-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“عالم” سياسيّ

“عالم” سياسيّ

عندما لاحت نذر الحرب العالمية الثانية في الأفق أصيبت فرنسا بالإسهال خوفا من ألمانيا وبلغت قلوب الفرنسيين الحناجر بعدما جرّبوا ما أذاقهم الألمان في حربين سابقتين هما حرب 1870، وحرب 1914.

بدأ الفرنسيون يتوددون للجزائريين الذين كانوا يسمونهم “أنديجان” ويسمون أنفسهم “جزائريين” وطلب الفرنسيون في ذلة وصغار من الجزائريين أن يعلنوا – أحزابا وجمعيات- تأييدهم لفرنسا، فاستجاب “الأنديجان” لما طلبته منهم فرنسا طوعا أوكرها وسارعوا إلى إرسال برقيات التأييد والمساندة إلا جمعية واحدة أبى عليها شرفها وشرف شعبها وأنفتها أن تعطي الدّنيّة في دينها وعزة شعبها، أن تبعث برقية تأييد لفرنسا المجرمة، وما هذه الجمعية المسلمة الشريفة المعتزّة بالله الأعز إلا “خير جمعية أخرجت للناس”، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي يعمل بعض المسئولين اليوم لإذلالها بعدة وسائل.. وما علموا أن هذه “الجمعية” غير قابلة للإذلال..

كانت فرنسا المجرمة تعلم أن ذلك السيل من برقيات “التأييد والمساندة” لا يعبّر عن حقيقة الشعب الجزائري، فأوعزت بوسائلها الخاصة إلى عضو من جمعية العلماء ليقترح على أعضاء الجمعية إرسال برقية تأييد.. ولما عرض الأمر على المكتب الإداري للجمعية رفض الاقتراح، وقال الإمام الهمام عبد الحميد ابن باديس ما معناه أقبل أن تقطع يدي ولا أقبل توقيع هذه البرقية..

لم تيأس فرنسا كالشيطان فراحت تتصل بأعضاء الجمعية البارزين بشكل فردي من أجل تأييدها فخيبوا رجاءها، ورفضوا إصدار بيانات تأييد ومساندة، فنفت بعضهم كالإمام الإبراهيمي، وفرضت الإقامة على بعضهم كالإمام ابن باديس..

وفي 1940 توفى الله – عز وجل- عبده الإمام ابن باديس فبعثت فرنسا- عن طريق الولاية العامة الفرنسية في الجزائر- شخصين إلى مدينة قسنطينة لـ “التعزية” ظاهريا في وفاة الإمام ابن باديس، ولكن للضغط على أعضاء الجمعية لتزكية أحد أعضائها الذي كان يرى “تقيّة” إرسال برقية تأييد لفرنسا ليكون خليفة للإمام عبد الحميد ابن باديس في رئاسة الجمعية، خاصة أن نائبه الإمام الإبراهيمي قد نفته فرنسا المجرمة إلى آفلو..

طلب الوفد الفرنسي الاجتماع مع أعضاء الجمعية، فاجتمعوا معه بعدما فوّضوا الشيخ مبارك الميلي أن يتحدث باسم أعضاء الجمعية..

ومما قاله رئيس الوفد الحكومي الفرنسي ما معناه إن الدولة الفرنسية تريد “فتوى” بأن الذي يحارب في الجيش الفرنسي ضد ألمانيا يعتبر “مجاهدا”.. فأجابه الشيخ مبارك إن الجمعية تضم علماء دين، وليس علماء سياسة، والحرب بين فرنسا وألمانيا ليست حربا دينية، ولكنها حرب سياسية، فعلى فرنسا أن تلجأ في هذا الموضوع إلى “عالم” سياسي مثل الدكتور ابن جلول – الذي كان من أولياء فرنسا.. فسقط في أيدي فرنسا وأوليائها.

روى هذه الحادثة الأستاذ محمد الميلي في العدد 81 من مجلة الثقافة الجزائرية، ولا مرية في أن مصدره فيها هو والده الشيخ مبارك الميلي، أو صهره الشيخ العربي التبسي أو هما معا، رحم الله علماءنا العاملين، وخزيا وعارا على من أعطى الدّنية في دينه، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عادل

    بارك الله فيك..ورحم الله علماء الجزائر