-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فيتامين باشا

فيتامين باشا

إن أفظع ما يصيب الإنسان، وقد يرديه، هو الجهل، ولهذا جاء في الأمثال: “يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعل العدو بعدوه”.

  • وندرك خطر الجهل عندما نعرف أن أول نعمة أنعم الله بها على آدم بعد خلقه هي العلم، حيث علّمه الأسماء كلها، وقد أسجد له الملائكة – سجود تقدير واحترام- بسبب العلم الذي أوتيه.
  • وعندما منّ الله على الإنسانية بإرسال محمد – صلى الله عليه وسلم- كان أول ما أنزله عليه هو الأمر بالقراءة بقوله: “إقرأ باسم ربك الذي خلق..”، وطيب الله ثرى أحمد شوقي الذي قال في هذا الشأن:
  • ونوديَ “آقرأ” تعالى الله قائلُها … لم تتّصل قبل من قيلتْ له بفم
  • وعندما طبقت الأمة أمر ربّها بالإقبال على العلم والإنفاق بسخاء عليه طاولت السماء، وغبّرت في وجه غيرها من الأمم، واكتسبت احترامها، فلما فرّطت في جنب العلم، وأعرضت عنه، وبخلت عنه ردّت أسفل سافلين، وأطمعت فيها أرذل الأرذلين..
  • يتعاظم خطر الجهل إن رافقه غنى، فيصل صاحبها إلى الطغيان، ألم يقل الله – عز وجل-: “إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى”.. ولهذا ترى الجاهل الغني غير التقي يريد أن يستعبد الناس، وأن يسترقّهم، خاصة إذا كان قد حصل على هذا المال بطرق غير نظيفة، وبأساليب غير شريفة، وبوسائل غير عفيفة، كاستغلاله الفتن، وافتراصه المحن، فيحتكر السلع، ليغلي سعرها ويغش في نوعيتها، ويطفف الكيل، ويخسر الميزان، وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض…
  • تحدث الأديب الكبير أحمد حسن الزيات عن أحد هؤلاء الأنذال في مصر الذي استغل ظروف الحرب العالمية الثانية للإثراء غير المشروع، عن طريق صفقات مشبوهة، والإدلاء بالأموال إلى الأراذل ليساعدوه بما لديهم من سلطة وما عندهم من مسؤولية في إدارة الضرائب والجمارك…
  • ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى كانت خزائن هذا السفيه قد امتلأت، وكرشه قد تضخّمت حتى سماه الناس: “الطبلاوي أفندي”، وأوداجه قد انتفخت، فلبس الغالي، وسكن العالي، وامتطى الفاره.. ثم رأى أن زوجه التي صحبته في ساعة عسرته لم تعد لائقة بحاله الجديدة، ومناسبة لوضعه الجديد فرمى بها في زريبة حيواناته، ونسي الفضل، ثم مده عينيه، فوقعتا على ساقطة، وكان هو لاقطة، فـ “واق شن طبقه”.
  • بعد ما امتلك ذلك الكائن المظاهر المادية تطلعت نفسه السافلة إلى الجوانب المعنوية، ومن هذه الجوانب أنذاك تلك الألقاب التافهة التي يُريق صغار النفوس ضعاف العقول ماء وجوههم، ويهينون “كرامتهم”، ويبذلون الأموال الطائلة للحصول عليها.. كلقب البيك، والباشا…
  • أصيب ذلك الكائن بوعكة صحية ألزمته الفراش، وارتعدت فرائصه لأنه أذهب طيباته في حياته الدنيا، وظن أنه الفراق.. فأمر بإحضار الطبيب بأسرع ما يكون.
  • جيء له بأمهر طبيب، وفحصه فحصا جيدا وأجرى له تحاليل، فلم يجد في الأمر خطرا، فطمأنه ونصحه بأخذ نصيب من الراحة، والتقليل من “الجري” هنا وهناك للفوز بصفقة، والاستحواذ على مشروع… وأشار عليه باستعمال فيتامين بيه (B). وبما أن “عقل” هذا الكائن مريض قبل أن يمرض جسمه، وأن همّته السفلى متعلقة بتلك المظاهر التافهة، قال للطبيب: لماذا لا تشير عليّ باستعمال فيتامين باشا؟
  • وطلب هذا الكائن أن يحضروا له رسّاما، فلما جيء به، قال له: أريد أن ترسُمني. فسأله الرسام: هل تريد الصورة بالزيت؟ فقال: بل أريدها بالسمن.
  • عندما قرأت قصة هذا “الطبلاوي” تواردع على ذهني صور عشرات؛ بل آلاف الطبلاويين “الجزائريين” الجاهلين، الذين استغلوا فرصة الفتنة التي ضربت الجزائر، لتحقيق أطماعهم الرخيصة، فركنوا إلى من بيدهم خزائن الجزائر، فأخذوا القروض الكبيرة، وهم لا يملكون أثمان أكفانهم، واحتكروا استيراد السلع، وأفلسوا المؤسسات الوطنية ليشتروها بثمن بخس، وهرّبروا الأموال إلى الخارج، وتهربوا من دفع حقوق الدولة من رسوم جمركية، وضرائب..
  • لقد فضحت الأيام بعض هؤلاء اللصوص، وقد قُبض على صغارهم، وفر بعضهم إلى الخارج، وسينكشف الآخرون عما قريب – إن شاء الله – وحتى إذا لم يكشفوا – عن قريب – لأن هناك من يحميهم ويجادل عنهم، فما أظن هؤلاء الذين يحمونهم، ويسّهلون لهم الأمور، ويزيحون أمامهم الإجراءات القانونية قد اتخذوا عند الله عهدا أن يبقوا على الكراسي التي يحتلونها.. ومن نجا في هذه الدنيا فإن إلى الله إيابهم، ثم إن عليهم حسابهم.. ويومئذ يعضون على أصابعهم.. ويقولون: يا ليتنا أطعنا الله وعصينا “كبراءنا” الذين أضلونا السبيلا، ويطلبون من الله – عز وجل- أن يضاعف لهم العذاب، فيقال لهم: لكل ضعف.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • salim

    شكرا