-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف نَصل إلى خطاب سياسي فعّال؟

كيف نَصل إلى خطاب سياسي فعّال؟

الخطاب السائد في المدة الأخيرة في أكثر من مستوى، هو إما خطاب تَيْئِيسي عدمي عنوانه (لاشيء صالح في هذه البلاد)، أو خطاب وصفي مدحي عنوانه (كل شيء تمام في هذه البلاد)، وكلا الخطابين في الواقع مجانبان للصواب، إِنْ بقانون المنطق أو بقانون الواقع، لذا فإننا نحتاج اليوم إلى خطاب ثالث أُسَمِّيه خطاب التحسين المستمر..

ينطلق من السلبي ليصححه ومن الإيجابي ليدعمه، وهو الخطاب الوحيد الواقعي والذي يمكن أن نواصل من خلاله بناء مشروعنا الوطني ونُصحِّح ما ألَمَّ به من أخطاء. لم تستفد أي تجربة قط من البديل القائم على الهدم، أو ذلك القائم على الإطراء. في حين أن بديل التحسين المستمر الذي يسميه اليابانيون (الكايزن) غائب عن الأذهان. ونحن اليوم بحاجة إليه، نحن بحاجة إلى “كَيْزَنة” السياسة إن صح هذا التعبير وفي جميع القطاعات.. لِنَكف عن الحديث عن البديل الأمثل، والحل النهائي والجذري والذي لا رجعة فيه. كل الحلول ليست نهائية ولا جذرية وكلها قابلة للمراجعة، من الاشتراكية بالأمس إلى الديمقراطية اليوم.. ألم نكتب في دساتيرنا إلى غاية 1989 أن الاشتراكية خيار لا رجعة فيه؟ ألم نكتب اليوم أن الديمقراطية خيار لا رجعة فيه؟ وكلنا يعلم كيف أصبح مصير الاشتراكية والمتابع يعلم كيف سيكون مصير الديمقراطية الليبرالية بعد عقد أو عقدين من الزمن. بمعنى آخر لا وجود لنظام سياسي ثابت أو جيد باستمرار مهما كانت نوعية هذا النظام. لذا علينا أن نُفكِّر بطريقة واقعية وعقلانية للقيام بتحسينات مستمرة في الواقع الذي نعيش فيه. وهذا لن يتم دون فتح المجال للمجتمع العميق يُقدِّم اقتراحاته.

وبهذه النقطة أريد أن أخرج أنا نفسي من خِطابَيْ الوصف المادح أو النقد المُهدِّد، وأن اقترح تفعيل منصة للاقتراحات خارج إطار الأحزاب أو الجمعيات، تكون حرة للمواطنين دون إلزامهم بالتعريف بأنفسهم إلا مَن أراد ذلك، يقدم فيها كلٌ الحلول التي يراها ملائمة لتحسين الأوضاع في قطاعه أو هيئته أو عمله أو محيطه المحلي أو حتى الإقليمي، دون قدح أو تجريح في الأسماء أو التحامل على هذا وذاك… وتكون تلك الاقتراحات قابلة للتفاعل من قبل المهتمين بذات القطاع أو ذات المسألة. ويكون شعار الجميع من أجل تحسين مستمر لقطاعاتنا، وينبغي التأكيد على مصطلح “مستمر” لأن التحسين والتطوير لا حدود له، وينبغي ألا يتوقف، ذلك أن كل توقف معناه تقهقر وعدم قدرة على التكيف مع المستجدات..

لقد مررنا بتجارب مثل هذه منذ عقود من الزمن، وكانت المناقشات الشعبية الواسعة حول الميثاق الوطني هي البداية الأكثر فعالية في هذا المجال، مما جعل هذه الوثيقة مهما كانت تحفظاتنا بشأنها عبارة عن رؤية مستقبلية واضحة للبلاد في تلك الفترة لم نتمكن من تكرارها إلى حد الآن.

جميع المشاريع الأخرى التي حاولت أن تكون بديلا فيما بعد للميثاق الوطني  كانت من منظور حزبي ضيق، لم نتمكن من صوغ رؤية جامعة تضبط خطواتنا في المستقبل تكون هي إطارِ الحركة السياسية للجميع.. اكتفينا بالدساتير، التي ليس من مهامها صوغ رؤية متكاملة للمجتمع إنما تحديد النطاق القانوني لحركته فحسب وتركنا مهمة اقتراح السياسات للأحزاب. وكان هذا من سلبيات الديمقراطية التعددية التي أقحمنا أنفسنا ضمنها دون تكييف مع حقائقنا الوطنية، ومِن ثَمَّ أصبح لزاما علينا اليوم أن لا نكتفي باقتراحات يُقدِّمها هذا الحزب أو ذاك في شكل برنامج يتقدم به للشعب (يُصبح ملزما للجميع إذا ما وافقت عليه نسبة من المجتمع)، بل علينا أن نُلزِم الجميع برؤية وطنية واحدة يشارك في صوغها الجميع، ثم يتنافس المترشحون على من يقدِّم أفضل خطة تنفيذية لتطبيقها دون الخروج عن نطاقها.. عندها نكون قد كيّفنا النظام الديمقراطي التقليدي الآيل للزوال، ووحدنا الرؤية نحو المستقبل، واستبقنا الكثير من المشكلات، وأسَّسْنا لخطاب سياسي فعّال ومتين…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!