-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“وهديناه النجدين”

خير الدين هني
  • 343
  • 0
“وهديناه النجدين”

من أجل أن تؤدي النفس الإنسانية، وظائف مزدوِجة ومتناقضة في الحياة، للامتحان والاختبار والتمييز بين الطيبين الخيّرين من المؤمنين، وبين من خبثت مخابرهم من الشريرين والعصاة الباغين، رُكِّبت نفوسهم من القابلية لفعل الخير والقابلية لفعل الشر على حد سواء، لقوله تعالى: ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) (البلد: 10)، والمراد بالنجدين، هما طريق الحق والخير والهداية إلى التوحيد والالتزام بالتربية والاستقامة الحميدة، وطريق الشر والشك والشرك والكفر والجحود، وما يترتب على ذلك من الآثام والمعاصي والتربية القبيحة.

خلافا للملائكة فهم غير مكلفين مثل الآدميين، وهم ما خُلقوا إلا للطاعة والعبادة والالتزام بأوامر الله تعالى، من غير عصيان ولا تمرد وجحود، وقد ركّب الله -تعالى- نفوسهم من العقل فحسب، ومن غير غرائز مثيرة للشهوة والمتعة، فهم مخلوقات نورانية يفعلون ما يُؤمرون به، ولا يعصون الله طرفة عين، ولا يخالفون أوامره بصغيرة ولا كبيرة، لأن نفوسهم غير مركبة من دواعي الشهوة للطعام والشراب والجماع.

وحسب القديس الفرنسي توما الأكويني، “فإن الملائكة هم أقرب المخلوقات إلى الله، فهي مكونة من شكل نقي من دون مادة”، أي: إنهم لا يملكون تركيبًا ماديًا للمادة والشكل إلا أنهم يمتلكون التركيب الميتافيزيقي للفعل (فعل الوجود) والقوة (جوهرهم المحدود، ولكن بدون وجود”، وهذا الوصف للملائكة من فيلسوف مسيحي مؤمن، لا يعبر عن حقيقة الملائكة، وإنما اعتمد على الخيال في تصوير أشكالهم وهيئاتهم، ولكن جاء في الأثر ضمن تراثنا الديني، أن الملائكة من عالم الغيب ونحن مأمورون بالإيمان بهم، وقد ذكرت النصوص جملًا من صفاتهم: منها: أنهم خلقوا من نور، وأنهم  ذوو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وهم يمتلكون قوى عظيمة خارقة ينفذون بها أوامر الله في لمح البصر، ولهم هيئات جميلة تليق بمكانتهم كمخلوقات مكرمين، قال تعالى في وصف جبريل -عليه السلام-: ((عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)) (النجم: 5 – 6). وقد يطول بنا الحديث لو نستعرض النصوص التي تورد لنا صفاتهم وهيئاتهم.

ومن أجل تحقيق غاية تكليف الإنسان، شرّع له الله -تعالى- شرائع وأحكاما وأخلاقا، ليلتزم بها ويعمل بمقتضياتها الشرعية، ونهاه عن القرب من طريق الشر والغواية، والزيغ والهوى وقبائح الأفعال والأقوال، وأمره أن يلتزم طريق الحق والخير والهداية، ولما كانت التربية الحسنة والأخلاق الحميدة من مستلزمات الإسلام ومقاصده العليا، عظّم -سبحانه وتعالى- كل من يتحلى بهما، ويتخلّق بآدابهما ومكارمهما.

ولكي يحمل -سبحانه- عباده المؤمنين على حب التربية القويمة والأخلاق الفاضلة، أشاد بالأخلاق الحميدة التي كانت تميز السيرة العطرة للنبي -صلّى الله عليه وسلّم-، عن سير غيره من الناس في عصره وفي غير عصره، فقال في الآية الرابعة من سورة القلم: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ))، واتّباعا لمنهج القرآن الكريم، ورد في مسند الإمام أحمد وغيره، مما روي عن أبي هريرة، من أن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- قال: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ”، وفي رواية، “لأتمم مكارم الأخلاق”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!