-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فقراء أغنياء، وأغنياء فقراء

فقراء أغنياء، وأغنياء فقراء

لم أصدق، ولا أصدّق، ولن أصدق هؤلاء الذين يقولون بألسنتهم، ويكتبون بأقلامهم بأنهم “لا يحبون المال”، وذلك لأن الله – عز وجل – الذي أؤمن به عن “بينة”، وعن “علم” أخبر في كتابه الكريم بأنه جبل الناس وبرأهم وفطرهم على “حب المال”، وزيّن لهم حب الشهوات من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.. وكان “ابن تيمية الجزائر”، الشيخ مبارك الميلي، كما سماه الشيخ أبو يعلى الزواوي، كان يقول للناس في مواعظه ودروسه وخطبه في لقاءات جمعية العلماء “أحبّوا المال”، وهذا الحب للمال وجمعه لا يكون إلا بالوسائل المشروعة.. فالمال – كما يقال – هو “قوام كل الأعمال”. وفي كل آيات الجهاد في القرآن الكريم كان الجهاد بالمال مقدما على الجهاد بالنفس، إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة”.

وقد كان فريق من المؤمنين يودون الخروج للجهاد، ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ردّهم، لأنه لا يجد عنده ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع كما صوّر ذلك القرآن الكريم.

في ثمانينيات القرن الماضي استقدمت الجزائر الشيخ محمد الغزالي ليكون من مؤطري جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وكان يذيع كل يوم اثنين حديثا في التلفزيون الجزائري وكان هذا الحديث يلاقي إقبالا منقطع النظير من الجزائريين – رجالا ونساء – إلا أراذلهم من النطيحة والمتردية.. الذين كانوا إذا رأوا الشيخ أو سمعوه لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ومنهم “حمالة الحطب”، التي هي الآن تذوق وبال أمرها في الدنيا، “ومن يهن الله فما له من مكرم”، ومنهم ذلك الذي “يضحك” أمثاله، وهو أكبر مضحكة في الجزائر.

كان سفهاء الجزائر وأراذلها يشيعون أن الشيخ يتقاضى مبالغ عن هذا الحديث الديني، وكل ذلك إفك..

وقد بدا للأستاذ عبد القادر نور أن يحول هذه الدروس من المسموع إلى المقروء، فأستأذن الشيخ في ذلك فأذن له، ثم قال الأستاذ للشيخ: وماذا عن حقوقك المادية؟ قال الشيخ: “أتبرع بها للمعاقين الجزائريين، أنا من أغنياء المسلمين، لقد أغناني الله”. (محمد الغزالي: حديث الاثنين، جمع وتقديم: عبد القادر نور. دار الوعي ص 8)، بينما كان الآخرون يجمعون المال من حرام ويعددونه ويهرّبونه..

وقد قدّر الله – عز وجل – لي أن زرت – رفقة الأخ عبد الرزاق قسوم – الشيخ الغزالي في منزله في القاهرة فكان عبارة عن شقة عادية في حي عادي، ولو شاء الشيخ أن يسكن العالي ويلبس الغالي لما أعجزه ذلك، ولكنه كان يعلم: “أن الدار الآخرة لهي الحيوان”، وأن هذه الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة…

تذكرت وأتذكر كل هذه الأمور وأنا أتابع محاكمات “كبار مسئولينا” المسجونين أو الفارين، الذين كانت تعجب الناس أجسامهم وأموالهم المسروقة، وما هم إلا “voleurs cravatés” كما وصفهم أحد الظرفاء.. وما أجمل قول الشاعر:

تزيد على الإقلال نفسي نزاهة

وتأنس بالبلوى، وتقوى مع الفقر

فمن كان يخشى صرف دهر فإنني

آمنت بفضل الله من نوب الدهر

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!