-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يُقدِّم الحلول؟

من يُقدِّم الحلول؟

لا ننفي أهمية النقد، وتوضيح مكامن الخطأ، وكشف السلبيات، بل نقول إن ذلك أهمُّ من التذكير بالإيجابيات والوقوف عندها، إلا أن الأهم منهما معًا هو المساهمة في تقديم الحلول المُبتَكَرة للمشكلات ومناقشتها من مختلف الجوانب، أي تقديم البدائل التي يراها السياسي أو الإعلامي أو رجل الدين مهمة لتجاوز الوضع السلبي الذي أصبح موضوع حديثه أو تحليله.

كثيرا ما يجيب بعض الذين لديهم عناصر نقد كثيرة أو عناصر مدح أكثر، أن الحلول ليست مَهمَّتَهم، بل مَهمَّة الحكومة والدولة، إلا أن هذا كثيرا ما يخفي عجزا عن تقديم الحلول العملية الواضحة القابلة للتنفيذ والقياس، البعيدة عن الخطاب العام القائم على عبارات مثل ضرورة تحسين وتغيير ووضع حد لكذا أو كذا، دون التفصيل في السؤال الأهم كيف؟… وهذه المنهجية في مقاربة المشكلات أضرت كثيرا بمسألتي التطوير والابتكار، إن لم أقل، إنها تُعَدُّ السبب الرئيس في التخلف…  إنها تقوم على النقيضين: النقد المُفرِط، والإطراء المفرط، وكلاهما لا يخدم تحسين الأوضاع التحسين المستمر الذي تحدّثنا عنه في العمود السابق.

وحتى لا أكون من هؤلاء أو أولئك، أبدأ بتقديم بعض الحلول لقطاع التعليم في مختلف مراحله.

أولا، لعلاج مشكلة التخبُّط في البرامج، ينبغي أَمْرُ الجهة التي تتكفل بالتخطيط والاستشراف في هذا القطاع، بجمع كافة المعطيات المتعلقة بمستقبل التعليم في العالم في دراسة مقارنة، كيف ستكون عليه برامج التعليم في الدول الأكثر تقدما والمتقدمة والوسطى والتي هي نظيرة لنا؟ ماذا أعَدَّت هذه الدول لذلك، وكيف تعمل على صناعة مستقبلها في هذا القطاع وكيف تستبق التطورات؟… وفي مرحلة ثانية، مشاركة أهل القطاع في نقد هذه الأوضاع ودراستها وتقديم البدائل، وبعد حصر الأوضاع العالمية في هذا المجال والتعرُّف على التطلعات الوطنية، تقوم الجهة المعنية ببناء السيناريوهات البديلة الملائمة لبلادنا  بالتعاون مع خبراء في المجال  يدعمونهم بالرأي والمشورة، وبعدها تقوم بالخيار الإستراتيجي بين أفضل البدائل، من دون إهمال دور خلايا اليقظة الإستراتيجية التي تسهر على مراقبة التطورات الجديدة في القطاع لتكييف الخيارات معها. ومن دون شك، يتوقف هذا الحل من جهة، على نوعية القائمين عليه ومدى كفاءتهم، ومن جهة أخرى، على كفاءة الجهاز التنفيذي المُكلَّف بصناعة مستقبل القطاع. وفي كلتا الحالتين، وكحل لهذه المعضلة، ينبغي توفير التكوين الملائم للقائمين بالعملية، إذ يلاحَظ أن لدينا نقص كبير في هذا المجال وليست لدينا تقاليد للعمل من خلال النظرة الاستشرافية، كما يلاحظ أن الهيئة التنفيذية التي تقوم بتحويل الرؤية إلى خطط تنفيذية هي الأخرى غير مستقرة وغير مهيَّأة لمواصلة تنفيذ الخيار الإستراتيجي، الذي قد يكون أعد في غيابها. وهذه مشكلة يمكن أن تحلّ أيضا، إذ ينبغي أن يدرك أيُّ مُعدٍّ للمشروع المستقبلي لبرامج القطاع التربوي -ما دمنا أخذناه كمثال- أن المشروع ليس ملكا له، إنما هو ملك للدولة الجزائرية، كما أن المسؤول على التنفيذ ينبغي أن يدرك أنه ملزَمٌ بالمشروع المُعَدِّ من قبل مصالح الدولة وعليه القيام بما يتطلب التخطيط الإستراتيجي لتنفيذه بغضِّ النظر عن قناعاته الشخصية، ويفضَّل أن يتم اختيار المسؤول التنفيذي على أساس قدرته على استيعاب المشروع والتكيّف معه والتفاعل معه، وهذه المنهجية تحل مشكلة الاستقرار ومشكلة القدرة المشار إليها أعلاه، كما تحل مشكلة الذاتية في الخيارات الإستراتيجية بالعودة في كل مرة إلى المعنيين بالبرامج، معلِّمون ونقابات وأولياء وتلاميذ، لتبنِّيه، بعد أن كانوا في المرة الأولى قد شاركوا في تقديم الاقتراحات بشأنه في نطاق ما تستلزمه منهجيات الدراسات الاستشرافية عند جمع المعطيات.

بهذا، نكون أمام رؤية مستقبلية قطاعية أو شبه قطاعية، يُفترض أن تُكمَّل برؤية قطاعية متكاملة (موارد بشرية، وسائل، محيط… إلخ)، ثم برؤية ما بين القطاعات ووطنية أشمل لتكتمل العملية ونكون بصدد تعزيز أحد ركائز الدولة العصرية؛ أي التعليم بطريقة علمية…

إن مثل هذه الطروحات القائمة على الحلول، تتضمن في الوقت ذاته النقد والمدح وآفاق التقدُّم.. وتلك ضالتنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!