-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وزارات ووزراء للعدل.. ولا عدل

وزارات ووزراء للعدل.. ولا عدل
صورة ح.م

يتندّر الناس في بلد عربي مشرقي برئيسهم، فيرْوُون في مجالسهم نكتة عنه، تخفيفا عن أنفسهم مما يعانونه من قهر ذلك “الرئيس ” وزبانيته، وما يُكابدونه ـ بسبب سياسته ـ من مسغبة، حتى صار أرحم وأرأف بعدوّ وطنه منه بأبناء شعبه، فيبيعهم الغازَ بسعرٍ أكبر ثلاث مرات من السعر الذي يبيعه به لذلك العدو.

  • كان لهذا “الرئيس” صديق منذ أيام الدراسة، وكان يعاني شظف العيش، وسوء الحال، مع كثرة العيال وقلة المال، فقرر أن يذهب إلى”الرئيس” ويبسط إليه كفّيه.. 
  • تمكن بعد لأيٍ من الوصول إلى “الرئيس” فاحتضنه وأمطره بوابل من القبلات، ثم قال له: مالي أراك هزيل الجسم، شاحب اللون، مخدود الوجه.. فقال الرجل لرئيسه:
  • بسبب الهمِّ في طلب العيش، وقلة ذات اليد، حتى صرتُ كما قال الشاعر:
  • ليس إغلاقي لبابي أنّ لي
  • إنما أغلقه كي لا يرى
  • منزلٌ أوطنَه الفقرُ فلو
  • لا تراني كاذبا في وصفه
  • فيه ما أخشى عليه السّرقا
  • سوءَ حالي من يجوب الطُّرُقا
  • دخل السارقُ فيه سُرِقَا
  • لو تراه، قلت لي: قد صَدَقا
  • أبدى “الرئيس” تأسّفه لحال صديقه، وافتعل التأثر، وتمظهر بالتحسر، ثم قال له: هل تقترح طريقة أساعدك به؟
  • فقال الصديق: ليست هناك طريقة أنفع لي، وأجدى عليّ من أن تعيِّنني وزيرا والباقي عليّ، أنسيت المثل القائل: “الخَلّة تدعو إلى السَّلَّة”؟
  • تبسّم “الرئيس” من قول صديقه، وتأسف لعدم تلبية طلبه، لأنه لا تُوجد وزارة شاغرة، و…
  • قاطع الصديق “الرئيس” قائلا: أنشئْ لي وزارة خاصة، فأمر البلد ـ بيمن فيه وما فيه ـ إليك، ولا رادّ لما قضيت، ولا تُسأل عما تفعل…
  • قال “الرئيس”: ما هي هذه الوزارة التي تودّ أن أنشئها خالصة لك؟
  • تبسم الصديق ليخفف من غضب “الرئيس” الذي بدا على وجهه، وقال: وزارة الغابات..
  • أطلق الرئيس قهقهة أين منها قهقهة (من تعرفونه)، حتى كادت الحيطان تتفطّر، واللوحات الضخمة في المكتب تتساقط.. وظنّ الموظفون أن هزة أرضية وقعت..
  • هدأت سَوْرَةُ الضحك عن “الرئيس” فقال لصاحبه، مقطّبا جبينه، عاقدا أساريره، مبديا نواجذه، ملوّحا بيده، رافعا صوته: أتريدني أن أصير ـ وأنا الذي لم يُخلق مثلي في بُعْد النظر وسداد الفكر ـ أُحْدُوثة العالم وأضحوكته، ومادّة لرسّامي الكاريكاتير، ومحل سخرية واستهزاء..
  • افتعل الصديق التعجب وقال: حاشا أن أريد ذلك لك، فأنت نور عيوننا، وجلاء همومنا، نمرض لتصحّ، ونجوع لتشبع، ونعرى لتكسى… ونموت لتحيا… ثم قال: ولماذا يضحك منّا العالم، ويتخذنا هزؤا؟ فإن فعل فهو حسد منه على أنْ منّ الله بك علينا، و”جعلك رئيسا” لنا…
  • أُعجِبَ “الرئيس” بكلمات صديقه الدالة على “الحب” العميق، فقال لصديقه وهو يربّت على كتفه: وكيف لا يسخر منا العالم والناس جميعا يعلمون أن بلدنا ليس فيه غابات… وأردف “الرئيس” مداعبا صديقه: يبدو ـ يا صديقي العزيز ـ أنك رُددت إلى أرذل العمر، فلم تَعُد تعلم ما تعلمناه عن جغرافية بلدنا الطبيعية… وأراد “الرئيس” أن “يَخْلَعَ” صديقه ويُريَه أنه لم يبق كما كان في عهد الدراسة “صَلْقَعًا بَلقَعا” بل صار يحفظ عيون الشعر وروائع الأمثال، وبدائع الأقوال، فقال له: لقد صدق الشاعر في قوله:
  • ألا ليت (الشباب) يعود يوما
  •                     فأخبره بما فعَل المشيب
  • ظنّ “الرئيس” أنه قد أقنع صديقه، بل وأظهره في صورة جاهل يريد أن يرتقي مرتقًى أكبر من إمكاناته العلمية، بالرغم من أن “الرئيس” هو “الحابس” علميا.
  • أخذ “الرئيس” يد صديقه وراح يجرّه نحو الباب ليخرجه من المكتب. وبعد بضع خطوات استوقف الصديق ” الرئيس” وقال له: ولماذا يا صاحب “الفخامة” يُوجَدُ في بلدنا وزارة ووزير للعدل وليس فيها عدل؟ بُهِتَ “الرئيس” الذي عَلاَ في بلده، واستخفّ شعبه…
  • إن الحقيقة التي يجب الجهر بها هي أن العدل ليس مفقودا في هذا البلد فقط، بل لا توجد رائحته في الدول العربية كلها، لأن الظلم هو العملة الرائجة في هذا العالم العربي المنكوب بملوكه، وأمرائه، ورؤسائه، ومن كان في هذا القول يمتري فليتابع ما تنشره الصحف من مظالم “كبرائنا” لنا، واعتداءاتهم علينا، وسرقاتهم لأموالنا، واستغلالهم لخيراتنا، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة أراذل وأسافل عن طريق قروض خيالية القيمة…
  • من آخر السرقات الرهيبة التي تشيبُ الغربان، وتنطبق ـ في المهد ـ الولدان، ما نشرته مؤخرا صحيفة أسبوعية عن مسؤولين “كبيرين”، أما أحدهما فقد وسع بطنُه في ثلاث سنوات وبضعة أشهر التي قضاها في “رئاسة” إحدى المؤسسات الأكثر أهمية في بلدنا، وسع ما لا تسعه بطون آلاف الجزائريين، حيث ذكرت الصحيفة أنه استحوذ على ثلاثة آلاف مليار، اشترى ببعضها فيلاّ في حيدرة واشترى ببعضها الآخر أملاكا في أوربا… وأما الآخر فقد نشرت الصحيفة نفسها عن سياسته في المؤسسة التي كان يسيّرها عجائب وغرائب… إن ما نشرته الصحيفة عن هذين المسؤولين “الكبيرين” اللذين غُضب على أحدهما فأُبعد، وغُضّ الطرف عن الآخر… فحوّل إلى مؤسسة أخرى، أقول إن ما نشرته الصحيفة إما أن يكون حقا أو باطلا، فإن كان حقا، وما أظنه إلا كذلك، فلماذا لم تتحرك وزارة العدل لمساءلة هذين المسؤولين؟ وإن تحركت فلماذا لم تعلن عن تحركها ليطمئنّ المواطن إلى أن أموال وطنه محمية ومحروسة، وأن أيّ لص لن ينجو ولو كان “كبيرا”؛ وإن كان ما نشرته الصحيفة كذبا وزورا فلماذا لم يكذبه المسئولان “الكبيران”، ولماذا لم يرفعا دعوى ضد الصحيفة؟ ولماذا لم تتدخل “العدالة” لإيقاف كل كاذب؟
  • إن ما يجري في العالم العربي من مظالم بعض “كبار” المسئولين وسرقاتهم السافلة يذكر بما قاله فيهم الشاعر اليمني عبد الله البرَدُّوني – رحمه الله -:
  • أشباه ناس دنانيرُ البلاد لهم
  • ترى شخوصهُم رسمية وترى
  • أكاد أسخر منهم ثم تضحِكُني
  • ثيابهم رشوةٌ تنبي مظاهرها
  • يشرُون بالذل ألقابا تُستِّرهم
  • والناس شرٌّ وأخيارٌ وشرّهم
  • وأضيَعُ الناس شعبٌ بات يحرسه
  • ووزنُهم لا يساوي رُبْع دينار 
  • أطماعَهم في الحِمَى أطماعَ تجّار 
  • دعواهُم أنهم أصحاب أفكار 
  • بأنها دمع أكبادٍ وأبصار
  • لكنهم يَسْترون العار بالعار
  • منافقٌ يَتَزَيّا زَيَّ أخيار
  • لصٌّ تُسَتِّرُه أثوابُ أحبار
  • فاللهم أنجزْ وعيدَك الذي أوْعَدْتَ في الظالمين، وسلّط على اللصوص ـ الكبار قبل الصغار ـ عقابك المهين، فقد أجاعوا الصبيان، وأهانوا النسوان، وخرّبوا البلدان، وأشْمَتُوا بنا الأعداء…
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • محمدعبدالهادي

    بارك الله فيكم وحفظكم وجعلكم فخرا للجزائر والله والله والله إني أحبك في الله سيدي محمد الهادي الحسيني إن إسمكم الكريم هو جمع لأسماء عائلتي الصغيرة فأبي محمد وأنا عبد الهادي وأخي الأصغر حسين، نتابع كتاباتك في جريدة الرقي والفخر والعروبة والتألق الشروق الحبيبة وحصصك في قناة الٌقرأن الكريم وفي فضاء الجمعة، و كنت فخرا للجزائر جميعا في قناة المستقلة في رمضان السنة الماضية،أ"ال الله عمرك في خدمة الإسلم والمسلمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • hammou

    mach'allah 3ala elfikra et la methode d'analyse aussi

  • اصيل

    شكرا لك سعادة الدكتور محمد الهادي الحسيني على هذا المقال الذي نعيشه يوميا ، فعلا في هاته الأيام الأخيرة شاهدت مسؤولا كبيرا يمثل جمهورية على مستوى ولاية ،عوض أن يستقبل الشعب المسكين على حاله ببساطة الوجه ، راح يسب الله سبحانه وتعالى خالقه وخالق السموات والأرض وما بينهما ونحن في شهر رمضان المعظم ، لالشيء إلا أن هؤلاء يريدون مقابلته لتسوية أوضاعهم على مستوى العدالة وهو في العدالة ...... هناك مثال عربي شعبي يقول : سافر تعرف الناس ، وكبير القوم طيعه ، كبير الكرش والرأس ، بنصف فلس بيعه .... أمثال هؤلاء الناس من المفروض ألايمثلون الدولة في شيء ، هل وزيرهم ووزارتهم على علم أم أنه تعمد . ( فيقي ياوزارة ). الوضع غير ملائم والعدالة غائبة على الإطلاق مع أنماط هؤلاء الإنتهازيين الذين يلوثون صورة الجزائر عدالة - ونسبا - وخلقا .

  • Layachi

    Merci à notre allama cheikh el hadi el hassani.
    les journalistes d'el chourouk feraient bien de lui lire, cela va leur apprendre à rediger mieux leur articles, car wallah, ce qu'on lis comme textes est honteux, grammaire, syntaxe et orthographe vraiment grave, alors la, la culture leur est totalement etrangére.merci a el chourouk de transmettre mon message s'il vous plait, sahha ramdan'koum.désolé si je n'ai pas ecris en langue arabe, je ne dispose pas de clavier pour ça.

  • Youcef

    baraka ellahou fik ya cheikh, i wish many people will follow the example and talk about these criminals and (mention their names as well).they are destroying our countries. rabi yentakem minhoum inchallahhhhhhhhhhhhhhhh. amine