-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا نعلم الأطفال القرآن؟

التهامي مجوري
  • 5335
  • 11
لماذا نعلم الأطفال القرآن؟

عندما طالب أحدهم بحذف سورة الإخلاص من المقررات الدراسية للتعليم الإبتدائي، كانت حجته أن الطفل في هذه المرحلة لا يفهم معناها، أو لا يستطيع ذلك، وكأن الطفل يفهم غيرها من المعلومات في هذه المرحلة!
إن من يتكلم عن الفهم والاستيعاب لدى الطفل في المرحلة الإبتدائية –سواء في القرآن أو في غيره- يعد كلامه خارج موضوع تعليم الطفل؛ لأن الطفل في هذه المرحلة من التحصيل الدراسي، يتعلم الأصوات والأشكال والألوان والحركات…فقط لا غير وما عدا ذلك فله زمنه اللاحق فيما بعد الابتدائي، وتعلم هذه الأمور كلها عبارة عن محاكاة وتقليد، ولا علاقة لها بالفهم والقدرة عليه، ومن ثم فهي تربية ذهنية وتقوية ذاكرة وتنمية ذكاء وتهيئة وعاء، لأن الطفل لا يتمكن التجريد والقدرة عليه إلا بعد السن الثانية عشر كما يرى جون بياجي.
على أن أخصب مرحلة في عمر الطفل هي هذه المرحلة، من سن الرابعة إلى الثانية عشر، وهي المرحلة الذهبية في جمع المعلومات التي تعد بمثابة المواد الأولية الرمادية كما يقال التي سيصنع بها منتوجاته في بقية العمر ابتداء من سن الرشد؛ بل ومرحلة المراهقة التي تبدأ قبيل سن الرشد.
وتعليم القرآن للأطفال في هذه السن المبكرة هو استثمار في هذا الاتجاه، وليس من أجل الفهم؛ لأن الفهم سيأتي لاحقا عندما يحين أوانه، ولذلك تبنت الأمة الإسلامية في جميع مراحل تاريخها، تحفيظ القرآن في أولى مراحل عمر الطفل، ابتداء من سن الروضة، فلا تمر إلا سنوات قليلة حتى يتمكن من حفظ القرآن أو أغلبه أو بعضه، ومن الأطفال من حفظ القرآن في السن العاشرة وأقل وأكثر.
وحتى عندما أجبرت الأمة على استبعاد القرآن من البرامج الدراسية والمدارس الرسمية، كما في المرحلة الاستدمارية، فقد بقيت الأمة متمسكة بالتعليم القرآني في الكتاتيب والمساجد والمدارس القرآنية والزوايا، وذلك لتحقيق أكثر من مكسب في حياة الطفل ذات الأبعاد المتنوعة، منها الديني، ومنها الثقافي، والتربوي والتعليمي، كما سنرى، وفي كل ذلك كان الأطفال يحفظون القرآن بتلاوة جيدة وتجويد متقن، ولم يكن مطلوبا منهم فهمه أو تدبره.
لا شك أن المناهج الدراسية الحداثية لم تهمل بعض هذا الذي نقول، فهي تهتم بتعليم الطفل الأصوات والأشكال والألوان والحركات، ولكن مشكلتها انها تستبعد القرآن والمبادئ الدينية في التعليم، بحجة أن العلمنة ترفض إقحام الدين في التعليم، في حين أن البعد الديني في التعليم، يضيف إلى العلم التربية، ويحافظ على توازن الإنسان وفق تكامل معرفي يرتقي بالإنسان عن المادية الجامدة إلى معالي الروح المتحركة. وأفضل وأرقى الأساليب في تحقيق هذه المبادئ السامية في حياة الطفل هي حفظ القرآن.
لماذا القرآن؟
1. لأن القرآن كلام الله سبحانه، وكتاب ديني كوني، وهو قسيم الكون في الوجود، بحيث لا يفهم الوجود على حقيقته إلا به ومن خلاله، ذلك أن الكون خزان عالم الشهادة والمعلومة المادية، بينما القرآن يمثل خزان عالم الغيب والمعلومة الأخلاقية والروحية، وذلك يستدعي الحرص على حفظ القرآن عن ظهر قلب، مثلما نحرص على مشاهدة الكون ومحاولة معرفته، هذه أرض وتلك سماء وذلك جبل وغيره كوكب…إلخ. وحروف وألفاظ القرآن في الكتاب كمواقع النجوم في السماء كما قال الأستاذ أبو القاسم حاج حمد رحمه الله (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الواقعة 75-80].
وتمكين الطفل من حفظ القرآن، كالحرص على تعليمه الأسماء والأشكال والألوان والأصوات؛ بل أبلغ وأدق، لأن تعليمه تلك الأشياء تهييئا له ليحسن التعامل مع محيطه لاحقا، أما تحفيظه للقرآن فليستعد للتعامل مع عالم الغيب كما يتعامل مع عالم لشهادة سواء بسواء.
2. إن بناء العلاقة مع القرآن ومنها حفظه، من صميم الإيمان بالغيب –الإيمان بالله واليوم الآخر-، ومن مقتضياته؛ لأن الحفظ له شقان كما أسلفنا شق معرفي باعتبار القرآن قسيم الكون، وشق تعبدي إيماني باعتباره كلام الله المعبود بحق، وإذا كان الناس يحفظون النصوص، حبا لأصحابها وتذوقا للكلام الحسن وبحثا عن معرفة زائدة، فإن حفظ المؤمن لكتاب الله، حبا لله سبحانه الذي آمن به من قبل، وتذوقا لكلامه وبحثا عن مزيد من المعرفة به وبالكون والحياة.
والقرآن ككتاب ديني، فإن نصوصه متعلقة بأحكام تعبدية يطالب بها المؤمن عندما يبلغ سن التكليف.. وتحفيظ الطفل في سن مبكرة للقرآن من حسن الإستثمار فيه؛ لأنه يحفظ استعدادا، لما يأتي بعد ذلك من مستلزمات التدين والتعبد والمعرفة بالله والكون والحياة.
3. إن حفظ القرآن لدى الكبار والصغار معا من أفضل وسائل تعلم اللغة، ابتداء من الأصوات ومخارج الحروف، وانتهاء بالتراكيب اللغوية والفنية والأدبية؛ لأن حفظ القرآن –لا سيما الطرق القديمة-، يكون عادة مجوَّدا، أي بالأحكام، التي تحتوي على دقة عالية في الإهتمام بالصوت وكيفية النطق به. وهذه الطريقة هي عند الطفل أسهل وأسرع؛ لأنه لم يكتسب طرقا في النطق بالحروف تشوش عليه، وإنما تجربته الأولى بدأت مع القرآن.
4. يقال إن حفظ القرآن يمكن صاحبه من زاد لغوي كبير يحتوي على أكثر من 77 ألف كلمة، وهي كلمات موزع على سور القرآن الـ114 سورة، في هذه الآلاف من الكلمات يوجد أجود صياغات وسياقات وفنون وتصاريف الكلام العربي، ناهيك عن أن اللغة العربية من أرقى اللغات.
فالطفل المسلم كان في العادة يدخل المدرسة النظامية حافظا للقرآن، أي يدخل بزاد لغوي هام، يساعده على عملية التحصيل التي سيبدؤها مع معلمه، وفي معظمها كما مر معنا، أصواتا وأشكالا وألوانا…إلخ.
5. والقرآن إضافة إلى كونه كتاب هداية، هو خزان معرفي قوي، وأصل في معرفة الإنسان وعلاقاته بالله والحياة والكون..، وإذا كانت التجربة التاريخية مصدرا للعلوم الإنسانية، فإن القرآن يتضمن في نصوصه قوانين كاشفة لطبيعة تلك الخبرة التاريخية، وبكلام قطعي يقيني لأنه كلام الله الذي خلق البشر وألهمهم وهداهم سبل التعامل مع الواقع وخيرهم فيما يقولون ويعملون.
كل هذه المعاني حرصت الأمة الإسلامية بالرغم من هذا التخلف عن ركب الحضارة، على تثبيتها في نفس الطفل؛ لأنها من الثوابت اليقينية التي تساعد على فهم الوجود، إذا ما وقعت في النفس العالية، ولذلك نجد أن الكثير ممن هداهم الله إلى الإسلام من غير المسلمين، كان بسبب قراءة أو قراءات عابرة للقرآن أصابت عقلا صادقا مع نفسه فاستجابت…، وعجبت يوما عندما استمعت إلى أحد نصارى العرب اللبنانيين يستشهد بالقرآن في بعض القضايا التي كان يتحدث عنها، وعندما قيل له ما علاقتك بالقرآن؟ قال علاقتي بالقرآن أنه جزء من هويتي الثقافية العربية…، والرجل أديب فيما أعتقد، يتذوق القرآن كنص راقي يهذب الذوق ويرقي مستواه الفني، وهذا جانب من جوانب الإعجاز فيه والمقصود أيضا دينيا ودنيويا.
تحدث القرآن عن التاريخ.. وعن النفس البشرية.. وعن النظم الإجتماعية والسياسية.. وعن التجربة النبوية.. وعن سبب الانتصارات.. وأسباب الهزائم.. وتحدث عن التجربة النبوية بتنوعاتها واختلافها زمانا ومكانا وأحوالا.. ولم يتكلم القرآن عن كل ذلك بوصفها وقائع جامدة كما يفعل علم التاريخ الذي لا يهتم بأكثر من توثيق الحدث، وإنما كوقائع مربوطة بقوانينها المؤثرة فيها سلبا وإيجابا… وكأنه يعرض جميع هذه الأمور التي يتحدث عنها في نسق معرفي تكاملي، يقرأ التاريخ بوصفه حراكا اجتماعيا، وتفاعلا نفسيا، وتنظيما إداريا، وترقيا روحيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • jahidben

    كيف ولماذا تغيب تدخلات كهذه
    شكرا لكم.

  • عبد الحفيظ

    الى المتهكم على دين الله سوف أجيبك عن السؤال الذي حدرنا رسول الله منه عمن خلق خالقك؟ بالطبع كما قالت لك جدتك .. فهذا السؤال به شبهة فأصلا لا يطرح لأنك يا صاحبي قد ساويت بين الخالق و المخلوق و هذا لا يكون أصلا. مثلا و لله المثل الأعلى فأنت ساويت بين النجار و الباب التي صنعها!! إذا قلنا أن النجار سوف يتزوج غدا و الباب التي صنعها متى تتزوج؟ إذا شغل المادة الرمادية و تعرف أن صاحب السؤال مسكين مخبول العقل!

  • لخضر

    الى الأحمرة الذين يريدون فصل الدين عن الدولة و كما يزعمون أن الدول العلمانية راقية بينما الدول الاسلامية مختلفة و هل تنف تقدمهم كان بسرقتهم لجوهر العلم الإسلامي و تطوريه و نسبوه لأنفسهم و هل تم اعتماد الإسلام كدين دولة لتحكم عليه بالتخلف بل تم ترك الدين و حاربه أمثالكم و اصبحتم تائهين بين هذا و ذاك لا الى الإسلام تنتمون ولا إليهم موالين

  • عبد النور

    إلى العلماني، كفانا كذبا إن البلدان التي ذكرتها لا تطبق الدين إلا وفق منظار الحكام و هي في واد و الإسلام في واد، التخلف لا يعني أن الدين هو السبب فانا أرى أن التخلي على المبادئ و القيم التي جاء بها الدين هو سبب التخلف.
    أما الدول الغربية فقد فاقتنا في مجال العلوم حقا لحسن التخطيط و ليس بسبب العلمانية، إن العلمانية تحارب اليوم في هذه البلدان و هناك عودة قوية للقيم الروحية بعد اكتشاف أن التخلي عنها أدي إلى مجتمعات نصف الأبناء فيها ليسوا أبناء أباءهم بمعنى انهم مجهولي الأب البيولوجي ضف إلى ذلك تنامي البيد وفيليا و الزواج المثلي إلى أن بلغوا مؤخرا تصميم دمية إلكترونيه بديلة عن الزوجة، تبا للقذارة.

  • عبد النور

    إن العاقل و هو يدقق في التنظيم الذي تتسم به مجتمعات النمل من تصميم لبيتها إلى وسائل التواصل و الإشارات التي تستعملها إلى إدارة العمل و غيره مما لاحظه و درسه العلماء ليتساءل هل هذه الكائنات تخرجت من جامعات للهندسة و علوم الاتصال والقانون.
    تساءلت و أنا أرى نملة تمرعلى حاسوبي، هل بإمكان هذا الكائن الذكي أن يفهم يوما تصميم هذا الحاسوب و التمكن من العلوم التي تدخل في صناعته من الكترونيات و برمجيات و غيرها و بدا لي هذا ضرب من الجنون أو الهذيان.
    إن العلمانيين هم أشبه بمريض البارانويا، لقد ابهرهم العلم ولسخافتهم و جهلهم ظنوا أنهم اكتشفوا كل شيء و من حقهم نفي الإلـه و الدين و القيم، يا لهم من حمقى.

  • رد على العلماني

    الأخ الكريم، الأنظمة التي تتكلم عليها لم تصر على ما هي عليه جراء القرءان أو الإسلام انما بسبب ثقافة مجتمعاتها، الحال نفسه بالنسبة لدول اخرى. فرجاءا لا تخلط بين الأمور. انا لست اسلاميا انما دراسة تاريخ الشعوب هي بطاقة تعريفها، فلا تتهم الإسلام أو اي دين آخر عن جهل ودون اطلاع. والله أعلم,

  • algerien

    تعلمون اولادكم القران ليصبحوا بلا عقول تفكر ولا عواطف اتجاه البشر مثلهم وليس تربيتم كما تقولون. فقط تريدون تكوين اناس عنيفين وبلا ضمائر كما هو الحاصل في البلدان الاسلامية ولا داعي لتغطية الشمس بالغربال.

  • Ismail Aljazaeri

    لما كنت طفل شاب لا يتجاوز الثانية عشر كنت اتسائل عن قظايا وجودية مفاده انه اذا خلق الله هذا الكون فمن خلق الله. اتذكر انني سألت جدتي التي لم تترجل في حياتها قسم مدرسي فكان ردها ، "لا تسأل هذه الاسئلة، انها تؤدي الى الكفر و من ثم الى جهنم. غير مقتنع بهذه الاجوبة، ذهبت الى المدرس و سألته في يوم من الايام، و كان جوابه غير مختلف عن جواب جدتي الامية، الاختلاف الحيد، ان المدرس سخر بسؤالي، و سبب لي التبهديل امام زملائي الذين انفجروا بالضحك و السخرية. سنوات بعد ذلك، في الصف الثانوي، اتهمت بالكفر لاني وقفت ضد الذين قاطعوا الفلسفة، لأنها حسبهم تؤدي للكفر و الشرك بااله. هذا ادت به التربية الدينية، الكبت

  • علماني

    انظرو للدول العلمانية ارتفاع مستوى التعليم عندهم .... السويد .. كندا .... فنلندا .. الوم أ ... اليابان ....
    انظرو للدول التي تطبق الدين حرفيا ..... افغانستان .... السودان .... ايران .... السعودية

    الاجابة عندكم

  • علماني

    يجب أن تكون المقررات الدراسية التي تقدم للأطفال الصغار منتقاة بعناية فائقة من طرف أخصائيين في التربية وعلم النفس،ويجب أن تكون المفاهيم التي يتلقاها الطفل في هذه المرحلة تتناسب مع عقلية الصغار وعمرهم وتعمل على تربيتهم تربية سليمة تجعل منهم مواطنين إيجابيين يتقبلون الآخر عوض أن يلجأوا إلى الذم والانتقاص ممن يخالفهم الرأي ، لان التربية الاسلامية أو الدين عموما بامكانه أن يرفع الانسان الى أعلى مراتب الانسانية والاخلاق وفي ذات الوقت بامكانه أن يهبط به الى أسفل السافلين في مهاوي الرذيلة والانحطاط والعنف.

  • الواثق بالله

    لقد قلت و أوجزت و ما تركت شيئا يقال في الموضوع فبارك الله فيك,
    لكن القوم و أقصد هنا أنصار حذف القرآن من التعليم- يعلمون كل هذا و هم مجندون لإعلان الحرب على الدين من خلال المطالبة بإبعاد القرآن عن نشئنا الصاعد لتربية جيل لا يمت بصلة لدينه و هذه أغراض إستعمارية بإمتياز.
    يقول الله تعالى : "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " و ليعلم أذناب الإستعمار الصليبي أنهم يحاربون الله و رسوله و من حاد الله قصمه الجبار, فذرهم يخوضوا و يلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.