-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مستقبل الشعب أهم من السلطة.. نريد أن نصدق…

مستقبل الشعب أهم من السلطة.. نريد أن نصدق…

بدل أن نطرح السؤال هل نحن قريبون من تعميق الأزمة أم قريبون من الحل، ينبغي أن نطرح السؤال كيف ينبغي أن نكون بعيدين عن الأزمة وكيف ينبغي أن نكون قريبين من الحل، تلك هي منهجية صناعة مستقبل بلدنا إذا كانت لدينا بالفعل رؤية واضحة لصناعة هذا المستقبل.. وإذا كان قول بعضهم لا تهمنا السلطة بقدر ما يهمنا مستقبل بلدنا والشعب الجزائري، بحق صحيحا وينتظر فقط التجسيد…

بدا لي وأنا أتابع مجريات الأحداث السياسية أن هناك أكثر من طرف يسعى للإطاحة بالآخر سياسيا ولو  على حساب المصلحة العليا للبلاد، وأن الفرقاء بدل أن يتنافسوا على أي من الأساليب هي الأفضل للابتعاد عن الأزمة، يتنافسون عن أي الأساليب هي الأقدر للإطاحة بالخصوم السياسيين ووضعهم في موقع لا يحسدون عليه، حتى كدنا نرى أن سعي كل طرف لهزيمة الآخر  تبدو أكثر من سعيه للبحث عن الأساليب والكيفيات التي تمكنه من الالتقاء به والسير معه على درب المستقبل.

هي الصورة كما تبدو لي بين السلطة والمعارضة، بالرغم من وجود أسماء ذات وزن سياسي وتاريخي لم تتردد هذه المرة في أن تأخذ بالبديل الثاني، وبالرغم من وجود اتجاه في السلطة أيضا يرفض سياسة ليّ اليد للخصوم حتى يدخلوا بيت الطاعة، ويُفضل أن يكون الحوار من أجل إيجاد نقاط اتفاق خيارا استراتيجيا يصب في مصلحة الأمة وليس تكتيكا لكسب مزيد من الوقت أو للتربص بالآخر للإطاحة به في اللحظة التي لا ينتظر ذلك وبالطريقة التي لا يتوقعها.

لقد سمعت أحد كبار المسؤولين في الدولة منذ أيام يقول: نحن لا تهمنا السلطة بقدر ما يهمنا مستقبل الشعب الجزائري. وهي العبارة التي ينبغي أن يقولها كل من في السلطة والمعارضة، شريطة قولها بصدق وعن قناعة ووعي بالمعاني الكبيرة التي تحملها…

حقيقة هي السلطة مهمة للتغيير، ولكن ماذا تعني هذه السلطة إذا كان التناحر من أجلها سيرهن مستقبل الشعب والدولة بكامله؟ ما الذي يعنيه أن يصل فريق للسلطة بعد أن يمر على صراعات ترهن مستقبل البلاد والعباد حتى ولو كان صالحا؟ هل يعتبر هذا نضالا أو وطنية أو بحثا عن الصالح العام؟ من دون شك لا يمكننا أن نُسمّيه كذلك خاصة ونحن نرى ما يحدث في أكثر من بلد عربي باسم تغيير السلطة لمصلحة الشعب، فإذا بالاثنين يضيعان معا، السلطة والشعب ناهيك عن مستقبل البلاد.

هل يمكن أن نتكلم عن جدوى الصراع حول السلطة في سورية والعراق ومصر واليمن وغيرها من البلاد العربية اليوم حتى ولو كانت هناك أطراف على حق؟ ما الذي يفيد إذا ما تم تغيير السلطة وفي المقابل تم رهن مستقبل البلاد للقوى الأجنبية أو للشركات العالمية ولمدة عقود من الزمن؟ ما فائدة البقاء في السلطة أو الوصول إليها إذا ما كان الثمن هو هذا؟

يبدو أن بعض الأطراف السياسية عندما تُخيَّر بين البقاء في السلطة ومستقبل البلاد تختار البديل الأول، باعتبار أنها لا تتحرك إلا ضمن رؤية الحاضر. بالنسبة لها المستقبل غير مهم، وما بعد ذهابها يمكن أن يبقى مجهولا وليس في ذلك ضرر، في حين أن العكس هو الأصح.

ولعل هذا ما يدفعنا إلى القول إن الاتفاق ينبغي ألا يكون حول أولويات الحاضر إنما حول كيف ينبغي أن يكون عليه المستقبل. وما يجعلنا نؤكد أن جلسات ولقاءات ومشاورات ونقاشات وطنية حول مستقبل البلاد في العقدين القادمين وفي جميع القطاعات هي أشمل مما يجري الآن من نقاش حول الدستور، ذلك أن المشكلة ليست فقط سياسية إنما هي مركبة ومن عدة جوانب. وبالإمكان أن لا تحل حتى بفريق سياسي جديد إذا لم يعزز برؤية استشرافية للجزائر ذات مصداقية. مهما كان هذا الفريق، ومهما كان صدقه ومهما كانت تضحياته والشرعية التي يمكن أن يرتكز عليها، لا يمكنه أن يحقق أي من الأهداف التي نطمح إليها إذا لم يكن مُشبَّعا بتفاصيل عناصر الرؤية المستقبلية للبلاد ويعرف ما يحقق المصلحة العليا مما لا يحققها في جميع المجالات، في التربية والصحة والثقافة والطاقة والإنتاج والخدمات…إلخ، لا مجال لكي لا تكون الأمور واضحة في مستوى من المستويات. ذلك أن الخلل يكمن هنا، وينبغي أن نتجاوزه هذه المرة.

صورة الجزائر خلال الثلاثين سنة القادمة ينبغي أن تكون مرسومة في أذهاننا بكل تفاصيلها مع هوامش طفيفة للتعديل والتصحيح حسب تقلب الأوضاع ومستجدات الأمور. لا يكفي أن ينطق هذا السياسي أو ذلك بأننا نحتاج إلى نظام شبه رئاسي أو برلماني أو مختلط لتحل مشكلة أداء النظام السياسي وينتقل من الخمول إلى الفعالية. علينا أن نطرح الأسئلة الصحيحة حول السبب الرئيس أو الأسباب الرئيسة التي تركت نظامنا السياسي يشتغل بكل هذا البطء ويرفض الانتقال إلى سرعات أعلى كما حدث في بعض التجارب الحديثة وآخرها الصين وجنوب إفريقيا. عندها ستبدو لنا مسألة الأشخاص ومن يكون في الحكم أو لا يكون مسألة من الدرجة الثانية، ذلك أن تحديدنا لشكل المستقبل الذي نتصور أن نكون عليه سيمكننا من حل إشكاليات الأشخاص والقوى التي ينبغي أن تسير شؤون البلاد. أما إذا لم تحل هذه المسألة فسنبقى نتحرك وفق سياسات رد الفعل لحل مشكلات تكون قد وقعت وتركت آثارها، أي لن نستبق أي من المشكلات ولن نبتكر أي من الحلول خارج نطاق الحلول التقليدية التي لم ولن تسمح لنا بالتقدم. وهنا يكمن الخلل الذي ينبغي أن نصححه.

كان ينبغي للمشاورات ألا تكون سياسية فقط، وقانونية بالدرجة الأولى حول مواد في الدستور أو آليات تسيير شؤون الدولة، رغم أهمية ذلك، إنما ينبغي أن تتزامن مع مشاورات قطاعية ومتعددة القطاعات في أكثر من موقع وبإشراف مزدوج حكومي وغير حكومي. ينبغي أن نسمح بطرح الأسئلة الواضحة والبسيطة: إلى أين نحن ذاهبون في قطاع التربية والصحة والتعليم العالي والصناعة والفلاحة والسكن وغيرها من القطاعات، أي نموذج للتنمية سنأخذ به وأي آليات نعتمدها لتحقيق ذلك؟ وبعدها فقط نصل إلى تحديد دقيق للأجوبة الصحيحة حتى يتبناها الجميع وتُنتج الفعالية التي تسمح بخلق الديناميكية اللازمة للتقدم.

إن الحل يكمن هنا ولا بديل لنا عنه إذا ما أردنا حقيقة ألا يصبح همنا السلطة إنما مستقبل البلاد ومستقبل الشعب الجزائري. ونحن نريد أن نصدق كل من يطرح هذه الفكرة شريطة أن يترجم ذلك على أرض الواقع ويسمح بأن يختار الجزائريون كل في مجاله أو قطاعه مستقبل هذا المجال أو هذا القطاع.

إننا لا نريد أن تختزل كل المسألة في السلطة، وفي السياسة، وفي القانون، بالرغم مما لكل هذه العناصر من تأثير على المستقبل، ويتم نسيان المستقبل ذاته الذي هو الأساس وخلاله ستعيش الأجيال القادمة ونعيش ما بقي لنا من عمر.

نريد أن نصدق ونرى الدليل الملموس على أنه لدينا بحق صناع قرار وسياسيون لا تهمهم السلطة إنما مستقبل البلاد والعباد. هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!