-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يموت الفيلسوف العربي سلفيا؟

هل يموت الفيلسوف العربي سلفيا؟

أحد أساتذة الفلسفة الذين عرفتهم كانت تبهرني سعة اطلاعه، ونقده المستمر المبني على المعرفة لمختلف الأسئلة الشائكة التي يعيشها المجتمع الجزائري أو حتى المجتمع الغربي، كانت له رؤية واضحة وأجوبة صريحة حول فلسفة الأديان وقضايا العصر، من الفكر الحداثي وما بعد الحداثة.. كان شديد النقد، تكسوه حماسة الشباب، والرغبة في الثورة على كل شيء.

كان هذا في سن الشباب أو ما بعد سن الشباب بقليل، ثم التقيته بعد عدة سنوات، بعدما سافرت، ونضجت بعض الشيء وقرأت ما قرأت من كتب، التقيته ذات يوم وقد بلغ من الكبر ما بلغ، حاولت أن أفتح معه نقاشا من النقاشات التي كان يطرحها أو تلك التي تثار بين المثقفين والمتدينين، لاحظت هروبه من النقاش، طبعا ليس عن عجز، بل كان يسعى دائما لغلق مثل هذه المناقشات، إلى أن قال لي يوما، لقد اعتزلت كل شيء، حتى التلفاز لم أعد أشاهده، وحتى تلك المحاضرات حول قضايا التشيع والشيعة لم أعد أستمع إليها..!! لم أفهم سبب هذا التغير الذي حصل له، لكنني أرجح أن عامل السن، أو كما يقال في المساجد على منابر يوم الجمعة؛ إنه الدنو من القبر والخوف مما ينتظر الإنسان بعد الموت..

في رأيي الشخصي، الفيلسوف المسلم أو الدارس والمدرس للفلسفة، عموما، يعيشون على شاطئ الفلسفة، لم يكونوا فلاسفة يوما.. وهذا لأسباب عديدة يطول شرحها، أهمها الموروث الثقيل الذي يحملونه من مجتمعاتهم، من تقاليد وتنشئة اجتماعية، المرور على الكتاتيب في الصغر، التربية الدينية.. كل هذا يكون حاجزا أمامهم من أجل خوض غمار معركة الفلسفة والدفاع عنها كعلم وطرح القضايا الفكرية التي تهم المجتمع وكذا السعي لترسيمها حتى تكون مدرجة في كل مراحل التعليم بحيز زمني معتبر.

الفلسفة أصل العلوم، ومن دونها لا يمكن فهم العلوم الأخرى بدقة وبعمق، فكل العلوم هي فروع من الفلسفة، فلا يمكن فهم أي نظرية في علم النفس أو السياسة أو الاجتماع وغيرها من التخصصات دون الاتكاء على ركيزة علم الفلسفة، فهي بالمختصر أم العلوم.

الشعوب التي أعطت قيمة للفلسفة تجد النقاشات فيها تتجدد، وحواراتها لا تنقطع، شعوب أو على الأقل الطبقة المثقفة فيها تنتبه إلى الأصول والعناوين الكبرى كما تنتبه إلى الفروع والعناوين الجزئية التي تواجه المجتمع، عقلها متفتح، خارج دائرة يجوز ولا يجوز، وخارج دائرة هذا صحيح وهذا خطأ.

وحتى التخصصات العلمية، التي واصل فيها أصحابها إلى درجات عالية، يحتاجون فيها إلى علم الفلسفة، فلسفة الطب، فلسفة الرياضيات.. إلخ

الفيلسوف العربي، ليس الكل بطبيعة الحال، حالهم يشبه قصة قصّها علي أحد أساتذة الفلسفة في الجامعة، وهو أستاذ أعتبره من النخبة، مطلع كثيرا على ما يدور وما يجول من أفكار فلسفية وبلغات مختلفة، قال منتقدا بعض المثقفين: حالهم مثل حال شخص لم ير في حياته إلا فأرا ثم بعدها لم يعد يرى شيئا، فأصبح عندما يحدثونه عن أي شيء تم اختراعه أو دخوله إلى السوق، يسألهم: هل هذا الشيء أكبر من الفأر أم أقل من الفأر؟ هل له ذيل مثل الفأر أم ليس لديه ذيل؟ وهكذا..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جلال

    وهل يتركك الكهنوت حراس المعبد تتفلسف فأنت زنديق في نظرهم ( من تمنطق تزندق ) لا يمكن فهم الدين نفسه الا عن طريق الفلسفة التي من معانيها حب الحكمة ولكن أن لإنسان مغيب العقل مغسول الدماغ أن يفهم ذلك

  • رضوان

    اذا كنت تقصد بالسلفي الملتزم بدينه وليس السلفي المرتبط بصناعة ايديولوجية تدعي الدين, فان االعقل بوصفه جوهر الفلسفة اذا لم يقدك الى معرفة سر الوجود وقوانين الوجود وموجد الوجود: الله سبحانه وتعالى, فاعلم بانه هوى وبان فلسفتك ترف وضياع, بل هلاك, فبوصلة الفلسفة هي الحكمة ومنهجها اعمال العقل وغايتها اثبات الحق, والحق هو الله