-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا قيمة للبطاطا في عهد البترول

عابد شارف
  • 4699
  • 0
لا قيمة للبطاطا في عهد البترول

انهار سعر البطاطا خلال النصف الثاني من شهر جوان في السوق الجزائرية، وفرح له المستهلكون، بينما بقيت الحكومة تحمد الله على هذه النعمة التي أتاحت فرصة لتهدئة الجبهة الاجتماعية. وقد تواصل تراجع أسعار البطاطا منذ أكثر من شهر بصفة تدريجية، دون أن يكون للحكومة والإدارة دور في ذلك.

  •  
  • وقد بلغ سعر البطاطا مستوى كان سائدا خلال الثمانينيات. وتراجع السعر في أسواق الجملة من 35 دينارا للكيلوغرام إلى عشرة دنانير خلال شهر ونصف. وبذلك يكون السعر قد تراجع بمعدل دينار كل يوم تقريبا، مع دخول الإنتاج الفصلي إلى السوق. وفي المجموع، بلغ الانخفاض ثلثي السعر الأصلي.
  • وقد عاشت الجزائر نفس الظاهرة قبل سنتين، مع تكرار نفس العوامل. منها دخول كميات بكثرة من البطاطا إلى السوق في فترة قصيرة، مما يوهم أن هناك فائض في الإنتاج. ومن جهة أخرى، فإن الكثير من الفلاحين يجدون أنفسهم في وضع مالي حرج مع بداية الصيف، مما يدفعهم إلى بيع إنتاجهم مهما كان الثمن. ويشكل ضعف إمكانات التخزين عاملا آخر يدفع الفلاحين إلى تقديم كل الإنتاج إلى السوق، دون التفكير في تموين السوق في الأشهر القادمة.
  • إضافة إلى ذلك، يجب الإشارة إلى العمل التخريبي الذي قامت به بعض الأطراف خلال السنة الماضية. وفي ولاية تلمسان مثلا، قامت السلطات المحلية بحجز كميات من البطاطا كانت مخزنة في غرف التبريد، بحجة محاربة المضاربة. وأدى هذا التصرف غير القانوني وغير الاقتصادي إلى ابتعاد الكثير من ملاك غرف التبريد عن البطاطا، واللجوء إلى الموز والتفاح وغيرهما، لتكون النتيجة عظيمة عظمة البيروقراطية الجزائرية، حيث أن التفاح موجود طول العام، لكن البطاطا ليست متوفرة طول السنة.
  • ومن المعروف أن أهل الريف ليس لهم وزن في الساحة السياسية. فهم لا يعرفون الدولة وأسرارها. ولعل ذلك ما يجعل السلطة لا تبالي بمصيرهم. عكس ذلك، فإن السلطة تريد إرضاء المستهلكين، لأنهم يسكنون المدينة، ويقطعون الطريق، ويحتجون بتنظيم المظاهرات وأعمال الشغب. ولما يتراجع سعر البطاطا إلى عشرين دينارا أو أقل في سوق التجزئة، فإن الحكومة ترتاح لأن ذلك يشير إلى تراجع التوتر في الجبهة الاجتماعية. ويشير آخر إحصاء للسكان أن أكثر من ثمانين بالمائة من الجزائريين يعيشون في المدينة، أي أنهم يستهلكون البطاطا، مما يدفع السلطة إلى إرضائهم ولو تطلب ذلك التضحية بالفلاحين.
  • وفي المعادلة الاقتصادية الجزائرية، نلاحظ أن الحكومة والمستهلكين يصفقون عند انهيار أسعار البطاطا لأنهم يربحون ظرفيا. أما المنتج والاقتصاد الجزائري، فإنهما يخسران الكثير. وأدى هذا الوضع الغريب إلى نشوب معركة فريدة من نوعها لأنها تشهد حربا بين الفلاحين والحكومة. واختارت الحكومة أن تقتل الأسعار ولو أدى ذلك إلى قتل الفلاح. ولجأت إلى هذه الصيغة بقوة لما اختارت أن تدعم سعر الحليب والحبوب والبطاطا، مما أدى إلى انهيار الإنتاج. ويقول المختصون إن إنتاج الحبوب سيعرف هذه السنة أضعف مستوى منذ عهد طويل جدا، كما أن واردات الجزائر من المواد الغذائية سترتفع إلى مستويات تاريخية بسبب ارتفاع الأسعار في السوق الدولية وضعف الإنتاج الجزائري.
  • أما خسارة الفلاح، فإنها بديهية. وتشير الأرقام إلى أن تكلفة الكيلوغرام من البطاطا تبلغ حوالي عشرين دينارا. ولما يصل سعر الجملة إلى عشرة دنانير فذلك يعني الإفلاس. كما يعني أن الفلاحين سيستثمرون أقل في البطاطا السنة المقبلة، مما يؤدي إلى انهيار الإنتاج وارتفاع فاحش للأسعار، مثلما وقع السنة الماضية.
  • هذه المعادلة معروفة. وقد عاشتها الجزائر في الماضي، لكنها لم تتخذ العبرة منها. ويكفي الاستماع إلى أي خبير في الاقتصاد الفلاحي ليذكر كل البلدان التي انتهجت مثل هذه السياسية وفشلت، كما يذكر البلدان التي قررت تغيير منهجها واستطاعت تدريجيا أن تحقق تقدما في الإنتاج. ولا شك أن هناك العديد من الخبراء في الإدارة الجزائرية ممن يعرفون هذا الملف جيدا. لكن لماذا لا يتم اتخاذ القرارات الضرورية؟ هل هناك أطراف في السلطة تعمل عن قصد للإبقاء على الوضع الحالي، حتى يتمكن أصدقاؤهم وأهاليهم من تحقيق أرباح هائلة بفضل الاستيراد؟ أم أن الأمر أبسط بكثير، مع وجود سلطة فاشلة، ونظام مات منذ مدة، وهو بذلك لا يستطيع أن يتخذ أي قرار إيجابي؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!