-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجزء الأول

من أجـــل انتفاضة إصلاحية لفائدة منتخَبي الجماعات المحلية

بشير فريك
  • 926
  • 0
من أجـــل انتفاضة إصلاحية لفائدة منتخَبي الجماعات المحلية

بافتتاح الدورة السنوية للبرلمان تم الإعلان عن حزمة من القوانين التي تنتظر الهيئة التشريعية بغرفتيها، ومن أهم النصوص التي ستعرض على نواب الشعب للمناقشة والإثراء والمصادقة قانونَا البلدية والولاية.

ومعلوم أن لجنة قطاعية نُصِّبت منذ شهور على مستوى وزارة الداخلية لدراسة مشروعي القانونين، ولأن الموضوع هامّ ويمسّ حياة المجموعات المحلية ومن خلالها العملية التنموية المحلية، فقد رأينا أن نساهم بهذا العمل لتمكين الإداريين في الداخلية والحكومة والنواب في البرلمان من بعض الأفكار والتصوّرات الإصلاحية التي أصبحت حتمية للخروج من نمط التسيير الحالي للإدارة المحلية والذي أثبت محدوديته وقصوره في مواكبة البعد التنموي والاجتماعي للجماعات المحلية التي أضحت محل نقد وقدح من الناخب والمنتخَب ومن السلطة والمعارضة، ناهيك عن سخط المواطن من خلال احتجاجاته اليومية لاسيما أمام المجالس البلدية العاجزة قانونا وماديا عن مواجهة التحديات المتفاقمة للمجتمع المحلي.

سنحاول إيجاز الموضوع في المحاور التالية:

أولا: إدارة التنمية المحلية في الجزائر:

انطلاقا من أن الإدارة المركزية، الوزارات والدواوين، لا يمكنها التكفل المباشر بالعملية التنموية سواء من حيث الاستشراف أو المعاينة وضبط الاحتياجات واقتراح الحلول من خلال مختلف البرامج، فإن جل المشاريع تمر عبر الإدارة المحلية اقتراحا وإنجازا وذلك على النحو التالي:

1- المشاريع البلدية: وهي بسيطة في ميزانيتها، أو pcd المخططات البلدية للتنمية أو fccl صندوق التضامن للجماعات المحلية أو إعانات الولاية وتتولاها البلدية اقتراحا وتسجيلا وإنجازا، ورئيس البلدية هو الآمر بالصرف من خلال إبرام صفقات الإنجاز أو التــــوريد (طرق، مدارس، مستوصفات، قاعات علاج، قاعات رياضة …الخ).

2 – المشاريع الولائية: مثل الطرق، مرافق متوسطة من ميزانية الولاية، والوالي هو الآمر بالصــــرف بعد مداولة المجلس الشعبي الولائي.

3- المشاريع القطاعية غير المركزية إذ أن نحو 70 إلى 75% من المشاريع القطاعية غير الممركزة والولاة هم الآمرون بالصرف مع تفويض المديرين المعنيين لإنجاز التجهيزات العمومية كالثانويات والمتوسطات والجامعات والمستشفيات، والطرق…إلخ.

4– مشاريع قطاعية ممركزة: مثل السدود، التحويلات الكبرى، الكهرباء، السكك الحديدية والمنشآت العسكرية، البريد والمواصلات… إلخ وتتولاها إداراتُها ومؤسساتها المركزية مباشرة.

ودور الإدارة المحلية فيها هام من حيث: التسهيل، باختيار الأرضيات، رخص البناء والتعمير، تحقيق ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة، تعويض الملاك، مواجهة الاحتجاجات ضد هذه المشاريع في بعض الأحيان من قبل المواطنين.

أما بالنسبة للتنمية الاقتصادية: فهناك مشاريع اقتصادية عمومية، ومشاريع استثمارية خاصة، وللإدارة المحلية دورٌ هامّ وحساس في إنجاح تلك الاستثمارات عمومية كانت أو خاصة وذلك من خــــــــلال:

تسهيل اختيار الأرض لإقامة المشاريع الاقتصادية ومنح الرخص المختلفة المتعلقة بالتعمير عموما والتصاريح أو رخص الاستغلال.

وبالنسبة للاستثمار الخاص، فدورُ الإدارة المحلية هو منح العقار المناسب، صناعي أو فلاحي أو خدماتي… إلخ.

وقد مرّت العملية منذ بداية التعددية بعدة مراحل من حيث منح العقار والتسهيل إذ كانت هناك:

1- اللجنة التقنية الولائية: من 1992 إلى 1994 ثم الكالبي في 1994 حتى مجيء الرئيس بوتفليقة وإنشاء الكالبيراف إلى غاية 2014 حيث ألغي ليتولى الولاةُ المهمة التي قادت الكثير منهم إلى المحاكمة والسجن بسقوط حكم بوتفليقة.

أما الآن فإنّ العملية متوقفة إلى غاية صدور القانون الأساسي للوكالات المختصة، وهي وكالات العقارات الصناعية والفلاحية والسياحية مع صدور قانون الاستثمار مؤخرا.

وقد ظل المنتخبون المحليون في موقف المتفرج إزاء كل ذلك، ما يتطلب ضرورة إقحامهم عمليا في العملية بشكل مباشر.

ثانيا: أطراف معادلة التنمية المحلية:

ونحن نتناول إشكالية التنمية المحلية، فإنه لا بد من توضيح طرفي معادلة العملية التنموية المحلية وهما: الإدارة (عدم التركيز) والمنتخبون المحليون، وقد أكد دستور 2020 في مادته 18 أن العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية تقوم على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز.

وبالتالي، فإنّ أيَّ تناول لقضايا المجموعات المحلية لا يمكن إلا أن يكون بمكوّناته المنتخبة والإدارية وهي كالتالي:

الإدارة (عدم التركيز) المادة 18 من الدستور

هم الإداريون المعيَّنون من السلطة المركزية من ولاة ومديري الهيئة التنفيذية ومديري الدواوين والإدارات العمومية المختلفة.

هؤلاء وُجدوا أصلا من أجل مساعدة وتوجيه وإرشاد المنتخَبين والإدارة البلدية من جهة، ومن أجل الرقابة والمتابعة لمنع الانحراف والتجاوز لقوانين الجمهورية وأنظمتها من قبل المنتخَبين والفاعلين المحليين.

ولهذا ظل الإداريون في النظام المحلي الجزائري جزءا لا يتجزّأ من منظومة الجماعات المحلية، ما يستوجب إعطاء أهمِّية خاصة لهؤلاء الإداريين من حيث حسن اختيار الكفاءة الوطنية وانتقاء أفضل أساليب التنظيم الناجع للمديريات المحلية والجهاز التنفيذي على مستوى الولاية، وقد تمّت العودة مؤخرا إلى نظام المجلس التنفيذي للولاية تحت سلطة الولاة.

إلا أنه، وبحكم التجربة والمعايشة ورغم أن الولاة هم حجر الزاوية في منظومة الحكم المحلي، إلا أنهم الأكثرُ تأثرا بتقلبات وتصدعات هرم السلطة خاصة منذ بداية التعددية المولودة ولادة قيصرية كما نعلم.

نجد ولاة بلا مقاييس ولا معايير ولا ضوابط، ولا قانون أساسيا يحميهم كموظفين سامين للدولة على غرار سلكي القضاء والدبلوماسية.

وقد جاء في قانون الولاية الحالي في مادته 123 أن القانون الأساسي لسلك الولاة يكون بموجب مرسوم رئاسي وذلك منذ 2012 وإلى حد الآن لم يُفتح هذا الملف رغم أهميته:

أما رؤساء الدوائر والولاة المنتدبون فهم في وضع أسوأ يستمدون صلاحياتهم من الولاة ومن تعليمات الحكومة وكثيرا ما يتعسفون في حق المنتخَبين لإظهار قوتهم السلطوية الوهمية.

 المنتخبون المحليون وأوجه التمكين لهم:

إذا سلّمنا جدلا وقانونا، أن المنتخَبين المحليين في البلديات والولايات يشكلون أحد طرفي معادلة التنمية المحلية بمفهوم ومبادئ اللامركزية، فإن الملاحظ عمليا وميدانيا أن منتخَبي المجموعات المحلية في الولاية “م. ش و” والبلديات (م. ش. ب) كثيرا ما يجدون أنفسهم في موقف المتفرِّج من العملية التنموية أمام استئثار الجهاز التنفيذي الولائي من الوالي والمديرين التنفيذيين بكل مجالات النشاط التنموي، المحلي العمومي، والاقتصادي الاستثماري العامّ أو الخاص؛ لأن فلسفة الإدارة المحلية عندنا مستمدة من هيمنة الإداري على المنتخَب.

الملاحظ عمليا وميدانيا أن منتخَبي المجموعات المحلية في الولاية “م. ش و” والبلديات (م. ش. ب) كثيرا ما يجدون أنفسهم في موقف المتفرِّج من العملية التنموية أمام استئثار الجهاز التنفيذي الولائي من الوالي والمديرين التنفيذيين بكل مجالات النشاط التنموي، المحلي العمومي، والاقتصادي الاستثماري العامّ أو الخاص؛ لأن فلسفة الإدارة المحلية عندنا مستمدة من هيمنة الإداري على المنتخَب.

ورغم النصوص القانونية التي تتحدث عن صلاحيات المجلس الشعبي الولائي والبلدي،

إلا أن الواقع يؤكد أن هناك اختلالات في سير هذه المجالس وعملها بسبب الهيمنة الإدارية على الكيانات المحلية ووجود المجالس المنتخَبة ما هو إلا كديكور للديمقراطية واللامركزية.

سنتوقف هنا مبرزين في بعض الأفكار ما يجب أن تكون عليه مجالسُنا المنتخَبة وهي قابلة للنقاش والإثراء.

 التمكين لمنتخَبي المجلس الشعبي الولائي:

نرى أنه لا بد من إحداث تغيير عميق في نمط تسيير الولاية بصفة متوازنة بين الوالي والمجلس الشعبي الولائي وإلا لا معنى لوجود المجلس في واقعه الحالي، وفيما يلي أهم الأفكار المقترحة:

1– جعل رئيس المجلس الشعبي الولائي هو الممثل القانوني للولاية والآمر بالصرف وليس الوالي وهذا بالنسبة لميزانية الولاية دون المشاريع القطاعية التي تبقى من صلاحيات الوالي والجهاز التنفيذي على أن يبقى الوالي ممثلا للدولة ومكلفا بالقضايا الأمنية وضمان وتنسيق عمل الأجهزة الإدارية المحلية وشرعية عمل المجالس المنتخبة.

2– جعل الجهاز التنفيذي الإداري مسؤولا أمام منتخَبي المجلس الشعبي الولائي من خلال حق المساءلة والمراقبة، على أن تؤخذ إجباريا تبعات المساءلة ونتائج المراقبة بعين الاعتبار من طرف السلطات المركزية من الرئاسة إلى مختلف الوزراء، وإلا لا معنى للمساءلة والمراقبة الجادة والجدية.

3– مساءلة الوالي عند تقديم عرضه السنوي أمام المجلس الشعبي الولائي أو بمناسبة أي حادثة أو واقعة أو مظاهر سلبية، وتُبلَّغ الملاحظات والاقتراحات والتوصيات تلقائيا لأعلى السلطات وخاصة الرئاسة.

4– عدم تسجيل العمليات الاستثمارية القطاعية إلا بموافقة صريحة من المجلس الشعبي الولائي بموجب مداولة أو رأي موافق من مكتب المجلس.

5– المشاريع الاستثمارية الاقتصادية الهامّة عمومية أو خاصة لا بد أن تكون مشفوعة بموافقة المجلس الشعبي الولائي المعني حسب مقتضيات مخطط تهيئة الولاية المصادق عليه من طرف المجلس والمُعدّ بالتنسيق مع الوالي والمصالح الإدارية.

6– اعتماد مبدأ الديمقراطية التشاركية في الولاية مثل البلديات حتى يكون للمواطنين من خلال ممثليهم في الجمعيات والمنظمات أعينٌ ساهرة على سير الولاية بإداراتها ومجلسها المنتخَب.

7– تولي المجلس الشعبي الولائي عملية توزيع اعتمادات المخطَّطات البلدية للتنمية كمبالغ إجمالية على البلديات وفق معايير ومقاييس مضبوطة بالتعاون مع المصالح الإدارية في الجهاز التنفيذي على أن تتولى المجالسُ البلدية تسجيلها كمشاريع وفق أولويات تحددها.

ونفس الشيء بالنسبة لاعتمادات صندوق التضامن للجماعات المحلية إذ تأتي حاليا كمشاريع باسم كل بلدية من وزارة الداخلية.

8– على السلطات المركزية والبرلمان تمكين المجالس المحلية الولائية من نصوص قانونية تمكِّنها من خلق الثروة من خلال الاستثمار والتنازل عن بعض العقارات للولايات والبلديات.

9– على قانون الولاية القادم أن يجعل رئيس المجلس الشعبي الولائي ومجلسه شريكا فعليا في تسيير الولاية لا مصفِّقا، وعلى ذات القانون ألا يترك الولاة كآلة ومعول لإجهاض مدرسة المجالس المحلية، وبالتالي العودة إلى النظام المركزي الذي ولّى من دون رجعة.

… يُتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!