع الميدانية والسياسية بشكل عام ينبغي عدم تجاوز الحديث عن حجم الحشد الدولي والإقليمي الذي استهدف الدولة السورية بمؤسساتها العديدة وبشعبها وأرضها.. فيكفي أن نشير إلى مراكز البحث والتحليل الدولية في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي رصدت إلى حد كبير حجم الهجوم الكوني فيكفي مثلا الإشارة إلى أن أكثر من 350 ألف مسلح دخلوا الحدود السورية عبر تركيا والأردن وسواهما مزودين بأسلحة متطورة مع تغطية مالية باذخة للجماعات المسلحة “النصرة” و”داعش” والفصائل الأخرى العديدة..
كما أن الأساطيل الحربية الغربية في البحر المتوسط كانت تعمل على مدار الساعة لتزويد الجيش الحر والمجموعات المسلحة التابعة لها بإحداثيات المواقع السورية.. وغير خاف أن جميع الدول الأوربية بريطانيا وفرنسا والنرويج وألمانيا كما الولايات المتحدة الأمريكية كان لها حضور عسكري وأمني واضح مشكلين غرف عمليات مشتركة في الأردن ومعسكرات لتدريب قيادات ميدانية للمجموعات المسلحة.. هذا بالإضافة إلى وجود شبكات عابرة للدول والقارات للتجنيد الشباب تحت شعارات دينية وإلحاقهم بجبهات القتال من شتى الدول فيكفي مثلا الإشارة إلى أن أكثر من 20 ألف تونسي تم إلحاقهم بجبهات القتال.. أما دول الخليج فلقد كان عليها أن تدفع الفواتير الباهظة بلا تردد ومن خلال تقديرات أولية لمراكز الأبحاث يبدو أن فاتورة الحرب على سورية حملت خزينة المال القطرية والسعودية أكثر من 400 مليار دولار.
لقد فتحوا النار دفعة واحدة على الدولة السورية من كل اتجاه واشترك الجميع في هذه الحرب على أكثر من ألف جبهة قتال يوميا وعلى مدار سنوات.. وفي زحف متزامن للمسلحين ومشغليهم الاستراتيجيين ثم إسقاط المدن السورية واحدة تلو الأخرى ولم يتبق من المدن السورية الا دمشق واللاذقية فيما كانت دمشق تقع تحت طائلة القصف محاطة بجيوش المسلحين من كل جهة في انتظار اقتحامها.
صمدت الدولة السورية وتعاملت بكامل اللياقة مع يوميات المعركة المفتوحة وظلت تمارس صلاحياتها المدنية على موظفيها وجنودها وأجهزة الدولة المستنزفة فلقد كانت تؤدي ما عليها شهريا للموظفين من دون تأخّر.. واستطاعت أن تفهم جيدا قيمة سورية للإقليم والعالم فأدارت تحالفاتها بدقة ونجاح إذ أن الحلفاء يحتاجون سورية بالدرجة نفسها التي تحتاجهم سورية فكان لقاء المصير بين الحلفاء وسورية.. وبلا شك كانت إيران قاعدة التحالف الأساسية التي تداخلت مع الموقف الروسي بعمق ولعلها ضامنة التحالف الروسي على اعتبار ثبات موقفها الاستراتيجي التاريخي ضد السياسات الأمريكية بل وضد المشروع الأمريكي على أكثر من صعيد، الأمر الذي يحقق طمأنينة روسية للسير مع إيران في تحالفات إستراتيجية، ما لا يتوفر في علاقات روسيا بالدول العربية.. فكانت إيران هي المحشد للحلفاء والقوى في معركة فاصلة تحدّد بدقة أدوار قوى الإقليم وترسم خرائط النفوذ العالمية في منطقة هي الأكثر فحصا لحقيقة القوى وأدوارها.
لقد كان أساسيا صمود الدولة السورية على الصعيد المعنوي وإدارة المعركة بدأب ميدانيا على مدار سبع سنوات وزيادة وذلك لتوفير الشروط الموضوعية لقوى التحالف على الأرض.. وتحملت في هذا الصدد إجراءات ومفاوضات مع القوى المسلحة المدعومة من العواصم العربية والغربية.. وفي النهاية استطاعت الدولة السورية إنجاز النصر الكبير على الهجوم متعدّد الجبهات واستطاعت سحق المسلحين في حلب وحماة وحمص وريف دمشق وفردت سلطانها على معظم الأراضي السورية.
تدخل الدولة السورية الآن مرحلة جديدة من التحديات الصعبة إنها مرحلة إعادة الإعمار لاقتصادها ومنشآتها العمرانية والترميم والبنية التحية الزراعية والصناعية حيث كانت سورية قبيل الحرب قد وصلت مرحلة متقدمة في الاكتفاء الذاتي وبلغ دخل البلد من منتجاته الزراعية والصناعية 65 مليار دولار سنويا..
الآن تفتح سورية أبواب الإعمار انطلاقا من البحث عن الغاز والنفط في سورية حيث تم اكتشاف أحواض مهمة من الغاز والنفط في الساحل السوري وقد وقعت سورية مع روسيا اتفاقيات مهمة في هذا الصدد كما أن الصين قد أسست بنكا رأسماله 600 مليار دولار سيكون عمله الأساسي سورية.. وسيكون للدول الصديقة نصيب معتبر من مشاريع الإعمار وستصبح سورية فرصة لدول المنطقة المجاورة كالأردن ولبنان، نتيجة الإعمار للمدن الكبرى التي ستكون فيها الشركات الخاصة والعامة تحت إشراف الدولة السورية بمشاركة أصدقاء سورية.. وهكذا سيجد لبنان المنهار اقتصاديا فرصته في إنقاذ نفسه بالإعمار في سورية والأمر نفسه يتم الحديث عنه للاقتصاد الأردني الممزق.. وحتى أن المصريين وجدوا السبيل ممهدا لنيل بعض المشاريع الإعمارية في سورية والإمارات العربية بعد خساراتها الفادحة في حرب اليمن وفي مشاريع اقتصادية فاشلة تجد فرصة في الاستثمار في الإعمار السوري..وبشكل عام الآن بدأت الشركات تتوافد على سورية وهرولتها من أكثر من بلد أوربي وهنا يمكن ملاحظة أثار هذه الخطوات على طبيعة سياسة الدول الأوربية وسينعكس الأمر بوضوح على تواجد اللاجئين حيث يكتشف الأوربيون أنهم خسروا الاستثمار في اللاجئين السوريين الذين سيجدون أنفسهم في الطريق إلى بلدانهم يعمرونها بعد أن تم تدمير أكثر من 70 ألف منشأة صناعية في حلب وأكثر من 5000 مدرسة كما تم تدمير أراض زراعية واسعة وملحقاتها..
وهنا يجب الانتباه إلى أن ضغطا عالميا سيفرض على الدول المشاركة في العدوان على سورية لاسيما السعودية وقطر، المشاركة في صندوق الإعمار بمئات المليارات.. وهذا يعني بوضوح أن سورية ستصبح ورشة عمل واسعة ترتقي بالناس وأوضاعهم المعيشية وتفرض على الآخرين إدراك قيمة سورية على صعيد الجيوبوليتيك..
مرحلة انتقالية ستجتازها سورية وقد حققت جيشا متمرسا مقاتلا خاض أصعب الحروب كما تم تجديد سلاحه، وانهيار منطق الخصوم -دولا وأحزابا- وقوتهم، فهرولوا جميعا لإعادة صياغة المواقف للمصالحة مع الدولة السورية.
إن نجاح سورية في إعادة الإعمار لن يستغرق فترة زمنية طويلة سيكون خلالها انتعاش اقتصادي وتحديث المؤسسات الاقتصادية وتجديد الإعمار أو ترميمه وهذا سينعكس بأثره على دور سورية التي تعيد ترتيب أفكارها وتصبح جدار الأمة الأخير الذي بصموده أعاد الثقة للدولة العربية كما أنه شكل السد المنيع أمام تدفق شرور الكيان الصهيوني نحو المنطقة..
ولكن هناك إعمار من نوع آخر سيكون ضروريا جدا وهو المصالحة الوطنية وإفشاء السلم الاجتماعي وترميم ما دمر من حياة الناس بإعادة المهجرين واللاجئين وفتح باب الحريات السياسية وحريات التعبير والصحافة وتطوير أداوت التواصل بالناس تأسيسا لحياة تليق بشعب عانى الويلات خلال سنوات طويلة قاسية.. جبر الله كسر السوريين، وحمى سورية من كل سوء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • Salem

    Que dieu garde la Syrie! Vive Bachar Al-Assad, vive le peuple syrien, vive la Russie, vive l'Iran et vive Cheick Poutine!

  • جزائري - بشار

    يا استاذ
    لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وتأسيس الامم المتحدة
    تتحالف قوتين لهما حق الفيتو الدائم بمجلس الامن ضد امريكا وهما روسيا والصين
    لم نعهد هكذا صراع قوي داخل مقرات الامم المتحدة
    بوصلة القطبية الاحادية سقطت مع مشروع الشرق الاوسط الجديد وبالتحديد في سوريا
    بداية الاحادية القطبية كان بهدم جدار برلين
    وسقوطها كان بسوريا
    الصين تفتح بنك بـ 600 مليار دولار بسوريا
    امريكا في نفس الوقت مدينة للصين بما يقارب تريليوني دولار ( الفي مليار دولار )
    فرنسا بازمة اقتصادية تعيش احتجاجات بسبب الغزو الصيني للاسواق الاوروبية
    وامريكا تنسحب
    مؤشرات تؤكد ان الموازين الدولية على وشك التغير 180 درجة

  • الطيب

    هناك حلقة مفقودة يا أستاذ أو صفقة ما تحت الطاولة ....! و إلا كيف نفسر الضغط العالمي الذي سيفرض على الدول المشاركة في العدوان على سورية خاصة السعودية و قطر، المشاركة في صندوق الإعمار بمئات المليارات.. ؟! مالذي تغير في المعادلة و جعل الذين شيطنوا النظام السوري بالأمس هم أنفسهم اليوم يريدون أن يحولوه إلى جنة فوق أرض تعج بجثث مئات الآلاف من الأبرياء ..!؟ هل النظام السوري أقوى من النظام العراقي فستعصى عليهم أم هم شركاء أصلاً مع النظام السوري في مؤامرة حيكت خيوطها بدقة متناهية ضد الشعب السوري فكان هو الضحية الوحيد ..؟!