-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا مبادرات “الجبهة الداخلية”؟

لماذا مبادرات “الجبهة الداخلية”؟

لقاء مجموعة من الأحزاب الجزائرية مؤخرا، تحت عنوان “تمتين الجبهة الداخلية”، وبغضِّ النظر عن الداعين إليه والمُلبّين له، يعدّ ظاهرة صحية في الحياة الديمقراطية ومؤشرًا على عودة الحيوية السياسية في البلاد.

صحيح أنّ الأحزاب في الدول الديمقراطية تتنافس في المحطات الانتخابية على السلطة والمؤسسات الشعبية التمثيلية، لكن ذلك لا يمنع إطلاقا، بل إنه يصبح واجبا وطنيا ضمن سياقات خاصة، ضرورة التنسيق والتعاون والعمل المشترك في فضاءات موسعة للتحالف الحزبي في إطار أجندة توافقية تمثل مواقف موحدة تجاه القضايا الكبرى.

الجزائر عاشت الكثير من تلك التجارب التنسيقية، خاصة خلال عشرية المأساة الوطنية لخطورة المرحلة آنذاك وتحدياتها المصيرية، إذ سجلت ميلاد تكتلات كثيرة بعناوين مختلفة ومشارب متنوعة، جمعها همّ الأزمة، غير أنها فتُرت في الألفية الثانية بسبب استرجاع الأمن والاستقرار، وبعدها هيمنة “التحالف الرئاسي” وغلق المشهد الحزبي عمليّا، باستثناء الفترة العابرة لأحداث الربيع العربي قبل الحراك الشعبي منذ 2019، ثم سرعان ما ركدت الحياة السياسية مجددا لولا مبادرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بفتح حوارات متوالية مع قيادات الأحزاب وشخصيات وطنية في أكثر من مناسبة.

الأكيد أن قراءات متباينة يمكن أن تصاحب خلفيات الاجتماع الأخير، ولا يمكن تزكيتها أو تخطئتها مطلقا، لأن السياسة تحتمل التأويل، لكن ما يهمنا أنّ اللقاء بين مجموعة أحزاب جزائرية، معروفة بمواقفها وبرامجها الوطنيّة، من أجل التشاور بشأن التحديات الداخلية والمخاطر المحيطة بالبلاد إقليميا ودوليّا وبحث آليات دعم الدولة في مواجهتها، هو مسعى حضاريّ ينبغي تشجيعه ضمن تقاليد العمل السياسي.

من صور الوعي الوطني تجنّد قوى المجتمع الحية، من إعلام ومؤسسات وأحزاب وجمعيات وطنية ونخب ثقافية ودينية وفكرية ورموز عامة، للمشاركة في صدّ الأخطار المحدقة بالبلاد داخليا وخارجيا، لأنّ مجابهتها ليست مهمة حصريّة للسلطة السياسية بأجهزتها المختلفة، بل إنه لا يمكنها القيام بذلك منفردة، لأنها في الواقع رهان دولة بكل مكوِّناتها وروافدها المجتمعية.

عندما نعود إلى واقع الجزائر اليوم، ورغم كل ما أنجزناه في ظرف استثنائي على صعيد البناء المؤسساتي الدستوري والاستقرار السياسي والتوازنات الاقتصادية والمالية الكبرى واستعادة المكانة القاريّة والعربيّة والدوليّة تدريجيّا، فإنه لا يمكن إغفال الآفات الموجهة من الخارج لنخر بلادنا من الداخل، باستهداف شبابها وقلبها النابض، عبر حرب المخدرات والمهلوسات، والتحرشات الإقليمية المحدقة بالأمن القومي، خاصة في ظل التحالف المخزني الصهيوني وهشاشة الوضع في الساحل الإفريقي، باعتباره الخاصرة الرخوة في المنطقة، فضلا عن الأزمة المفتوحة في ليبيا منذ سنوات ولاحقا السودان، أضف لها نُذر التربص بالجارة تونس، والآثار العالميّة للحرب الروسية الأوكرانية،  ولا ندري ما يخبئه المستقبل القريب من توترات جديدة في ظل صراع القوى الكبرى على الهيمنة لتكريس الأحادية القطبية أو التحرّر منها ببروز أقطاب أخرى تصنع التوازن في إدارة  المشهد الدولي.

ولا شكّ أن مثل هذه الظروف الحرجة تفرض الانخراط الجماعي، سلطة ومعارضة ومجتمعًا، في مشروع التجديد الوطني والإصلاح الشامل، دستوريّا وسياسيّا وتشريعيّا واقتصاديّا واجتماعيّا، لضمان العبور الآمن في مسيرة الانتقال الديمقراطي نحو عهد مختلف من دولة القانون.

عندما يواجه أي بلد مثل هذه التحديات يصبح من الواجب تلبية نداء الضمير الوطني بالالتفاف حول مؤسسات الجمهورية، لذلك نأمل أن يتوسّع تحالف الأحزاب في إطار التحسيس والتعبئة ضد كل المخاطر الفعليّة، وأن تبرز مبادرات مثيلة في المستويات الجمعوية والثقافيّة، للتقاطع مع الإرادة السياسية العليا المعبَّر عنها في الخطاب الرسمي برصّ الصفوف ولمّ الشمل لتحصين الجبهة الداخلية وصون الحدود الخارجية.

ما ينبغي إدراكه من الجميع بهذا الخصوص، أن الاجتماع حول العناوين سالفة الذكر هو مسؤولية أخلاقية ومساهمة حضاريّة في الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية كيان الدولة، والتي تبقى هي الأساس في أي مشروع إصلاح أو تغيير صادق، وبضعفها أو تفككها، لا قدر الله، فلا رابح سوى أعداء الوطن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!