-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا تهاوت حصوننا من الدّاخل!

سلطان بركاني
  • 2274
  • 0
هكذا تهاوت حصوننا من الدّاخل!

عندما سئل الزّعيم الفرنسيّ نابليون بونابارت: أي حُصون الشّرق الإسلاميّ أمنع على فرنسا؟ قال: “الأمّهات الصّالحات”، وقد صدق في شهادته هذه التي لا شكّ في أنّه استفادها درسا من حملته على الشّرق ومن كلمات المبشّرين والمستشرقين الذين درسوا واقع العالم الإسلاميّ ودلّوا أقوامهم على أنجع الأساليب التي يرون أنّها كفيلة بالحيلولة دون استعادة الأمّة مجدَها الضّائع.

المرأة المسلمة حينما تعرف أنّ لها رسالة مهمّة ونبيلة في هذه الحياة، متمّمة لرسالة الرّجل وليست مزاحمة لها؛ رسالة تجعلها تترفّع عن السّفاسف والترّهات ولا تعطي المظاهر الفانية أكثر ممّا تستحقّ، حينما تعرف المرأة المسلمة هذا وتضطلع بدورها وتتشبّث برسالتها، فإنّها ولا شكّ ستكون حصنا منيعا تتهاوى أمامه كلّ معاول الهدم التي تريد إخراج أجيال من أبناء الأمّة لا تملك رسالة ولا تعرف وجهة أو غاية سوى إشباع نهم النّفوس من الشّهوات.

لقد أدك المتربّصون بهذه الأمّة هذه الحقيقة، فجعلوا المرأة المسلمة هدفا لهم، ووجّهوا إليها إعلامهم، وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم، وعملوا جهدهم لتخليصها من كلّ فكرة أو قناعة ترتبط بالدّين والعادات الحميدة.. وما هي إلا عقود قليلة من الزّمان حتى كان لهم ما أرادوا من نساء وبنات المسلمين إلا من عصم الله منهنّ.

حرّروا المرأة من قوامة رجل واحد في البيت، واضطرّوها لسلطة الرّجال في أماكن العمل؛ ترفض أن تنصاع لأوامر زوجها الذي قيل لها بأنّها ينبغي أن تكون له بالمرصاد وتعامله معاملة الندّ لندّه والشّريك لشريكه، فهي وإياه سواسية في كلّ شيء! تفعل هذا مع زوجها لكنّها تضطرّ في المقابل لحني رأسها أمام مديرها في العمل وأمام رئيس المصلحة، وتضطرّ لتتذلّل في كلامها مع مفتّش العمل، وربّما تتوسّل له حتى لا تعاقب لتقصيرها، وهكذا…

صوّروا لها العمل ضرورة لا بدّ منها، لا يغني عنه أن يكون الأب ميسورا أو يتكفّل الزّوج بالإنفاق عليها وتوفير ما تحتاج إليه، وقالوا لها إنّ الأزواج، كلّ الأزواج، لا يؤمَن جانبهم، وأنّ عليها أن تعمل لتكون مستقلة في مصروفها ولا تحتاج إلى منّة أحد، فصارت تلهث خلف العمل وتزاحم الرّجال في كلّ المجالات وعلى كلّ المناصب، بما فيها تلك التي كانت إلى وقت قريب حكرا على الرّجال ولا تصلح إلا لهم!

صوّروا لها البيت سجنا لا يليق بالمرأة في عصر التحرّر، وأنّ المكث فيه عبودية لا تليق بها في زمن الانفتاح والانطلاق، وأنّ العكوف على تربية الأبناء عمل لم يعد ضروريا ما دامت هناك الجدّة والخادمة ودور الحضانة.

صوّروا لها الحجاب تخلفا والاحتشام “تعقدا” واللباس المحتشم قلة ذوق ووأدًا لجمال المرأة، وقلّبوا لها الأمور فقالوا لها إنّ الحجاب هو حجاب القلب وليس حجاب البدن الذي يعيق المرأة عن أداء دورها في المجتمع!… فأصغت إلى نزغاتهم وجعلت تلهث خلف الموضة وتتطلّع إلى كلّ جديد، وصارت تنفق المال الذي تكسبه من عملها في الألبسة والأصبغة وتسريحات الشّعر، وأصبح مظهرها يستحوذ على همّها وغدا الاهتمام به يستغرق جلّ وقتها.

صوّروا لها أنّ الاختلاط بالرّجال وكسر الحواجز يجعلها تثبت ذاتها ووجودها، فاختلطت بالرّجال في كلّ مكان بحاجة ومن دون حاجة، وفقدت حياءها وتخلّت عن كبريائها وأصبحت لا تجد أيّ حرج في ممازحة زملاء الدّراسة والعمل ولا تشعر بأيّ ضيق، بل ربّما تنتشي وتفرح كلّما حظيت بكلمات إطراء وإعجاب من زملائها الذين لا يتردّدون في الإشادة بذوقها في اللّباس والماكياج، وربّما يبلغ الأمر ببعضهم إلى الحديث معها في علاقتها بزوجها ويصل إلى حدّ أن يوسوسوا لها بأنّ زوجها لا يستحقّها! وربّما يتمادى بعضهم إلى حدّ المساومات والتحرّشات!

لقد تهاوت حصوننا عندما صدّقت المرأة المسلمة هذه الدّعاوى الكاذبة التي تحملها الأفلام والمسلسلات، وفجعنا في واقعنا بجيل من الأبناء يتربّون ليس في دور الحضانة فحسب إنّما في الشّوارع وأوكار العبث، على مساوئ الأخلاق وتدنّي الهمم، جيل من الشّباب لا يرون حولهم إلا آباء مستقيلين طوعا وكرها من قوامتهم، وأمهات غارقات في عالم الموضة والأزياء وأحاديث الحفلات، ولا يعرف الواحد منهم عن البيت إلا أنّه مأوى لا يحتاج إليه إلا في آخر الليل ليخلد إلى النّوم، لا مكان في حياتهم للجدّ أو الحديث عن دور ينبغي أن يكون لهم في هذه الحياة فضلا عن حمل همّ دينهم وقضايا أمّتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!