-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عامٌ جديد.. هل يستثمره الجزائريون؟

عامٌ جديد.. هل يستثمره الجزائريون؟
ح.م

ندخل العام الجديد 2021 في سياق ظروف وطنية ودولية وإنسانية خاصّة بكل المقاييس، تفرض على الأفراد والمؤسسات والدولة الجزائرية بنخبها الحاكمة والمُعارِضة والمثقفة المستقلّة، التفكير مليّا في حصاد ما مضى من عمرها، واستشراف المُقبل من أيامها.

ذلك أنّ حياة الأشخاص ليست سوى كتلة زمنيّة محدودة، تتناقص بمرور الأعوام، بينما يغفل الكثير، وهم يحتفلون بقدوم عام جديد، عن حقيقة الدنوّ نحو النهاية المحتومة، مثلما تغيب عن وعيهم مساءلة الذات والضمير بشأن تقييم الإنجاز السنوي المحصّل، وفق سُلّم الأمانات العاجلة والآجلة.

كما أنّ الزمن أحد الأركان الثلاثة الرئيسة في صناعة الحضارة وفق نظرية مالك بن نبي، وعليها نقيس بناء الدول القويّة والمجتمعات المتطورة، وما لم ننتبه إلى قيمة الوقت ضمن شروط الإصلاح الفردي وركائز التغيير الاجتماعي والسياسي والمؤسساتي، فإنّ الأشخاص، كما الأمة، يهدرون فرصا ثمينة على درب التنمية الذاتية، وفي مسار الانبعاث الحضاري العام، لذلك وجّه الهديُ النبوي في الإسلام إلى ضرورة اقتناص الظروف المثاليّة للنجاح قبل ضياعها، وهو نلمسه في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: “اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ، شبابَك قبل هرمكَ وصحتَك قبل سَقمِكَ وغناكَ قبل فقرِك وفراغَك قبل شغلِك وحياتَكَ قبل موتِكَ”.

لقد شكلّت السنة الماضية عبئا ثقيلاً على البشرية قاطبة، فكانت كابوسا مُرعبًا على الإنسان في كل مكان من الكرة الأرضية، المتقدِّم منها والمتخلّف على السواء، بعد ما فقد الشعور بالأمان، واهتزت آماله في المستقبل، وهو يعيش الإحساس بالفقدان في كل لحظة من دون حروب تقليدية، ما جعله يدرك أنّ مصير الحياة كلها مرهونٌ بسلوك فيروس وبائي، بغضِّ النظر عن مؤثّرات “البروباغندا” الدولية في هذه الأزمة العالميّة غير المسبوقة.

أما عن وضع بلادنا مع محنة كورونا، وما نجم عنها من تداعيات اقتصادية، وما تزامن معها من قلق سياسي بسبب مرض رئيس الجمهوريّة، فقد عاشت حالةَ ارتباكٍ اجتماعية واضطراب نفسي واسع، قبل أن تلوح بوادر الفرج بعودة الرئيس إلى مهامه الدستورية، وانحسار العدوى الوبائية والاستعداد لمباشرة التلقيح ضد الكوفيد 19.

السؤال الأساسي الآن: ماذا سيصنع الناجون من الوباء في عامهم الجديد، وقد منحتهم الأقدارُ الإلهية هِبة الاستمرار على قيد الحياة، بينما سلبتها من آخرين في محيطهم الضيق؟ هل يواصلون مسيرهم دون اكتراث بما جرى؟ أم سيجعلون من هذه الأزمة الإنسانية محطة تأسيسية جديدة في مسارهم الشخصي، لتصويب الأخطاء وإعادة ترتيب الأولويات على طريق الدنيا والآخرة؟

والأهمّ من ذلك هو التساؤل الجوهري عن خطة الدولة الجزائرية في تدبير عامها الجديد، لمحو آثار سنة عجفاء وتأمين القادم من الأعوام، في ظلّ مؤشرات بارزة للتحديات الوطنيّة في كافة المجالات، وتنامي رهانات إقليمية مُحدقة بأمنها القومي، يتفق الجميع حول مخاطرها الحقيقية، بعيدا عن فزَّاعات الأخطار الخارجيّة.

إنّ الأوضاع عندنا لا تحتمل التراخي ولا تقبل التأجيل في طرح الحلول المستعجلة والفعَّالة، بما يُجمِّع القوى الوطنيّة من كل الاتجاهات وفي كافة المستويات، لتجسيد برنامج الإصلاح والتغيير لبناء الجزائر الجديدة.

إنّ كلّ تأخير، مهما كانت الأسباب، في تنفيذ خارطة طريق الانتقال الديمقراطي والاقتصادي، وفق تطلعات الجزائريين المعبَّر عنها في حراك 22 فبراير المبارك، ستكون نتائجُه سلبيّة على مكسب الاستقرار العامّ، وتنعكس آثاره الوخيمة دون شكّ على مركز الجزائر كقوة إقليمية في المنطقة.

لا يمكن أن نرسم في هذه المساحة كل ما هو مطلوب لتحقيق التغيير المنشود، وتعبئة القوى الحيّة، ولا نظنّ أن الوعي المشترك بين الجزائريين يغفل عن ذلك، لكن من الضروري اليوم الدخول في حالة نشيطة من الحركيّة السياسية والمجتمعيّة لتجنيد الجبهة الداخليّة، حتى تكون سندا لأيّ إرادة جادةّ في الإصلاح وضمانة رئيسة في صدّ الأخطار الخارجيّة.

إنّ الفرصة مواتية بفتح ورشات تعديل المنظومة القانونية ذات الصلة بالفعل السياسي والانتخابي والإعلامي والاقتصادي، حتّى نستدرك قريبًا التحفُّظات الدستوريّة التي خلّفت شرخًا مجتمعيًّا بفعل العزوف العامّ، ونكرّس فعليّا التوجُّه الإصلاحي للسلطة الجديدة.

وسيكون من المهمّ فسحُ المجال لانتخابات برلمانية ومحليّة مبكرة، على قواعد قانونيّة شفافة وتحت إشراف “سلطة مستقلة” بكل المقاييس، لتشكيل مجالس تمثيلية تضطلع برقابة فعلية على السلطات التنفيذية، تنبثق عن نتائجها حكومةٌ وطنية تعكس الطيف البرلماني، يمكنها ميدانيا تنفيذ الإصلاحات المرجوّة، وتحقيق الآمال الشعبية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ابن الجبل

    نعم ، ان الزمن هو أحد الأركان الثلاث الأساسية لبناء الحضارة ، ذلك هو العنصر الذي أغفلناه طيلة 58سنة . فاذا كانت الجزائر القارة تمتلك شعبا عبقريا ، وأرضا معطاء ، فلم يبق الا الرأي السديد ، والسبيل الرشيد ، لوضع الجزائر في السكة الصحيحة لبناء جزائر الشهاء ... إما أن نكون أمة مفخرة بين الأمم ، أو أمة مسخرة في ذيل الأمم ؟؟!!!.

  • TAFOUGT

    عامٌ جديد.. هل يستثمره الجزائريون؟ ... طبعا سوف يستثمر في تضييعه :
    انتخابات برلمانية ومحلية بمشاركة هزيلة لن تتعدى طبعا الاستفتاء الأخير على الدستور ..مواصلة البريكولاج .... الشرخ بين الحاكم والمحكوم يتسع .. وفقدان الثقة بين الجانبين يتفاقم من يوم لأخر .. فهذا في واد وذاك في واد اخر .. الكل لا يفكر الى في الهجرة نحو الضفة الأخرى بكل الطرق والوسائل ...... والخلاصة أن في طريق المستقبل جبال كاملة من ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟