-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
آهات أمهات تحت سياط بناتهن

عندما تلد الأمة ربّتها فانتظر الساعة

نادية شريف
  • 3435
  • 1
عندما تلد الأمة ربّتها فانتظر الساعة
ح.م

تعتبر في القانون الشرعي عقوقا، وفي القانون الوضعي جرائم أصول وبين هذا وذاك تداس كرامة أمهات مسنات من طرف أقرب صديقات لهن وهن بناتهن، سواء لجهل في نفوسهن أو لغاية في هذه الحياة، تخطين بذلك حدود التربية والأخلاق في حق من صمدن أمام كل متاعب هذه الحياة من أجلهن، ضاقت الأرض بأمهات كتب لهن القدر على أن يصبحن في خانة المغصوب عليهن من طرف فلذات أكبادهن تصل في الكثير من الأحيان الى جرائم تضاف إلى النسب المتصاعدة للاعتداء الذي يحصل يوميا من طرف بنات في حق الأمهات.

“لكن هل زرعن الشوك… حتى يجنين الجراح؟”

     عينات كثيرة تلك التي تحمل في طياتها الاعتداء اللفظي، وكذا الجسدي على الأمهات، حتى المسنات فلم يشفع لهن سنهن وغلبة الدهر ووصل بهن الحال في حضرة فلذات أكبادهن إلى التحول من ملكات عزيزات إلى خادمات ذليلات، بالرغم من شهادة العديد منهن على حسن التربية والرعاية التي حظيت بها بناتهن مند نعومة أظافرهن، فإن صح قول أن من يزرع الشوك يجني الجراح، فما حال من زرع التربية الحسنة والرعاية الطيبة بأن يجني التمرد والعقوق؟ هي إذا أهات أمهات كثيرات يعشن تحت جبروت وتطاول بناتهن، شاءت الأقدار ان تنحني قامتهن هذه أمام السؤال من بناتهن، هذا القد الذي لم ينحن أمام ويلات الدهر العديدة أصبح اليوم هشا أمام فلذات أكبادهن، عيون تذرف دموعا تحرق القلوب ومحيا لم تخدش كبرياءه تجاعيد الزمان، لكن خدشته نعومة أياد كانت بالأمس رطبة وأصبحت اليوم خشنة تمردت على من جعل الله الجنة تحت اقدامهن.

“…وكنت أعلمها الرماية… فلما اشتد ساعدها رمتني…”

   عند الوقوف على عديد العينات التي لمسناها مع الأمهات اللواتي يصارعن مع بناتهن في هذه الحياة، وجدنا أنهن كن معلمات أتقن التربية والرعاية الحسنة، كان لهن شرف أنهن من اللواتي أنجبن لهذا البلد الطبيبة والمهندسة والمعلمة، سهرن الليالي من أجل أن تصل بناتهن إلى العلا وكان لهن ذلك، ضحين بأوقاتهن السعيدة ونعمة الصحة التي وهبها الله لهن من أجل هذا النجاح فحسب ومن دون مقابل، لم ينتظرن لا معروفا ولا رد جميل، نظرن إلى كل هذا بعين الواجب لا أكثر ولا أقل، لكن حدث عكس هذا كله، فلما اشتدت سواعد بناتهن صرن العدو الأول دون غيرهن من النساء، رمينهن من أول مناسبة من دون سبب أو لسبب هين، فالحالات التي يقع فيه الاعتداء سواء اللفظي او الجسدي يكون نتيجة لأسباب إن قيست بحجم الاعتداء لا تساوي أكثر من جناح بعوضة، وإن قيست بحجم مكانة الأم في القانون الشرعي، وكذا قوانين الحياة كلها ما حملتها الصحف ولا المجلات، لكن تبقى هذه المعاملة التي تعامل بها الكثيرات من أمهاتنا من جنس البنات الأرذل في حق الانسان وهو الجرم الأقبح في قاموس الجريمة.

“خالتي عيشة… أم  في الستين بمرتبةخادمة” 

   هي لا تعمل في شركة مديرها مجحف وظالم، ولا في مؤسسة تعاني من رعونة الرجال فيها ولا حتى في شركة تقضي يومها في الصراع مع الزبائن، هي بكل سهولة مربية اولاد البنت البكر لها أو “ماني” لـ”إسلام” و”نسرين”، لا تنعم بالنظر في وجوه أبناء بنتها بعيون “الجدة” التي يقضي الأحفاد الليالي في أحضانها ينعمون بالصدر الحنون العطر برائحة الزمان الجميل، بل أرغمتها ابنتها النظر إليهما بعين المربية أو الشغالة التي يوكل إليها الحرص على سلامة الأولاد في غياب الوالدين، هي اذا حالة خالتي عيشة ذات العقد السادس، لم يكفها ما فعل بها الشيب وحرمها القدر من رفيق عمرها عمي “أحمد” رحمه الله، كما لم يكفها شقاوة “إسلام” و”نسرين” لتأتي فلذة كبدها في آخر النهار من تعب العمل تهينها في الكثير من الأحيان على اشياء لا تسأل عنها حتى “شغالة” في بيت آخر، لم يكفها ما عانته من أجلها حتى تجعلها في هذا المنصب “موظفة”، ولم ترحمها هي من فقدان رفيق دربها ولا حتى من سنها الطاعن، ذنب خالتي “عيشة ” انها اختارت البنت البكر لتكون إلى جوارها تستأنس بها من وحشة هذا الزمان، لكن لم تكن تدري أن هذا الاختيار سوف يجعل منها أما في مرتبة خادمة.

لا يقف الحد عند السب والتوبيخ حتى في الملأ، بل يصل إلى درجة الاعتداء الجسدي وأمام الولدين الاذين لا يعرفان من حالة “الجدة” إلا أنها مجرد مربية في البيت، تهتم بيومياتهما في غياب الأم، لم ينعما بصحبة الجدة وعطفها، فالذنب ليس ذنبهما، بل ذنب الأم المتمردة التي هانت عليها أمها ووضعتها في خانة “الشغالة”، لكن لأسباب أو لأخرى لا يمكن لها  أن تبرر سلوكها مع الوالدة الذي جعل الله الجنة تحت أقدامها وجعلتها هي تحت جبروتها. 

“الحاجة حضرية… حبيسة الصحة وقهر فلذات كبدها”

تأتي المصائب تباعا، هذا حال الحاجة “حضرية” قاربت الستين من عمرها، بقيت حبيسة الدهر بين مرضها المزمن وبناتها الأربع، تقف منحنية القامة لا تكاد ساقيها الضعيفتين حمل هذا الجسد الهش الذي كوي بنار الفقر والعوز، جعل منها هذا الزمان أضحوكة في حيها بالرغم من أنها انجبت لهذا العالم أربع بنات ذوات قوة وجاه، غير ان الغيرة ماتت فيهن واستأصل هذا الزمان الرحمة من قلوبهن في حمل هذه العجوز الهرمة، ولم يكفهن هذا فحسب، بل تجرأن على التطاول والاعتداء عليها بالرغم من ان هذه الصحة التي ينعمن بها قد سقيت من شباب هذه الأم المسكينة، وتلك السواعد التي أضحت صلبة اليوم. كانت بالأمس لا تطيق حتى حمل حجر صغير، كانت ترجو الطاعة والاهتمام فحسب، لم يكن همها اكثر من رغيف ساخن رفقة أحفادها، كانت تطمع في ثوب نظيف يستر شتات جسدها الذي تناقله هذا الزمان إلى أن وصل به الحال إلى ما هو عليه اليوم، جسد تكالبت عليه كل الأمراض، بدأ ينطفئ مثله مثل النور، تتنقل بين بناتها الأربع مثل المتسول العليل، عليل الجيب والصحة، وصل بها الحال إلى اتخاذ الأرض غطاء ومفرشا تحت لأسقف بيت منهارة، كيف لا، وقد أصبحن يخجلن من حالها أمام الملأ، اردن أن يتخلصن منها بكل الطرق بالإهمال وبالعزوف عنها، بشتمها وحتى بضربها، لكن إرادة الله فوق كل الإرادات، إنها اليوم ترجو ماعدا الموت على فراش دافئ بين الاهل والأقارب، ترجو منهن أن  يتصدقن عليها ولو برغيف صغير بعد وفاتها يحسب لهن أجرا ولها صدقة جارية، لكن هيهات.. هيهات، كيف بمن أهملك طوال الدهر وأنت بجانبه في نور هذه الحياة سوف يتذكرك وأنت بعيد عنه في ظلمات القبر، هذا حال الحاجة “حضرية” التي تصارع اليوم مرضها المزمن وقهر بناتها الأربع في زحمة هذه الحياة.

هي اذا عينات كثيرة، فحالة “خالتي عيشة” والحاجة “حضرية” هي من باب الذكر لا الحصر، ولو أردنا الحديث عما تعانيه أمهاتنا مع فلذات أكبادهن ما وسعت هذه الصفحات لهذه المعاناة، لكن الأكيد انه عندما تلد الآمة ربتها فانتظر الساعة.

* نقلا عن مجلة الشروق العربي

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدون اسم

    يمهل و لا يهمل هكذا حال الشباب عموما لا حول و لا قوة الا بالله