-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن الخطـاب المسجدي… وأدوار المسجــد (2/2)

حسن خليفة
  • 569
  • 0
عن الخطـاب المسجدي… وأدوار المسجــد (2/2)

انتهينا في ختام مقالة الأسبوع الماضي( الشروق /الأحد) إلى نتيجة: « أن تأثير الخطاب المسجدي في واقعنا (المأزوم ) ضعيف وباهت وقليل، دون أن يعني ذلك أن الأمر يتعلق بكل المساجد، وبكل السادة الأئمة، فهذا لا يستقيم.ولكن المدقق، والمتأمل، والمتفحّص الموضوعي سيجد أن النتيجة في عمومها سلبية، أو أقلّ مما يتطلع إليه المجتمع عامة، وأدنى مما ترغب فيه النخبة الطيبة الراشدة التي تحبّ الخير للوطن وللأمة كلها. وتجد في “تجويد” الخطاب الديني وتحسيــنه وتطويره وتصويبه والاشتغال عليه بما يجعله أفضل.. تجد في ذلك واجبا من الواجبات الأكيدة التي ستُسأل عنها أمام الله تعالى.

والواقع أن إثبات “هُزال” وضعف الخطاب الديني ـ المسجدي مما نحتاج فيه إلى استعراض شامل ودقيق، فيكفي تأمل حالنا في واقعنا: أسواقنا، بيعنا وشراؤنا، شوارعنا، مؤسساتنا، إداراتنا: وبعض الدليل: شكاوى المواطنين منها في أغلبها (بيروقراطية، ورشاوى، ومعارف، وتقصير في أداء الخدمات. إلخ)… حتى إن الدولة تعمل على هذا الصعيد بشكل متعدد السرعات، تحت عنوان كبير «محاربة الفساد”…

ـ هل ذلك يعني أن خطابنا المسجدي مقصّر؟

جوابي: نعم، هناك تقصير وربما تقصير كبير. هذا إن أحسنّا الظن، ونحن نعلم أن كثرة من أهل الخير والحق، في كثير من المناصب ذات الصلة بهذا القطاع، لا يألون جهدا في تعزيز ثقافة الخطاب الديني عموما والمسجدي خصوصا.

لكن لا نستطيع أن نتجاوز ما تراه الأعين في الواقع المشهود الذي نعرفه جميعا.
إذن الأمور لا تسـرّ.. وهذا يعني أننا في حاجة أكبر وأقوى إلى تفعيل دور المسـجد.
وفي هذا الخصوص، أردت بيان بعض الحقائق المتصلة بحقيقة دور المسجد في الإسلام كمنظومة متكاملة.. وهو ما لفتُّ النظر إليه في الأسبوع الماضي عندما تحدثت عن مقالة حملت عنوان «هل المسجد ملك للحكومة»؟ وإذْ أطرح هذا الموضوع، إنما لتفعيل النقاش العلمي الرصين الهادي، بصوت مسموع وفكر نقدي لمعالجة بعض مشكلاتنا ومنها: تأخر المؤسسة المسجدية عن أداء أدوارها. وبالطبع للموضوع جوانب أخرى يمكن أن تثار، لإنارة السبيل في هذا الموضوع الحيوي.

ولأهمية هذه الفكرة التي يجب أن تتضح جيدا في الأذهان، التي تعيد بناء حقائق الأمور في ما يتعلق بدور المسجد ومكانته.. أقتبس هذه الأسطر هنا، كما جاءت في المقالة المختصرة المشار إلى عنوانها (هل المساجد ملك للحكومة؟). يقول كاتب المقالة محمود صقر (مجلة المجتمع ماي 2022):

المسجد هو بيت الله، وهو أيضا بيت الجماعة المسلمة؛ فهو الشيء الوحيد الذي يملكه الشعب على المشاع، سواء كان على نفقة الدولة، أم بتبرعات أهل الخير.

ولم يكن المسجد في تاريخ المسلمين مقرا لإقامة الصلوات فحسب، بل كان دارا للقضاء، ومعهدا للعلم، ومنتدى لتناول الشئون العامة، ومركزا للخدمات الاجتماعية، ومنارة للدعوة الإسلامية.
كان استخدام المسجد دارا للقضاء علامة بارزة على استقلال القضاء… وكان القضاة يجلسون داخل المسجد للفصل في قضايا الناس، ويصدرون أحكامهم، وتكون الدولة هي المسئولة فقط عن تنفيذ أحكام القضاة بأعوان يقفون خارج المسجد تحت تصرف القاضي.

والعلم والعلماء أيضا كانوا مستقلين عن سلطة الدولة، يتخذون من المساجد التي هي ملك للمجتمع دورا ومراكز للعلم، ويتقاضون رواتبهم من أوقاف وتبرعات الشعب، وحتى مصروفات الطلبة وإقامتهم يتم الصرف عليها من أوقاف المسلمين.

كان المسجد هو المركز الاجتماعي الذي تدور حوله منافع الناس، يلحق به في نفس المبنى مباني للخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية، وسكنا لطلبة العلم وعابري السبيل، وسبيل الماء للعابرين، ودور للضيافة، ومنتدى لالتقاء الناس لمناقشة شئونهم العامة، وما زالت المساجد القديمة في كل حواضر العالم الإسلامي تجمع بين جنباتها ملحقات للخدمات المذكورة، وفي مساجد آسيا الوسطى ملحق يسمونه «شاي خانة»، يلتقي فيه الناس قبل الصلوات وبعدها لتناول الشاي ومناقشة شئونهم العامة.

وكان المسجد بصفته ملكا مشاعا للشعب (والمجتمع)… مفتوحا لاستقبال الغرباء والسواح وعابري السبيل، ويشهد لذلك ما ذكره الرحالة المسلمون في كل مدن الإسلام التي رحلوا إليها.
وكان من عادة التجار المسلمين في شرق آسيا وفي عمق أفريقيا إقامة مسجد أو زاوية في المكان الذي يترددون عليه للتجارة، ويكون موطنَ تجمُّع لهم، ثم يبدأ أهل المكان ممن هم على غير دين الإسلام في التردد على الجامع والدخول في الإسلام، وما زالت آثار تلك الزوايا ترسم طرق التجارة القديمة التي كان يسلكها التجار المسلمون.

المسجد بصفته المستقرة عبر قرون من تاريخ المسلمين كمِلك مشاع بين المسلمين، كان يؤدي دوره الحضاري في خدمة المسلمين، ومنارة لنشر الدعوة الإسلامية، ومع هذا كان بمثابة الحِصن الشعبي الذي يلجأ إليه الشعب لقيادة المقاومة ضد الغزاة، وللثورة ضد المحتلين، والتحصن من عسف الحكام الجائرين.

لقد خسر المسلمون كثيرا بمصادرة الدول الحديثة لأوقاف المسلمين، وتحكمها في تلك الأوقاف، واعتبار المساجد مِلكا للدولة، مما يسوغ للدولة التحكم فيها، وتقييد حرية استخدامها”.
نعم خسر المسلـمون وخسرت مجتمعات المسلمين؛ حيث بات الانحراف بأنواعه يأكل أبناء وبنات المجتمع، وتتمدّدُ تيارات الإلحاد والرّدة والفسوق والفجور و«الفيمينيزم» في فراغ وخواء العقول والأرواح، مما نراه عيانا في كثير من مجتمعات المسلمين اليوم. (*)وحتى لا يكون كلامنا مجرد تنظير نقترح ـ بعضا مما يجب ـ تفعيله في هذا الخصوص:

1- اختيار الأكفأ فا لأكفأ للإمامة والخطابة وقيادة المؤسسة المسجدية، سلوكا، وثقافة، واقتدارا وكفاءة. وهناك الكثير من الكلام الذي يشيـع هنا في أوساط الأئمة والدعاة
2- إسناد الخطابة وإدارة المساجد الكبرى للأئمة المشهود لهم بالقدرة والعلم والنزاهة والخبرة.
3- تسطير برامج لكل مسجد ليشتغل كمؤسسة مجتمعية (متعددة الأدوار) دروس، محاضرات، صلح وإصلاح، توجيه، توعية ومحو أمية دينية بالقدر اللازم الذي يرفع مستوى الوعي الديني عند الناس.وهذا لدى الرجال ولدى النساء على سواء.
4- يقتضي ذلك الاهتمام بالأئمة بكل أصنافهم وعموم العاملين في القطاع، من الناحية الاجتماعية/المادية، وحمايتهم، وترفيع مقامهم معنويا وماديا، مع متابعتهم بصدقية ونزاهة تحفيزا وتوجيها.
5- العمل الجاد على تحويل المسجد إلى مؤسسة بالفعل ليتحقق شعار المؤسسة المسجدية بكل ما تحمله من معان وأدوار ووظائف، ومن ذلك توظيف عدد من الأشخاص للقيام على المسجد في نظافته، وصيانته، وحراسته، ومتابعة مختلف شؤونه،وتعيين مدرّس ـ على الأقل ـ للقيام بالدور المطلوب منه في مجال التدريس، والوعظ والإرشاد والإفتاء، بالتعاون مع الإمام الأستاذ.
6- يقتضي ذلك بقاء المسجد مفتوحا لوقت مناسب (مع وجود القيّم والحارس )، فالملاحظ أن المساجد تُغلق بمجرد انتهاء الصلاة أو بعدها بقليل من الوقت. وينبغي إيجاد حلّ لهذا الإشكال بما يناسب دور المسجد ووظيفته كما أشرنا في السطور السابقة.
7- العمل على إشراك الطاقات العلمية المؤهلة في تنشيط المسجد (في ندوات ـ محاضرات ـ لقاءات تفاعلية ـ إفتاء على المباشرـ معالجة مشكلات الحيّ أو المدينة إلخ ).
8- استحداث المدرسة الشرعية المسجدية (في شكل دروس يومية أو شبه يومية ) لتدريس: العقائد، الفقه، وكل ما يستلزمه الأمر؛ لأنه يتعلق بمعرفة الحد المطلوب من الثقافة الدينية (الضرورية ) للمسلم والمسلمة.وهناك تجارب ناجحة في هذا المجال في بعض المساجد، ولكن وجب التعميم.

9- إدخال بعض الصيّغ التنشيطية التوجيهية: بإشراك الأطباء، والصيادلة، والخبراء وغيرهم لشرح الأخطار التي تتعلق ببعض الأمور الخاصة بانحراف الشباب، أو انتشار بعض الأمراض السيئة السمعة.بل الاجتهاد حتى في مجال صناعة “التآلف الزوجي” ومهارات إدارة الحياة الزوجية، ومحاربة التفكك الأسري، والنزاعات والشجارات، والتدريب على إدارة الذات إلخ..
10- كما يمكن الاهتمام ببعض الظواهر المجتمعية من خلال صيغ تدريس وإلقاء متميزة لمحاربة:الغش، الرشوة، الفساد، الفراغ الروحي، وعموم ما يجري في الواقع (الأسواق، المحاكم، الشارع، البيوت والعائلات إلخ).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!