-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بعد هذه الثورة الشعبية السلمية؟

عمار طالبي
  • 212
  • 0
ماذا بعد هذه الثورة الشعبية السلمية؟
ح.م

إذا كثر الفساد، وتراكمت المظالم، وفسدت الضمائر، فعاقبة ذلك الثورة على هذا الفساد والمفسدين، لتغيير الأوضاع العفنة، والسياسات الخاسرة، وإدارة الشأن العام المتردي، فلا يكاد يحتمل، ولا يمكن السكوت عنه، والرضا به.

إن الشعب في أعماقه يشعر بفطرته السليمة بتراكم المفاسد التي لم تعد تخفى على الناس، فتتجه إرادته للتغيير، وإنكار المنكرات علنا في الشوارع غاضبا مزمجرا، لا يهدأ له بال حتى يحقق إرادته، ومطالبه، ويفتح أبوابا لأفق جديد، وتاريخ سياسي خال من الفساد، ومن تدمير أموال الأمة، واقتصادها، وهزال المنظومة التربوية المختلة في مناهجها، وكتبها الدراسية، وفقدان معلميها من التكوين التربوي، بإلغاء مدارس تكوين المعلمين، والدورات التدريبية.

إن إستراتيجية السياسة التربوية أولى الأولويات وأهمها، وأن سياسة البحث العلمي الجاد قاطرة التقدم الحضاري.

ويجب أن تكون غايتنا أن نصبح مجتمع المعرفة أو ما يصطلح عليه باقتصاد المعرفة، فقوة العلم تنتج عنها قوة الاقتصاد، وقوة السياسة، وقوة الدفاع عن الوطن.

وإن العناية بزراعة الأذهان والعقول، تتناسق مع فلاحة الأرض وزراعتها، عن علم متطور يحوِّل الأرض إلى ثروة عظيمة، فبناء الإنسان الخُلقي والروحي يسبق بناءه المادي الاقتصادي، فالقيم الإنسانية الفكرية، والمناهج العلمية الثقافية هي التي تحوِّل عالم الأشياء، وتمكن من الصناعة، وفلاحة الأرض، والاكتفاء الذاتي في الغذاء وغيره، من حاجات المجتمع، والاستثمار، والتعاون مع المستثمرين الأجانب تعاونا مثمرا مضبوطا، يحفظ مصالحنا بوضوح لا غبن فيه، ولا تلاعب إداري وقانوني، ولا غموض في القوانين، ولا تعقيد في سير الشؤون الإدارية المتعلقة بالاستثمار، وتتكون لجنة تراقب كل اتفاق وعقد يعدّ للاستثمار الداخلي والأجنبي، إن التعقيد الإداري والمماطلة من سبل هروب المستثمرين، وعدم إقبالهم.

وفي الجانب الثقافي الذي هو روح المجتمع وقوامه ينبغي وضع إستراتيجية واضحة لترقية الثقافة في وطننا، لأن ما نراه من اهتمام بها يتعلق أكثر ما يتعلق بالفلكلور، والعناصر الميتة من الثقافة.

وما ينشر من المؤلفات بوزارة الثقافة هزيلٌ في أغلبه، لا يبعث حيوية في النفس، ولا في العقل، إن ما يُبثُّ في وسائل الإعلام في كثير منه غير مجدٍ، ولا يخفى تأثير الإعلام في الرأي العام وفي الثقافة.

ونحن نرى بعض وسائل الإعلام تنشر أفكارا ضدّ دين هذا المجتمع الإسلامي، وتفتح أبوابها لكل من دبّ وهب، ولبعض المسلسلات التافهة، والأغاني الملوثة بخليط من اللغات، وفساد التعبير.

إن الفن ذوق، ورقة، وبصيرة، وليس عبثا، وتعبيرا فاسدا لا معنى له ولا جدوى، ونحن في المدارس لا نُعنى بالتربية الذوقية الجمالية التي ترقق العواطف، وتهذب الأذواق، وحب الجمال، جمال الطبيعة، وجمال الإنسان لدى أطفالنا وشبابنا.

إن الاهتمام بالمسرح الملتزم، والفن الرفيع بكل ألوانه وأشكاله يؤدي رسالة ثقافية جمالية ذوقية لهذه الأجيال التي تهاجمها التوافه، مما يظن أنه فن وما هو بفن، يؤدي إلى فساد الذوق وعدم الإحساس بالجمال.

إن فنون الشعر والموسيقى والتشكيل، وفن الأصوات الجميلة الإنسانية، مما يعلي شأن الثقافة في المجتمع، ويؤدي إلى رقة القلوب، ومشاعر النفس الراقية التي تسمو بها وترقى، إلى الإحساس بالجمال وتذوُّقِه في جميع مظاهره ومجالاته.

جمال المدن، وطهارتها مغبون في وطننا، في ساحاتنا، وشوارعنا، نريد أن نراها في غاية الجمال والطهارة، لا عفن فيها، ولا مناظر القبح، فإن من تعوَّد مظاهر القبح، يفسد ذوقه، ويسوء شعوره، ويفقد الشعور بالجمال وتذوُّقِه.

ومن أعظم مبادئ الحضارة اليوم، وقبل اليوم، مبدأ الذوق الجمالي المتسق مع المبدأ الخُلقي الرفيع.

فهل تستجيب المنظومة التربوية والثقافية في بلادنا للعناية بهذا عناية فائقة، تليق بنا في هذا العصر؟

إننا منتظرون، ما عسى أن تتغير به هذه المنظومة المسكينة الهزيلة إلى حد اليوم.

أملنا لا ينقطع، وأن حبنا لأمتنا لشديد، مديد، ما له من نهاية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!