-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يقف “كورونا”واعظا في النّاس

سلطان بركاني
  • 826
  • 2
عندما يقف “كورونا”واعظا في النّاس
ح.م

لا نزال نعيش أيام هذا البلاء الذي سلّطه الله على البشرية، زاجرا للظّالمين المعتدين، وموعظة للغافلين المقصّرين، وابتلاءً للمؤمنين الصّالحين.. هو بلاء تتمنّى البشرية جميعا أن يرفع ويكشف عنها، بعد أن بان عجزُها أمامه، وبعد أن اعترف قادة “الدول الكبرى” بأنّ أمره بيد الخالق، ودعا بعضهم إلى الصّلاة والدّعاء، ليكشف الخالق عن البشرية هذا الوباء.

مهما استمات العلمانيون في محاولتهم صرف الأنظار عن الموعظة البليغة التي حملها فيروس كورونا، ومهما استهزأوا بكلّ من يدعو إلى الاعتبار بفعله في العالم، إلاّ أنّ قلوب البشر المؤمنين بالخالق جميعا، تذعن لحقيقة أنّهذا الفيروس، أيا تكن أسباب ظهوره، يحمل رسالة ينبغي أن تقرأها البشرية بكلّ وضوح.. فها هو قد فشا وانتشرفي وقت طغى فيه العباد في كلّ البلاد وأكثروا فيها الظّلم والفساد وتكبّروا على من أهلك قوم نوح وقوم عاد، ليقول للبشرية جميعا: ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)).

كورونا جعل تجار الحروب ينكفئون على أنفسهم، واضطرّهم إلى وقف الحرب في ليبيا واليمن وسوريا.. كورونا أغلق أكبر نوادي القمار في هذا العالم، واضطرّ كلّ دول العالم إلى إغلاق النوادي الليلية ونوادي العراة والشواذّ.. كورونا أوصد دور البغاء وأغلق حانات الدعارة في العاصمة الهولندية أمستردام التي كان دخلها يتجاوز 10 مليار دولار في العام.. كورونا جعل الطّائرات التي كانت تمتلئ بها سماء العالم، تجثو في المطارات.. كورونا حمل كثيرا من دول العالم على خفض الفوائد الربوية.. كورونا أوقف تصوير المسلسلات والحصص التافهة التي كانت تجهّز وتُهيّأ لتسرق ليالي رمضان من عباد الله المؤمنين، وأوقف المهرجانات والمنافسات.. كورونا أعاد أهل الفنّ والكرة إلى منزلتهم الحقيقية، ورفع العلماء والأطبّاء الباحثين إلى المكانة التي يستحقّون..

كورونا جعلنا نتذكّر أنّ الموت أقرب إلى أحدنا ممّا يظنّ، وحمل كثيرا منّا على التّوبة وترك الكبائر والموبقات، وجعل كثيرا من تاركي الصّلاة يفرّون إليها.. كورونا أقنعنا بأنّ امتناع المرأة المسلمة عن مصافحة الرجال وامتناع الرجل المسلم عن مصافحة النساء، ليس تخلفا، إنّما هو وقاية من الفتنة، وأقنع من أراد أن يقتنع بأنّ حجاب المرأة المسلمة حصن لها من الفتنة كما أنّ لبس الكمامة حصن ووقاية من الفيروسات…

لقد علّمنا كورونا أنّ في إمكاننا العيش من دون منافسات كرة القدم ومشاحناتها، وعلّم الشّباب أنّ في إمكانهم أن يتزوّجوا بتكاليف بسيطة ومن دون صخب وحفلات.. فيروس كورونا علّمنا أنّ الأبواب المفتوحة أمامنا الآن، سيأتي يوم وتغلق في وجوهنا؛ كانت المساجد تفتح أبوابها وينادي مناديها خمس مرات في اليوم: “حي على الصّلاة، حيّ على الفلاح”، فلا يجيب إلا من رحم الله، وها هي اليوم تغلق أبوابها.. اليوم أغلقت أبواب المسجد وبقي باب التوبة مفتوحا، وسيأتي يوم يغلق فيه باب التوبة كما أغلقت أبواب المساجد.. فيروس كورونا يقرع سمع كلّ من يملك المال ويؤجّل الحجّ والعمرة بأنّه ربّما يأتي عليه يوم يريد فيه الحجّ ولا يستطيع ويتمنّى العمرة ويحال بينه وبينها.. فيروس كورونا نبّه أصحاب الأموال إلى أنّ أموالهم قد تصبح من دون قيمة عندما يتعلّق الأمر بالصحّة والعافية، فالأموال لا يمكنها أن تشتري العافية، وعلّم أصحاب المناصب أنّ مناصبهم لن تغني عنهم أمام جنود الله التي لا يعلمها إلا هو.. فيروس كورونا نبّهنا إلى الاهتمام بآبائنا وأجدادنا كبار السنّ، فهم ضعفاء ومناعتهم ضعيفة ويحتاجون إلى أن نحرص على سلامتهم ونهتمّ بأحوالهم أكثر من اهتمامنا بأبنائنا.. فيروس كورونا علّم أولئك الذين يُهدرون جلّ أوقاتهم في المقاهي والأسواق أنّ مكانهم الصّحيح في البيوت بين أبنائهم وأهليهم، فها هم أكثر النّاس يعملون مضطرّين بوصية النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- لذلك الصّحابيّ الذي سأله: ما النّجاة؟ فقال عليه الصّلاة والسّلام: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك”.. أمسك عليك لسانك: يعني كفّ اللّسان عن الغيبة واللّغو وعن بثّ الشّائعات.. وليسعك بيتك: يعني أن يلزم الإنسان بيته ويصلح نفسه ويراجع حاله وينتبه إلى أهله وأبنائه، وابك على خطيئتك: يعني أن يتوب العبد إلى الله ويتضرّع إليه ويستكين ويخضع ويخشع له.. وها هو العالم أجمع يدرك أهمية وصايا النبيّ الخاتم –عليه الصّلاة والسّلام- في وقت المحن والأزمات، وها هم المسلمون خاصّة يتداولون حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حينما سألت النبيّ-صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون فقال: “إنّه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، فجعله رحمة للمؤمنين، فليس من رجل يقع الطاعون فيمكث في بيته صابرا محتسبا يعلم أنّه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشّهيد” (أخرجه البخاري والنسائي في السنن الكبرى وأحمد).

نحن جميعا نتمنّى وننتظر على أحرّ من الجمر وندعو الله أن يكشف هذا الوباء عن البشريّة جميعا، لكنّنا ينبغي ألا نذهل عن الاعتبار بما حمله هذا البلاء من العبر والعظات وما بثّه من الدّروس بين النّاس، فما بعد كورونا في حياة كلّ واحد منّا، لا ينبغي أبدا أن يكون كمثل ما قبلها.. لنتركِ المهاترات للعلمانيين وأصحاب القلوب القاسية، وليرجعْ كلّ واحد منّا البصر إلى نفسه وواقعه وحاله ليتلمّس النّقص والخلل في حياته، وليتّخذ قراره بأن يتوب ويصلح قبل فوات الأوان، فلا أحد يأمن على قلبه أن يختم الله عليه بالرّان بعد أن لم ينفع معه واعظ كورونا، ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • بن مداني عبد الحكيم

    ما أكثر مواعظ الحياة ولكن ما أقل المعتبر

  • جلال

    قال أبو حامد الغزالي (حجة الإسلام): “إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى … فاعلم أنك عزيز عنده،وأنك عنده بمكان، وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه، وأنه يراك، أما تسمع قوله تعالى: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ووفق قول الغزالي هذا فإنه كلما زادت مصائب الإنسان كلما كان أكثر صلاحاً من غيره، فيصور الله كإله سادي يتلذذ بعذاب عباده، ويراهم وهم يتألمون غير آبه بآلامهم، وهو بهذه الصورة يحمله مسؤولية كل ما يحصل لنا من خير أو شر، وتصبح الحياة الدنيا تمثيلية هزلية نحن فيها مجرد لعب لا أكثر ولا أقل، ويصبح سيناريو القيامة و البعث لا معنى له، وأقول حاشا لله عما يصفون وهذا هو فهمهم للدين