-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مَغَص 19 مارس

عمار يزلي
  • 738
  • 0
مَغَص 19 مارس

ميلاد الجزائر المستقلة من رحم المعاناة الطويلة الأمد، لم يكن 19 مارس 1962، منه إلا عنوانا لآخر عتبة قطعها مسار التحرر، وبداية نصر مؤزر طال انتظاره، لكنه لم يكن بلا طائل ولا بالمستحيل.

هذا العنوان، هو ذاته اليوم عنوان جديد لعتبة جديدة من التحرر التام، برسم 61 سنة عمره وسنه. هذا التوهج الذي حصل قبل واحد وستين سنة، يشرع اليوم فقط في البلوغ والنبوغ بعد أن ناصف الجيل الثاني منه طريقه نحو التحرر من التبعية الاقتصادية والثقافية، بل أكثر من ذلك، صارت التجربة الجزائرية بعد ثلاث سنوات فقط قاطرة ومدرسة ونهجا يهتدي به الجيران في إفريقيا، ومنها مالي على الخصوص التي آخر ما بدر منها قبل أيام، قرارها التاريخي بالاستغناء عن الإرث اللغوي الفرنسي واستبدال الفرنسية بلغتين وطنيتين: العربية والبمبارية. واقع لم يكن أحدٌ يتصوره، على الأقل في هذه الآجال.

19 مارس 1962، بقدر ما كان يوم نصر وانتصار لثورة دامت أكثر من سبع سنوات، ومقاومات لم تتوقف طيلة قرن ونيّف، إلا لتبدأ وتشتد، بقدر ما كان حدثا مزلزلا لدى الأوساط الاستعمارية وغلاة المعمِّرين الذين راعهم تسرب رمال أرض الجزائر وترابها ومائها بين أصابعهم، وهدر سنوات الرخاء والعمران على حساب إفقار أبناء البلد من “الأهالي” العزّل وتجويعهم وتقتيلهم وتهجيرهم ونفيهم…

تصادمُ طرفي الكتلة الاستعمارية إلى درجة الاقتتال الداخلي في الجزائر وفي المتروبول بسبب هذا الحدث، كان له الأثر البالغ على شكل وتوجُّه الجزائر المستقلة بعد الاستقلال: محاولات غلاة المعمِّرين من دفعة “صالان، جوهو، شال، زيلر” ومن سُمُّوا بـ”البوتشيست” وقتها ومحاولات اغتيال ديغول، عجّل بنهاية مؤلمة في الجزائر لهذا السرطان، لكنه كان شافيا وكافيا لفطم الاحتلال واستئصال الورم السرطاني من جذوره، رغم ما تبقى في الجسم المستقلّ الجديد من خلايا سرطانية، سيظهر لاحقا أثرُها المرَضي على الجسد الوطني المستقل ككل. هذه الخلايا السرطانية النائمة، سرعان ما كانت تجد البيئة مواتية من حين لآخر، لتعود للحياة والنشاط والانقسام الخلوي السقيم من جديد. لهذا كنا دائما وبشكل متكرر نقع ضحية افتعالات غير بريئة تعمل على كسر العزيمة الوطنية نحو التحرر، فيترنح الجسم مريضا معتلا لأشهر وسنوات، دون أن يسقط، وسرعان ما يتعافى بفعل المناعة المكتسبة والتلقيح المستمرّ والدفاع والتدخُّل الجراحي والاستشفائي، فيهدأ الوضع ويتعافى الجسد إلى حين، إلى أن نكاد ننسى المرض والخلايا المَرضية النائمة، فتعود بعد سنوات من السبات أو العمل الخفي والمتخفي للفيروس المتحول، ويظهر المرض من جديد بشكل جديد وهو القديم، وآخرها كان ما حصل قبل أشهر قليلة.

19 مارس 2023، هو اليوم عنوانٌ لأكثر من مناسبة وأكثر من نجاح في الفتك بآخر تنمُّر فيروسي في الجسد المتعافي بشكل غير مسبوق، لا بل إن هذا الجسد صار يصدر الأمصال واللقاحات ضد الاستعمار وضد الظلم والظالمين أينما حلوا أو ارتحلوا: في إفريقيا وفي الشرق الأوسط وفي أمريكا اللاتينية وفي آسيا ودول عدم الانحياز: 19 مارس 2023، يعمل اليوم عمله في فلسطين المحتلة بفعل تنامي حركة الجهاد والمقاومة الشاملة من أجل التحرر والاستقلال، وعلى وقع ذلك يحدث اليوم داخل كتلة الاحتلال المنقسمة والمتناحرة داخليا، تماما ما حصل من مغص مع الاحتلال الفرنسي للجزائر عقب 19 مارس 1962: الوهن والانقسام والتناحر في صفوف الكتلة الصهيونية، وليس غريبا أن يتعلم العالم المتحرِّر الدروس من معلم التحرر والتحرير وأن نرى قريبا رياح 5 جويلية جديدة تهبُّ على القدس وكل ربوع فلسطين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!