-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا يتأخر “العلماء”؟

لماذا يتأخر “العلماء”؟
ح.م

بيان رجال الدين، الذي شارك في خطّه عدد من الرجالات المحترمين وأهل الثقة، من الذين أدلوا بدلوهم في الوضع الذي وصلته الجزائر، جاء متأخرا جدا، حتى لا نقول خارج الوقت الصالح للنصيحة وإبداء الرأي، بعد أن دخل الحراك الشعبي شهره الرابع وتشعّب وأخذ أبعادا أخرى، أي بعد أن أدلى الجميع بآرائهم، حتى كاد ينطق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ويدعّم الحراك وينقلب على نفسه وعلى نظامه.

إن كان البيان الذي تفضل به الأئمة والدعاة الأفاضل، قد استغرق منهم كل هذا الوقت لأجل إعطاء النصيحة، فهذا أمر غير مقبول وفيه الكثير من المبالغة في التريث، وإن كان الرجال لم ينتبهوا لهذه الفكرة إلا مؤخرا، فهذا خطأ جسيم في حق أنفسهم قبل حق أبناء الحراك الشعبي.

التأخر عن الركب بالنصيحة لم يكن وليد اللحظة، في بلد يعيش منذ فترة ليست بالوجيزة من دون حاكم ولا وزراء، بل إنه تكرّر دائما في القضايا التي تشغل الناس سواء في الخارج أو في الداخل وفي جميع المجالات، وهو لا يختلف من حيث “المدة” وليس “المحتوى” طبعا، في أسلوب أهل الزوايا من مشايخ وطرقيين في زمن الاستعمار. فقد أدلى رجال دين من الخليج والشرق الأوسط وحتى من إندونيسيا وبورمة برأيهم في الأزمة، التي توجد بين مخالبها البلاد، ومنهم من اقترح الحلول، وبقي هؤلاء الشيوخ الأفاضل متريثين، لا ندري ما الذي ينتظرون.

لقد كانت بيانات جمعية العلماء المسلمين الحالية في الكثير من القضايا الاجتماعية من جرائم ومظاهر مشينة، تأتي بعد أن يكون الموس قد مزّق الوريد، وانتقِدت دائما على تأخرها وبصَم الناس على ذلك، وتحجّجت دائما بأن الاجتهاد والرأي السديد يتطلب وقتا طويلا، ولا أحد اقتنع بهذا الطرح.

والذين قالوا بأن اللائكيين والعلمانيين وحتى الملحدين تبنّوا الحراك الشعبي وركبوا قطاره وينتظرون الفرصة لتحويل مساره، لم يخطئوا أبدا، وهم يدركون بأن هؤلاء الذين خطّوا بيان العلماء الأخير، كانوا بعيدن عن الصف بيدهم وبلسانهم، ولن نقول طبعا بقلوبهم أي بأضعف الإيمان.

اختار شباب الحراك من أول يوم من صيحتهم يوم الجمعة لإسقاط “الباءات”، كما اختار الرعيل الأول من الثورة صيحة الله أكبر لجمع الناس على كلمة الحق، ومع ذلك تأخر دور هؤلاء، وانتظروا كل هذه المدة الطويلة لأجل دعم الحراك ببيان وتقديم بعض النصائح والتحذير من الإنزلاق، لم يختلف هذا البيان، صراحة عن بيانات مختلف الأحزاب والشخصيات، والفارق الوحيد أن بيان رجال الدين جاء متأخرا جدا، وبقية البيانات أطلقت في الأيام الأولى للحراك.

هناك من يلوم الجزائريين على طلبهم الفتوى من فضائيات ومن دعاة أجانب لا يُعرف لبعضهم لون ولا رائحة، وهناك من ينتقد تدخل رجال الدين في الشأن الجزائري من زمن العشرية السوداء إلى زمن الحراك الشعبي، ولكن الفراغ الذي تركه رجال الدين والأئمة بـ”سلبيتهم” هو الذي خلق هذا الجو الغريب، لأن إطلاق بيان بعد أن وُلد الحراك وأينع ونضج، لا يختلف عن رفع آذان الصبح في يوم صيف سياحي في… مالطا!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!