-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“وكلّ إناء بالذي فيه يرشح”

“وكلّ إناء بالذي فيه يرشح”

هكذا قال العرب في أمثالهم السائرة التي هي عصارة تجاربهم وخبراتهم في الحياة، مع البشر ومع الطبيعة. وهم يضربون هذه الأمثال لكي يحسن الأخلاف التصرف في هذه الحياة، ولا يكونوا أغراراً، ويظنّوا السّراب شرابا..إنهم يعنون بهذا المثل أن ظواهر الناس دالّة على بواطنهم، وأن تصرفاتهم منبئة عن دواخلهم.. فإن كان باطن شخص خبيثا فمحال أن يكون ظاهره طيّبا، ومن كان باطنه لئيما يستحيل أن يكون ظاهره كريما، ومن قبح باطنه قبح ظاهره، ومن عفن عقله لم يحسن فعله وقوله.

قد يحاول لئيم خسيس أن يخدع الناس فيتظاهر بالنّبل والكرم، ولكن طبعه يغلب تطبّعه، وخلقه يغلب تخلّقه، فيعود إلى ما جُبل عليه من سوء، وإلى ما فطر عليه من لؤم، وفي هذه الحقيقة البشرية قال شاعر عربي عركته التجارب وعجم الناس :

ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وقال الآخر:

كلّ امرئ راجع يوما لشيمته

وإن تخلّق أخلاقا إلى حين

إن الناس فضلاء ولؤماء، وإن الفضلاء ليسوا سواء في الفضل، فهم فيه درجات، وإن اللّؤماء ليسوا سواء في اللؤم، فهم فيه دركات..

كنا نظن أن كفار قريش هم ألأم اللّؤماء، وأرذل الأراذل، وأنذل الأنذال وأعمى العميان لأنهم لم يروا خيرية سيدنا محمد – عليه أفضل الصلاة، وأزكى السلام – وغلبت عليهم شقوتهم فاستيقنوا أخلاقه وجحدوا بها، رغم تحاكمهم إليها فيما شجر بينهم.. ولا تفسير لذلك إلا تلك المقولة “المعاصرة حجاب”.

حتى جاء بعض الغربيين وأتباعهم من بني جلدتنا فإذا هم ألأم من ألأم القريشيين، وأسوأ من أسوإ القريشيين، وأحقر من أحقر القريشيين، وأغبى من أغبى القريشيين، وأشقى من أشقى القريشيين.. وذلك لأن هذا الوقت قد تبين فيه الرشد من الغي، والهدى من الضلال، والهادي من الهاذي.. ومع ذلك لم يزدد هؤلاء إلا غيّا، وضلالا، وهذيانا..

لقد انبعث في هذه الأيام من الجانب الغربي للعالم أشقى الناس، فكان بما فعل كما قيل: “هدهد كفّن في جورب (*)”.

إن هذا اللئيم الزنيم ودّ أن يكون الناس مثله، وضاق صدره، وصعب تنفسه أن يكون في العالم هذا الرجل الأطهر، صلى الله عليه وسلم، الذي قالت عنه امرأة عاقلة هي الراهبة الدكتورة كارين أرمسترونج، الأستاذة في جامعة لندن إنه “الإنسان الكامل، أو النموذج الإنساني (1)”. وإن “في شخصية محمد – صلى الله عليه وسلم – النموذجية دروس مهمة، ليس للمسلمين فقط، ولكن أيضا للغربيين (2)”.

لقد استهدف هذا الزنيم اللئيم في شريطه السخيف المسّ برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سلوكه مع زوجاته الشريفات الطاهرات، اللواتي لم “يعاملهن كقطيع، بل كنّ صاحباته (3)”، في حين “أن الإنجيل لم يكن على مر القرون يحمل أنباء طيبة للجنس الثاني، وكانت الكراهية المسيحية للمرأة تتسم بنزعة عصابية خاصة (4)”.

وقد ردت هذه المرأة العاقلة (**) على الغربيين وأتباعهم عندنا الذين يدعون إلى “تحرير”المرأة قائلة: “ولكننا في الوقت نفسه نستغل المرأة ونمتهنها في الإعلانات، وفي الكتابات والفنون الإباحية (5)”، فكان هذا الزنيم وأمثاله كما قال الشاعر:

وغد تكوّن من لؤم ومن دنس

فما يغار على عرض ولا حسب

لن أنجّس لساني النظيف وقلمي الشريف العفيف بمواصلة الكلام عن هذا الزنيم السخيف الذي يصدق فيه وصف الشاعر:

ولا رأينا أحدا مثله

لو طليت جلدته عنبرا

أنجس، أو أطفس، أو أقذرا

لنتّنت جلدته العنبرا

إذا كان الغرب مملوءا بالسفهاء، فإن فيه بعض العقلاء الذين لم يعمهم التعصب الذي هو “سمة قوية من سمات الثقافة الغربية (6)”، ومن هؤلاء العقلاء هذه المرأة التي ركزت في هذه الكلمة على أقوالها التي منها “أصبحنا نعرف عن محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أكثر مما نعرف عن مؤسسي الديانات الرئيسية”، وأنه “لم يكن قط رجل عنف”، و”كانت حياته حملة لا تكل ضد الطمع والظلم والتكبر«، وأنه »أصبح شخصية مجاوزة للزمان”، و”أن الجاهلية تعيش في الغرب اليوم”، و”أن الإسلام لن يختفي ولن يخبو“.

وأما أنت أيها اللئيم الزنيم فـ:

كن كيفما شئت، وقل ماتشا

نجاحك لؤمك مَنجى الذباب

وأبرق يمينا وأرعد شمالا

حمته مقاذره أن ينالا

وأما نحن “المسلمين” فما أساء أحد لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كإساءتنا له، فنحن ـ إلا ما رحم ربي ـ أجهل الناس، وأوسخ الناس، وأكثرهم غشا، وتزويرا، وكسلا، وتبذيرا، وخيانة، وفوضى، واحتقارا لبعضنا، وسوء معاملة…ولهذا كان المفكر المسلم محمد إقبال ـ رحمه الله ـ يقول:

“أسأل الله ـ عز وجل ـ أن يدخلني الجنة، ولكن لاأود أن أرى محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ حياء منه، وخجلا من أعمالي”.

الهدهد من أنتن الحيوانات، فإذا مات ازداد نتانة، وعليك أن تتخيل نتانته إن كُفّن في جورب مستعمل.

.

:هوامش

1) كارين ارمسترونج…محمد (صلى الله عليه وسلم). ص 388

2) كارين ارمسترونج.. محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي لزماننا…ص 25.

3) المرجع نفسه ص 136.

4) كارين…محمد. ص 354.

**) دليل عقلها محاولتها إنصاف رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث ألفت عنه كتابين، وخروجها من الرهبنة لتعيش حياتها الطبيعية.

5) كارين…محمد ص 354.

6) كافين رايلي: الغرب والعالم. ( سلسلة عالم المعرفة) ج1. ص 202.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • yacine

    بارك الله فيكم. لقد ختمتم فعلا بلب الموضوع فنحن أكثر من يسيء الى نبي الرحمة و النور و الهدى صل الله عليه و سلم.

  • yacine

    بارك الله فيكم. لقد ختمتم فعلا بلب الموضوع فنحن أكثر من يسيء الى نبي الرحمة و النور و الهدى صل الله عليه و سلم.

  • عبد الرحمن

    بارك الله فيكم. لقد ختمتم فعلا بلب الموضوع فنحن أكثر من يسيء الى نبي الرحمة و النور و الهدى صل الله عليه و سلم.

  • salah

    يا سيدي الفاضل احببتك في الله منذ زمن وانت تتكلم عن ثورة بلادنا الجزائر فاصبت بصدقك وبلاغت لسانك الصادرة من فؤاد شعب مسلم امن بمحمد نبيا ورسولا عليه الصلاة السلام.
    قراءت بعض كتابتك عن رجال الجزائر ومشايخيها فكان فيها تصحيحا لفهمي و اعادة تقويما لشخصي ارى فيكم تواضع منقطع النضير وانتم امام علماء هذا الوطن الحبيب فلذا ارجو من الله ثم منكم ومن اصحاب الاقلام المحمدية ان تترجمو مقالاتكم الى عدة لغات فتنير طريق الكثير من البشرية. يا سيدي ان العمل الباشع والبغيض قد عاد على اصحابه وبانت قيمتهم الاصلية

  • عبد الرزاق الجزائري

    اطال الله عمر استا دنا الفاضل الدي اتابع حصصة و مقالاتة مند اكثر من 30 سنة

  • هشام من قالمة

    بارك الله فيك أستذنا الفاضل و أما عن اساءة الحثالة من البشر للخير خلق الله فهي عليهم في الدنيا و الأخرة و أسأل الله عز و جل ان يجعل هذه الصفعات و اللكمات من الغرب في وجه المسلمين توقظ قلوبهم و ضمائرهم الميتة فلقد اصبحنا اهون من الهوان و اما رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم فلن يستطيع أي بشر او غيرهم أن ينالوا من قدره شيء مهما فعلوا و حسبنا الله و نعم الوكيل

  • الطاهر عثماني

    السلام عليكم
    لله درك أستاذنا المفضال على ما خططته من كليمات عظيمة في الذود عن عظيم من العظماء بل أعظم العظماء قاطبة شاء من شاء وكره من كره, ولما لا نقول ذلك وهو المختار من رب العالمين والمزكى بين الخلائق أجمعين ويكفي وصف ربنا عزّوجّل له, يقول الشاعر يا ناطح الجبل الأشم بقرنه * رفقاً بقرنك لا رفقاً على الجبل, ويقول تعالى ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾, فقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر, وحق لنا البكاء على أنفسنا وعلى ما فرطنا في ديننا فضعنا بين الخلائق هائمين نائمين . سلام