قابيل وهابيل في ضيافتنا
شيخ في السبعين أطلق النار على شقيقه الشيخ فأرداه قتيلا في مرعى غنم بسوق اهراس، وقاصر حوّل أخاه ليُصَلّى عليه صلاة الجنازة بعد أن كان متجها إلى صلاة التراويح في سكيكدة، وشاب قتل شقيقه من أجل مشاهدة التلفزيون في سهرة رمضانية في سطيف ومراهقة ذبحت والدها على مائدة الإفطار بباتنة..
-
هاته المآسي وغيرها التي ميزت النصف الأول من شهر السلام والحياة تفرض علينا سؤالا أدخل الداعية الباكستاني الراحل أبو الأعلى المودودي السجن عندما طرحه في كتاب مثير وهو هل نحن مسلمون؟ وهل نحن صائمون؟ وتفرض علينا جوابا قد يحرّرنا من قيود الكذب على أنفسنا بالاعتراف بأننا فعلا مازلنا بعيدين عن روح الإسلام التي تجعلنا نصوم إيمانا واحتسابا ونطمع أن يغفر الله ما تقدم من ذنبنا.. بل من ذنوبنا.
-
مصادر أمنية قالت إن عدد جرائم القتل التي تُسجل في شهر رمضان هي أربعة أضعاف ما يُسجل في أي شهر آخر من شهور السنة، وقالت إن عدد جرائم القتل ما بين الأصول لا تكاد تقع أبدا في الجزائر إلا في شهر الصيام، وعندما يقتل شيخ في السبعين وهو راعي أغنام شقيقه، ويحرم قاصر شقيقه من التراويح مدى الحياة، ويحوّل شاب سهرة رمضانية إلى مأتم عائلي وتنحر صبية والدها، فمعنى ذلك أن صيام النهار لم يكن سببا مادامت غالبية الجرائم تكون بعد الإفطار وعندما تشبع البطن ويغني الشيطان نشيد الموت.
-
إذا كان الرفث والفسوق وعدم كظم الغيظ في نهار الشهر الفضيل مُحرّما وإذا كان العبوس في وجه عامة الناس مكروها، فكيف وصل بنا الحال أن أصبحت جرائم قتل الأخ لأخيه والزوج لزوجه أقرب إلى الأخبار السريعة العادية التي ما عادت تهتم بها حتى الصحف بسبب كثرتها وتكرارها، ونجد أحيانا كصحافيين صعوبة في تقديم في نفس الصفحة الرمضانية خبرين على النقيض، أحدهما عن اعتناق استرالي أو برازيلية للدين الإسلامي بسبب تأثره بالروح الأخوية التي تملأ قلوب الجزائريين، والثاني عن اغتصاب جماعي لصبية أو جريمة قتل يذبح فيها الصائم أخاه، في مشهد مدّ وجزر بين داخلين في دين الله أفواجا وخارجين من الحياة أفواجا.
-
كل الجامعات والمراكز الجامعية في الجزائر، التي جاوز عددها الستين، بها كليات علم الاجتماع وعلم النفس، وعدد المساجد فاق الخمسة عشر ألفا، وفي مستهل جلسات رمضان التي جمعت رئيس الجمهورية بالطاقم الأمني تم التركيز على ظاهرة الجريمة بكل أنواعها التي صارت من يوميات الجزائريين، ومع ذلك تتغلب الجريمة على هذه الدروع الأمنية والدينية والاجتماعية والعلمية كما تتغلب الأورام الخبيثة في آخر مراحل السرطان على البدن الضعيف.
-
صحيح أن هذه الجرائم المهولة في حق الأصول هي استثناء ورقم صغير في مجتمع ثلاثة أرباعه يقومون الليل في المساجد، وصحيح أن ما حدث بين الإخوة هو لحظة غضب وزلّة يد وقتل يتبعه ندم، وصحيح أن أرقام التضامن والخير لا عدّ لها ولا حصر… لكن الصحيح أيضا أن حادثة إبني آدم عندما طوّعت لأحدهما نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين كانت حجر أساس لعالم من الجريمة بدأ ولم ينته.