-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قمّة بلد الشهداء فرصة حقيقية لتوحيد الأمّة العربية

قمّة بلد الشهداء فرصة حقيقية لتوحيد الأمّة العربية

تُعقد المقبل القمّةُ العربية، قمة بلد الشهداء، في غرة نوفمبر المقبل، يوم إحياء الذكرى الثامنة والستين للثورة المباركة التي فجّرها شعبنا جهادا في سبيل الله، وانتصر فيها بتأييد الله. وفي اختيار هذا التاريخ دلالات وإشارات؛ إذ تتّجه الأنظار، إلى أرض الإسراء والمعراج، إلى أرض فلسطين. وحوافز الأمل حاضرة في أبناء فلسطين، بمشيئة العليّ القدير. والأمل في الله أن يهيّئ لهم مالا يتوقّعون أو يحتسبون، لكي تأتي المحطّات المناسبة، للأخذ بنواصيهم إلى ملتقى المصالحة الوطنية، والقيادة الواحدة، تأسّيا بجهاد إخوانهم الجزائريين، وثورتهم المباركة، الّتي ألهمت الشعوب في نضالها المستميت، لانتزاع الحرية والانعتاق من ربقة الاحتلال.

إنّ الجهود التي تبذلها الجزائر اليوم من أجل لمّ الشمل العربيّ وتوحيد الصفّ الفلسطينيّ هي استمرارٌ للجهود التي ما فتئت تبذلها في هذا السّبيل، منذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية، من خلال مواقفها المبدئية، والتزامها الثابت بدعم قضايا الأمّة العربية؛ وفي طليعتها قضية فلسطين.

إن أمّتنا حريّ بها، وهي تعيش في خضمّ الأحداث ومتغيّرات الأيام، أن تتحسّس موقعها، وتتلمّس دربها وطريقها. عليها أن تدرك أنّ ماحاق بها من بلاء، إلاّ أنّها في كثير من مواطنها وأوضاعها، قد اختلطت عليها السّبل: اختارت غير ما اختار الله، واصطبغت بغير صبغة الله وأعرضت عن منهج الله.

إنّ الله تعالى علّم عباده أنّ طريق الخير والفلاح هو طريق الاجتماع والاتّحاد؛ وذكّرهم بأنّ الصبغة الأساسية لأمّتهم هي صيغة الألفة والوحدة. قال جلّ من قائل: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” الأنبياء/92.

وحذّرهم عواقب الفرقة والشتات، فقال: “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.الأنفال/46.

إنّنا نعيش في عصر أكبر سماته هو أنّه عصر تجمّعات وتكتّلات. وأمّتنا هي أجدر النّاس بذلك. وأحوج ما تكون إلى تحقيق التجمّع والتكتّل والتوحيد، أمام أعدائها، وقوى الشرّ العالمية، التي تقف لها بالمرصاد، من كلّ جانب. ولقد كان من فضل الله علينا أن جعل شعار أمّتنا “كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة”. فالله واحد، والقرآن واحد، والرسول واحد، والقبلة واحدة، والأمّة واحدة. “وأنّ هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتّقون”.

إنّ سعي الجزائر، من خلال الموعد العربيّ القادم، يتّجه إلى إعطاء دفعة جديدة للعمل العربيّ المشترك، على أساس القواسم الجامعة، والعوامل الموحّدة؛ وفي طليعتها قضية فلسطين، القضية المحورية المركزية الّتي تجمع الأمّة، وقد تفرّقها. قضية فلسطين تجمع الأمّة، حين تلتفّ حولها: تؤازرها وتدعمها، وتتضامن معها. وتفرّق الأمّة، حين تختلف القلوب من حولها؛ وتتفرّق السّبل، وتتباين المواقف؛ وتطغى الأهواء والمصالح.

إنّ المرحلة الحاسمة التي تمرّ بها أمّتنا تعدّ نقطة تحوّل بارزة في مسيرتها؛ تستوجب اعتصامها بحبل ربّها، وتمسّكها بأسباب اجتماعها ووحدتها؛ وإلاّ طمع فينا أعداؤنا، وضاعت منّا أوطاننا ومقدّساتنا.

إنّها لأيامٌ مشهودة ترقبها الأمّة العربية، وهي تتطلع لإنجازات القمة العربية. فلنكن أهلا للتبعات والمسؤولية. لنكن أهلا لعناية الله، الّذي وعد بالنصر من يحفظ عهده، ويصون معه وعده.” وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.التوبة/111.

لقد ذُقنا الأمرّين في الماضي، بسبب التفرّق والتمزّق، وقاسينا، من جرّاء ذلك ما قاسينا في أوطاننا وشعوبنا. وقد آن الأوان كي نفقه هذا الدرس العصيب، فنترك روح العصبية والإقليمية، وننبذ نزعة الجاهلية؛ وننتظم تحت لواء الوحدة والتضامن بين شعوبنا؛ حتّى نواجه الأخطار المحدقة بنا، في قوّة وصلابة؛ وحتّى نقف وقفة الحزم والعزم، أمام أعدائنا، الذين يتربّصون بنا الدوائر؛ وهم على الأبواب، عن يمين وشمال؛ وقد يحقّقون فينا مشاريعهم وأهدافهم، لا سمح الله، إن لم نكن صفا واحدا وهدفا واحدا.

إنّ الوسيلة المثلى في معالجة الأزمات، والسعي لحلّ المشكلات نراها في انتهاج سبيل الحوار؛ وهو ما تلتزم به الجزائر، الّتي تتبنّى مواقفَ ثابتة، تقوم على تفضيل الحوار، كأساس لتسوية الخلافات، وفضّ النزاعات؛ وضمن سياسة ترفض التدخّلات الخارجية، وتحرص على سلامة أراضي الدّول، كما تحرص على ضمان وحدتها وأمنها واستقرارها.

إنّ سعي الجزائر، من خلال الموعد العربيّ القادم، يتّجه إلى إعطاء دفعة جديدة للعمل العربيّ المشترك، على أساس القواسم الجامعة، والعوامل الموحّدة؛ وفي طليعتها قضية فلسطين، القضية المحورية المركزية الّتي تجمع الأمّة، وقد تفرّقها. قضية فلسطين تجمع الأمّة، حين تلتفّ حولها: تؤازرها وتدعمها، وتتضامن معها. وتفرّق الأمّة، حين تختلف القلوب من حولها؛ وتتفرّق السّبل، وتتباين المواقف؛ وتطغى الأهواء والمصالح.

إنّ تحرير فلسطين مرهون بإرادة الشعب الفلسطينيّ وصموده، ونبذ خلافاته ووحدة صفوفه، مدعومة بشعوب الأمّة، وقياداتها الراشدة.

إنّنا لا نطلب من الأمّة إلاّ جانبا من سلطان الضمير، ويقظة الإحساس، والشعور بالكرامة، والذّود عن الحمى، والغيرة على الحرمات والمقدّسات؛ فبذلك، إن شاء الله، تُسترجع الحقوق ويُنقذ الوطنُ السّليب، وتكتبُ الأمّة لنفسها مستقبلا حافلا بالعزّة ورشاد القيادة؛ وتستكمل عناصر القوّة ومقوّمات السّيادة. إنّ أمّتنا ينبغي أن تكون على وعي وإدراك بأنّها ستظلّ على خطر، ما دام بينها هذا الكيانُ العنصريّ الدخيل. عليها أن تؤمن بأنّ مصلحتها المادية، فضلا عن واجباتها الدينية، أن تعمل جاهدة لإحقاق الحقّ، واسترجاع السّيادة على الأرض والمقدّسات؛ وليس ذلك حلما أو خيالا؛ بل هو الواجب المحتوم، مهما تتكاثر عوامل التمزيق والتفريق، وتتعدّد المصائب والمثبّطات. والله عزّ وجلّ يقول: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} يوسف/110.

إنّ هناك من يدعو إلى أن تيأس الأمّة من نفسها، إذا لم يكن فيها بقية صالحة لحياة عزيزة كريمة، ونحن ندرك أنّ معركتنا طويلة، بلا ريب. وأنّ مواقف البطولة والتّضحية والفداء كثيرة في ماضينا. ومهما تشتدَّ الخطوب، ويدلهمَّ الظلام، فإنّ اليأس لا يجد إلى قلوب المؤمنين سبيلا. فلا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلاّ الضّالّون. والله غالب على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.

اللهمّ حقّق إيماننا واربط على قلوبنا. واهدنا سواء السّبيل. اللّهمّ اجعل يومنا خيرا من أمسنا، وغدنا خيرا من يومنا. اللّهمّ اجمع قلوبنا على التُقى ونفوسنا على الهدى، وعزائمنا على الرشد، وعلى حبّ الخير،وخير  العمل. إنّك وليّ ذلك والقادر عليه.

والحمد لله ربّ العالمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!