-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قصة التقويم الهجري

التهامي مجوري
  • 7067
  • 2
قصة التقويم الهجري

اعتمد التقويم الهجري رسميا في الدولة الإسلامية سنة 17 للهجرة، في السنة الثالثة لخلافة عمر رضي الله عنه، وسمي بالتقويم او التأريخ الهجري، لارتباطه بالهجرة النبوية، التي أنشئ على إثرها المجتمع الإسلامي بمؤسساته، أو كما يقال أشئت الدولة.

وهو تقويم قمري اعتمده العرب قبل ذلك بقرون، ولكن اختلاف القبائل، في ترتيب الشهور وتسميتها، تسبب في اختلاف كبير بينهم، لا سيما في علاقة هذا التقويم بالبيت الذي يحجون إليه كل عام، ويعظمونه كلهم.

وفي سنة 412 للميلاد، أي قبل البعثة النبوية الشريفة بقرنين ونصف، عقد سادة القبائل العربية اجتماعا، في حياة كلاب بن مرة، خامس جدود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحَّدوا فيه أشهر التقويم [نقلا عن الجزيرة.نت بتصرف]، وهي الأشهر القمرية المعروفة عندنا اليوم، واتفقوا على تسميتها التي كانت في مجملها تسميات لها على بالطبيعة وتقلباتها، وبمعتقداتهم الأصيلة وأعرافهم المقررة عندهم، التي لها ارتباط بالبيت الحرام، فأطلقوا على اول شهور السنة القمرية  مثلا: محرم؛ لأن العرب تحرم القتال فيه، وشهر صفر؛ لأن ديار العرب تصفرُّ أي تخلو من سكانها، وربيع الأول؛ لأنه جاء في الربيع، وجمادى، فلأنه جاء الشتاء حيث يتجمد الماء، وهكذا في جميع الشهور، لكل شهر ارتبط اسمه، بالمناسب له من واقع الطبية، فسمي به، فحافظوا بذلك على عدة الشهور 12 شهرا، وعدد أيامها ما بين 29 و30 يوما، خضوعا لحركة القمر، وأسمائها التي أضحت علما لها، مع بقاء هذه الشهور على ثباتها، صالحة مرجعا لكل شيء ذي علاقة بالزمن، ولكن بقيت مشكلة الأعوام، حيث أن العرب نظمت الشهور وأسمائها، وموقعها الزمني حسب حركة القمر، ولكن الأعوام لم يفصل فيها بشكل من الأشكال، إلا بتبني الإسلام لهذه الشهور بأسمائها، في السنة السابعة عشر للهجرة، فأضاف لها السنة الهجرية، إتماما لها كصيغة تقويم كاملة، وتمييزا لها على غيرها من التقويمات المعروفة في العالم آنئذ ومنها التقويم الميلادي، اما قبل ذلك فكانت العرب تعرف السنوات بالأحداث، فيقال عام الفيل مثلا، أي العام الذي غزا فيه أبرهة الحبشي مكة وهزم.

كانت القبائل العربية قبل الإسلام،  تعيش على الغارة والغزو، وكانت الأشهر الحرم المتتالية التي يحرم فيها القتال، وهي الأشهر الثلاثة (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم)، وكان ذلك يمثل عائقا بالنسبة إليهم، ثلاثة أشهر متتاليات لا يغزون ولا يقاتلون، فتدخلوا في هذه الشهور بالتعديل، فأحلوا وحرموا، وقدموا وأخروا ووضعوا شهرا مكان شهر، أو سموه بغير اسمه، حيث كانوا إذا اضطروا للقتال في شهر محرم مثلا، حرموا شهرا مكانه.

وتبني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهذا التقويم، سياسة منه رضي الله عنه وحكمة، لتمييز الإسلام وقيمه الثقافية والسياسية عن غيره من الثقافات والحضارات، فكان يمكن ان يتبنى التقويم الميلادي، الذي تبناه النصارى او التقويم الفارسي مثلا، لا سيما أن تينك الحضارتين الرومانية والفارسية، هما الرائدتان يومها، ولكن حكمة عمر رضي الله عنه، المستمدة من منهجية الرسول صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، اقتضت تبني التقويم العربي وإتمامه وتحسينه وتجويده، لكونه التقويم الأنسب لمنظومة الفكر الإسلامي، من جهة أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالطبيعة، وفي نفس الوقت له ارتباطات هامة، بقضايا تشريعية أخرى، منها العلاقة بالعبادة الإسلامية، مثل عبادة الصيام في شهر رمضان، وعبادة الحج في الشهر ذي الحجة، وإلى ما هنالك من الأمور المنصوص عليها في السيرة والسنة.

وهذا التبني للتقويم العربي، لم يكن مجرد تبني لواقع واستصحابه بما فيه وما عليه، وإنما هو تبني منضبط بمقررات الشرع وضوابط حركة الكون، ولذلك كان التأكيد على تحري الهلال لمعرفة بداية الشهر ونهايته، وصورة التحري البسيطة، التي تبناها العرب، كرؤية الهلال بالعين، المجردة مثلا، لا يمكن ان تبقى هي الأمثل إلى أبد الآبدين، وإنما هو حث على الاجتهاد في ضبط الشهر بضبط حركة القمر، وإبطال النسيء الذي استعمله العرب من قبل وله تأثيره على حقيقة الزمن، وهو التصرف في الشهور، فقال الله تعالى: (إنما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) التوبة/37، “كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها، فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر، وهكذا في غيره..” [الفتح القدير الشوكاني].

وهذا النسيء الذي سيؤثر حتما في حركة شهور السنة، فيتحول الشهر إلى غير محله، أو اليوم إلى غير موقعه، قد عولج نهائيا في حجة الوداع، بعدما عطل بنفي النسيء واعتباره زيادة في الكفر، وذلك عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم، ان الزمان قد استدار كيوم خلق الله السموات والأرض.

قال النبي صلى الله عليه وسلم  في حجة الوداع: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان”.

وذلك يعني ان الزيادات والنقائص والتعديلات، التي طرأت على الشهور والأيام بسبب تدخل الناس عبر الزمان، قد عدلت وعادت الأيام إلى مكانها، أي أن اليوم الذي قام فيه الرسول صلى الله عليه وسلم خطيبا في حجة الوداع، هو تسعة ذي الحجة، وفق الخلق الذي خلق الله عليه الزمن من اول يوم، ومن ثم فإن أي خلل وقع بسبب التصرف البشري في الأيام والشهور قد عاد إلى أصله كما خلقه الله.

لا شك ان التقويم والـتأريخ إنساني، وغايته الأساسية، معرفة الأيام والشهور وحسابها، ومعرفة الأعمار وتاريخ الأمم والدول والحضارات وتقييم الأشياء..إلخ، والذي يبدو لأول وهلة، ان هذه التقويمات يمكن أن يحل بعضها محل بعض، كما هو الحال في واقع البلاد، التي تبنت التقويم الشمسي، ولكن الحقيقة هناك فوارق بين التقويمات تفرضها فروقا حضارية وثقافية ودينية، حيث أن كل تقويم له من الخصائص التي تربطه بثقافته وقيمه وتاريخ وواقعه، لا شك أن هناك قاسما مشتركا، في حساب الأيام والشهور والسنوات، ولكن هناك فروقا، تفرضها تباينات الثقافات والحضارات والشرائع، تختلف بالضرورة من ثقافة لأخرى ومن حضارة لأخرى ومن شريعة لأخرى.

وما يمكن ذكره هنا في ضرورة تبني الإسلام للتقويم العربي وتعديله، أن رسالة الإسلام رسالة كونية، وتشريعاته ومناهجه، تعتبر ان الوحي والكون هما مصدرا المعرفة الإنسانية، ومن ثم فإن كل إجراء عملي، يفترض فيه خدمة الإنسان، أن يكون هذا الإجراء في تناغم تام مع الوحي وحركة الكون وما يخدم الإنسان.

والتقويم العربي القمري الذي أصبح يسمى التقويم الهجري، كان منذ اعتماده متناغما مع ظاهر الطبيعة، وكما أشرنا ان تسمية الشهور، كانت بحسب طبيعة الزمن الذي سمي فيه وفصوله، وإشارة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا الربط في خطبة الوداع، بينه وبين يوم الخلق مهمة في الموضوع، لا سيما عندما سأل الصحابة أي يوم هذا؟ وأي شهر هذا؟ حتى أن الصحابة قالوا كنا نظن ان سيسميه بغير إسمه.

 ثم إن اعتماد التقويم الهجري والشهر القمري، هو التقويم الذي يتناغم وطبيعة التشريعات الإسلامية، كما أسلفنا، هو متناغم أيضا مع الجانب البيولوجي للإنسان، فحساب العمر مثلا، الأنسب له الشهر القمري؛ لأن الحمل تسعة أشهر قمرية، وبعض العبادات، كعدة للمرأة المطلقة والمتوفي عنها زوجها، عدتها حيضا وطهرا وشهورا قمرية، وحَوَلَان الحول في وجوب الزكاة، حولا قمريا..إلخ.

ويضاف إلى كل ذلك ان الفارق بين التقويم الهجري والميلادي، 11 يوما في السنة، أكثر من شهر في كل ثلاث سنوات، فمن الناحية الاقتصادية وفي إطار الفاعلية وشحذ الهمم، التي يحرص عليها الإسلام، يفضل تقديم التقويم الهجري على التقويم الميلادي، باستثمار الفارق السنوي 11 يوما في جميع المجالات، في تقدير الأعمار وتحديد المسؤوليات والانتاج المادي.

والذين لا يرون فارقا كبيرا في ذلك، يمكن تذكيرهم بأن هذا الفارق، يعادل ما يقارب نصف العطلة السنوية لكل عامل في العالم؟

 

   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • بدون اسم

    "وربيع الأول؛ لأنه جاء في الربيع، وجمادى، فلأنه جاء الشتاء حيث يتجمد الماء" وهل يأتي الشتاء بعدالربيع ؟؟؟؟؟ كما أن صفر وكما يقال كانوا يسافرون لتجارتهم وغزوهم بعد انتهاء الأشهر الحرم.

  • بدون اسم

    ما هذه الخزعبلات التقويم الهجري يبقى في المجال الديني فقط اما في غير ذلك فهو غير صالح تماما