-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا يفشل الشباب في بلادهم وينجحون في الغرب؟

التهامي مجوري
  • 2241
  • 2
لماذا يفشل الشباب في بلادهم وينجحون في الغرب؟

فكرة نجاح شباب العرب والمسلمين في الغرب ظاهرة تحتاج إلى الدراسة؛ لأن هؤلاء الشباب الناجحون في الغرب كانوا في بلدانهم غير ناجحين، وربما كانوا مهمشيين أو من غير المرغوب فيهم، فهاجروا إلى بلاد الغرب فاستوطنوه، وأضحى بعد ذلك وطنهم الذي احتضنهم أيام الشدة.

فمنهم من قبل هذا الواقع الجديد على مضض؛ بل إن إحدى الفتيات التي هاجرت واستوطنت أمريكا. قالت لس في لحظة ما !! عند “القسم” في إطار ترتيبات ملف الهجرة والحصول على الجنسية، ذرفت عيناي بالدموع، وذرفت عيناها أيضا وهي تعيد علي الواقعة؛ لأن مضمون القَسَم فيه ما يفيد الولاء للبلد الجديد، بما يوحي التخلي عن الولاء للوطن الأم…، وواقعة أخرى أن أحد الشباب –جزائري- هاجر إلى أمريكا، وترقى في المناصب والمواقع بشركة بترولية كبيرةة، وقدر له يوما أن يُرسل إلى الجزائر كممثل للشركة الأمريكية، ومفاوض عنها مع سوناطراك…، فاتصل بأحد أصدقائه ليخبره بالقدوم، وفي نفس الوقت، أسر له حيرته التي وقع فيها بقوله: يا فلان….. والله أنا في حيرة، هل أفاوض لصالح الشركة التي أرسلتني لأدافع عن مصالحها؟ أم أدافع عن بلدي الأصلي الذي لا يملك إلا هذه البقرة يسترزق منها؟ لم تفارق الرجل الحيرة، ولكنه قال لصاحبه لا يمكن أن أخون من ائتمنني وهي الشركة التي أكسب منها قوت أولادي، ولكن سأحرص لألا أخسر بلادي كثيرا في هذه الصفقة.

ومنهم من نسي ولم يعد يذكر من الماضي إلا أنه ولد بالبلد الفلاني؛ بل منهم من لا يريد أن يتذكر المآسي التي اعترضته وهو يريد الخروج من البلاد، أما معاناة الفقر والجوع والجهل، فتلك مصيبة أخرى، قد تكون الباعث على مغامرة الموت بدل البهدلة التي يعيشها شبابنا في يومياتهم… وربما بسبب ذلك كانت “الحرقة”.

من الذي أوقع ذينك الشابين في هذا الحرج؟ أهي السلطة؟ أم المجتمع برمته؟ أم  المؤسسة التربوية؟ أم المؤسسة الإقتصادية؟

قديما كان الذي يحكم المعادلة الاجتماعية في بلادنا مثلا قانون “الزلط وتفرعين”… أما اليوم فإن “قانون الحاجة” طغى على كل شيء، بحيث أضحى الشباب معرض لكل شيء، بما في ذلك التنازل عن شخصيته، وبيعها في المزاد العرني والخفي… فلا نظن أن جميع الشباب الجزائري وغيره من شباب العرب والمسلمين، في مستوى ذينك الشابين اللذين قصصنا حكايتيهما.

إن بعض الناس يتكلمون عن “الحرقة” التي تعني الهجرة غير الشرعية، ولكنهم لو أنهم انتبهوا إلى هذه الظاهرة ودرسوها لعلموا جوهر المشكلة وليس أعراضها…، فالذي يدفع ثمانمائة ألف دينار في سبيل الحرقة لا يمكن أن يكون محتاجا ماديا، وإنما حاجته التي أدركها ويتطلع إليها في غير بلاده أهم من مجرد الكسب المالي، وإلا ما دفع ذلك المبلغ، واكتفى بإنشاء مشروع تجاري يكسب به خبزة ولو “بإبريق شاي او طابلة دخان”.

إن الإجابة عن هذا السؤال في تقديري تُحل به أكبر مشكل في حياتنا، وليس مجرد معرفة سبب نجاح وفشل فرد أو مجموعة من الشباب فحسب، هنا أو هناك.

والنجاح والفشل في المجتمعات نتيجة حتمية للمنظومة الكلية التي تحكم المجتمع وتسيره، فإن كانت هذه المنظومة قوية، ومنظبة، ومبنية على علم وخبرات إنسانية راقية، فإن النجاح يكون حليف الجميع، أما إن كانت هذه المنظومة فاشلة، وضعيفة، وتسيرها الأنانيات المفرطة، فإن الفشل هو الحصيلة النهائية لكل شيء تشرف عليه هذه المنظومة.

لقد لخص الأستاذ احمد زويل العالم المصري المقيم في أمريكا، والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء بقوله: “ليس الغرب ذكيا ونحن أغنياء، وإنما الغرب يساعد الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”.

وهذه العبارات البسيطة تختزل تجربة كبيرة وثرية لرجل خرج من بلاده طالبا للعلم، فوجد نفسه في سلم يرتقي به إلى حيث شاء لا حد فيه لطلب المعالي، فلم يقل له أحد انت مصري، أو أنت عربي، أو أنت مسلم، أو ليس لك الحق في الإقامة إلا بكفيل، أو لا يحق لك الجنسية أصلا، فلا يحق لك أن تفعل أو تمتلك أو ترتقي…،!!

فترقى الأستاذ زويل وتطور وقفزت به الأيام عبر المناصب والنجاحات المتتالية إلى أن أصبح من مستشاري الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المجال العلمي.

وإلى جانب المنظومة الإجتماعية وثقافتها ومؤسساتها يوجد بعد نفسي الإجتماعي هو الذي يصوغ الطبائع والعادات السائدة، في المجتمعات غربية كانت أو عربية والإسلامية، وهذه النفسيات هي التي تخسم في مساعدة الفاشل حتى ينجح، أو محاربة الناجح حتى يفشب.

لماذا يساعد الغرب الفاشل حتى ينجح؟

يساعد الغرب الفاشل حتى ينجح؛ لأنه مجتمع منظم، له مؤسسات تتحرك بمسؤولية، لتحقيق الضمانات الإجتماعية لأفرادها، وأفرادها في المقابل يقومون بواجباتهم كاملة –معرفة وحركة وعلاقات؛ بل وخواطر- ويدفعون الضرائب مقابل تلك الضمانات التي يحصلون عليها بلا ضجيج وصياح واحتجاجات، ولا يسمح لأحد أن يعرقل هذه المنظومة، والفاشل في مثل هذه المجتمعات سيكون عالة على الجميع، بحيث يضطر لأان فيصرف عليه ما لا يستحق، ولذا لا بد من مساعدته لينجح، وبدلا من أن يكون عالة على المجتمع، يتحول –بمساعدة المجتمع- إلى ناجح منتج يستفيد منه المجتمع والمؤسسات في نفس الوقت.

أما نحن فإن مؤسساتنا ليست بهذا المستوى من الانضباط والشرعية فتستحق الإحترام والتقدير، ومن ثم فلا ترى النجاح إلا فيما تقول وتفعل، وفي ما تروجه أو تفكر فيه، وكل نجاح خارج هذا الإطار البيروقراطي ينظر إليه على أنه يهدد الواقع والمؤسسات؛ لأنه سيكون سببا في زعزعة الثوابت من العادات والأعراف والعقليات التي تسير الوضع…، وهذا خطر على النظام العام والأمن الإجتماعي!! ومن ثم لا يمكن لأن يسمح بهكذا نشاط.

فلا ينظر في مضمون النشاط وتقييمه، وإنما يحارب لمجرد أنه مختلف عن الواقع، ومن ثم خير فيه ابتداء…

روى لي صديق أنه لما كان طالبا بفرنسا، تقدم لدفع اشتراك شهري في “الميترو”، ففوجئ بوابل من الأسئلة لتمكنه من أكبر قدر ممكن من التخفيضات…، أتت طالب؟ هل تمتلك بطاقة استفادة من تخفيضات ما؟ أنت فرنسي أو مقيم في فرنسا؟ وكأن الكاتبة التي كانت تسأله، تريد له أن يستفيد من تخفيض تتوقع هي أنه يجهله، لا أن يطالب به هو.

هذه الواقعة لا وجود لها في بلادنا، بل يمكن أن يكون لك الحق في تخفيض في قطاع ما، ولكن البيروقراطية تضع لك العراقيل حتى لا تستفيد مما ضمنه لك القانون…؛ بل إن المؤسسات الرسمية نفسها، تنسخ القوانين كما ينسخ الحق الباطل… تصوروا معي صندوق الضمان الإجتماعي يقرر عدم تعويض بعض الأدوية!! رغم أن العامل يدفع اشتراكه الشهري في الضمان الإجتماعي ليعوض عن الأمرض وما يستهلك من أدوية، وليس عن بعض الأمراض وبعض الأدوية.

صحيح أن هناك تحايلات يقوم بها بعض الناس لأخذ تعويضات بلا وجه حق، ولكن المفروض أن ذلك يعالج بطرق أخرى تحد من الظاهرة، من غير أن يتضرر منها المشترك، ولكن المنظومة التي قلنا إنها تسعى لتحطيم الناجح لم تتعلم بعد ضمان الحقوق لمن يقوم بالواجبات.

إن المعوقات والعراقيل التي توضع في طريق الناجحين كثيرة جدا، ولكن لا نرى إلا بعضها، وبعضها لا نراه بهذا المستوى من الوضوح؛ لأنها في غالب الأحيان تعرض علينا على أنها مشكلات إدارية أو قانونية، وأخرى تبدو لنا في صورة حسد ممن بيدهم الحل والعقد، أو في شكل عجز مالي أو صورة شك في قدرات أصحاب المشاريع المرشحين للنجاح…إلخ.

وجميع ذلك في الواقع، هو حصيلة منظومة اجتماعية ثقافية جارية في أوساط الناس، كثقافة دارجة بينهم، بسبب منظومة تربوية تلقن ولا تعلم ولا تربي، ومنظومة اجتماعية مبتوتة العلاقة بالعلم والفهم، ونظام اقتصادي ريعي غير منتج، منغلق على نفسه، غير مقتوح علىة المنافسة والإضافة، ونظام سياسي مغلق على خبرته هو وحدها، خوفا من الآخر الذي لا يثق فيه وفي قدراته.

وهذه المنظومة البالية التي تشد من عزم الناجح حتى يفشل، لا تقصد ولا تتعمد الإفشال، ولكنها لا تدرك أهمية مساعدة الناجح؛ لأنها منظومة مغلقة على نفسها، مثل الشيخ الذي أعطى كل ما يمكن أن يفيد به المجتمع في شبابه وكهولته، ولكن لما تقاعد أصبح يشعر بأن الواجب الذي عليه أن يقوم به هو المحافظة على المكاسب التي حققها، ومن ثم أضحى يرى كل حركة تخرج عن هذه الرتابة التي يعيشها مغامرة، لا يُسمح لها بالنجاح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • amremmu

    الزرع يعود بالانتاج الوفير في التربة الخصبة ويعود بانتاج شحيح أو منعدم في الترب القاحلة والجرداء ... الخ وانتهى

  • Cherif

    ١/ نظام تقييم الفرد و الأسرة و إعطاء كل ذي حق حقه في الجزائر منقرض كما انقرضت الديناصورات إن وجدت. في ستينيات القرن الماضي تخصص طالب من ولاية البليدة في الأرصاد الجوية ، حضي بالمراتب الأولى عالميا، فهو داهية في مجاله، لأختصر لك الحديث، عاد إلى الجزائر بمشاريع سابقة زمانها بسنين ضوئية، طلب من القائمين بالأعمال بتجسيد مشاريعه، فوجد نفسه في صحراء الجزائر لمراقبة تحرك الجراد، اتصل بزميل سينيغالي الأصل و طرح له واحدة من أفكاره ، شاءت الأقدار أن السينيغالي له صلة القرابة برئيس السينيغال انذاك، فمن حارس الجراد بالجزائر إلى مدير عام مساعد في وكالة وطنية للأرصاد الجوية السينيغالية، ،،،،،،،،، يوجد طبيب جراح حاليا في الشمال الغربي الفرنسي، ولد في الجزائر و درس بها ، يلقب ب la lumière de la Bretagne . ٢/الموكلة لهم الأمانات لأداء مهامهم إلا من رحم الله منهم، هم أناس خيان بصريح العبارة و مالهم من العلم إلا اسم المنصب الذي وكل لهم. خلاصة القول : الوضع في الجزائر شعبا و نظاما ، فنحن مسؤولين، شئنا أم أبينا، ٥٠% شعب،٥٠% السلطة اللهم أصلح لنا ديننا و دنيانا.