-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
صيحة الشروق

عصا الإبراهيمي..

عمار يزلي
  • 296
  • 0
عصا الإبراهيمي..

عندما يوظف الشيخ الإبراهيمي القرآن الكريم ليسخر من الفرنسي، فإنه لا يدنس التنزيل الحكيم، كما يحلو للبعض أن يراه، بل هو يدنس بالمقدس.. ويضرب بعصاه من دنس القرآن والمساجد بعد الاحتلال والتخريب.. فهو يستعمل الاستعارة الأدبية الجماعية لكي يكوي ويهوي على من ظلم وتعسف ونكل وخرب وآذى ودنس المقدسات واخترق حجب المحرمات.

تتخذ الاستعارة الصورية أحد أهم الأشكال الأكثر شيوعا في نصوص الإبراهيمي، باعتبار أن الصور القرآنية ونتيجة للتشبع بها، أصبحت صورا محمضة وجاهزة للاستعمال والتوظيف في أي لحظة إبداعية، حتى إنها تبدو في سياق التردد النصي في تناغم هارموني، لغوي ودلالي كامل، وفي انسيابية سلسة للنظام التواتري والتراتبي الصوري، كأن يقول: “.. وقد جربتكم فوجدت منكم جدارا متداعيا للسقوط، فما أقمته بل خربته، لأنه لم يكن لغلامين يتيمين في المدينة، ولا كان تحته كنز لهما”.. (عيون البصائر ص 118). هذا التوظيف المقارن بغرض الانعكاس، مستوحى من الآية الكريمة: “.. وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما.. (الكهف-82). وهو جواب السيد الخضر- في التفاسير- على صورة سردية سابقة: “.. فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه”. (الكهف-77). هذا الاستلهام للصور القرآنية هنا، موظف بغرض تضخيم المفارقة والتناقض والتباعد بين العمل بشقيه: الخيّر والشرّير، وهي صورة تقابلية للمقدس والمدنس.

قد يحدث أن تستحضر الصورة القرآنية لمقابلتها بالصورة الإبداعية بغرض القياس، ولكن على نحو تضخيمي، وهي إحدى تقنيات السخرية المتبعة في الرسم بالكلمات أو بالخطوط- كما في فن الكاريكاتير-: “… وإنهم مازالوا آلات صماء في يد الاستعمار، يصرفها متى شاء، بل الواقع أنهم ازدادوا تعلقا به وطاعة له بقدر ما أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.. (عيون البصائر ص 440).

* التبني الصوري الأسلوبي عند الإبراهيمي للنص القرآني، وارد بشكل مكثف أحيانا. فهو لا يأخذ الصورة الجاهزة، بل يأخذ مادتها الأولية ليشكل منها صورة غير الصورة المرجعية عن طريق التركيب الصوري أو الإسقاط، ولكن أيضا عن طريق التذوق والامتصاص الفني- كما يحدث في ظاهرة الأوسموز البيولوجية- حتى إن هذا التأثر لا يبدو لغير العارف بالأسلوب القرآني، مستنبطا من الصورة القرآنية: “فإذا قلتم إنكم لا تريدون المذهب الفقهي، وإنما تريدون المذهب الصناعي، قلنا إن هذا المذهب لا يتبع العاصمي فيه إلا الأخسرون أعمالا الأضلون سعيا” (عيون البصائر ص 152)، التي تبناها الناص باستنباطها من الآية الكريمة: “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا..”، التي استنبط منها غيره ممن اغترفوا من الأسلوب القرآني وتعاملوا مع قاعدة التلبيس، مثل محي الدين بن عربي، في قوله عن التلبيس ومن عول عليه “فقد خلط وخرج عن النظام في سلك أهل الله ولحق بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!