-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا

سلطان بركاني
  • 2609
  • 0
وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا

يتوقّع الجزائريون أن يكون موضوع درس وخطبة الجمعة في أكثر المساجد هذا اليوم متعلّقا بأحداث الحرق والتخريب التي عرفتها بعض المدن في الأيام الماضية، والتي اندلعت بالتّزامن مع الوقفات الاحتجاجية التي نظّمها بعض المواطنين، للتّنديد بارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ورهن اقتصاد البلد لأرباب الأموال.

لا شكّ في أنّ أئمّة المساجد جميعا قد عزموا على الحديث في هذا الموضوع، من دون الحاجة إلى توجيهات أو تعليمات تتداولها وسائل الإعلام قبل أن تصل إلى أيديهم!.. الأئمّة سيتحدّثون عن حرمة الإفساد والتّخريب والحرق والتّرويع، وسيتحدّثون أيضا عن ضرورة الأخذ على أيدي المندسّين الذين يتخلّلون الصّفوف ويعيثون فسادا في الممتلكات العامّة والخاصّة، بعضهم يدفعهم التهوّر الممتزج بالنّقمة على الواقع الذي يعيشونه، وبعضهم الآخر يتمّ تسخيرهم من قبل جهات معيّنة لتوجيه رسائل مفادها أنّ المطالبة بالحقوق يستلزم الفوضى والفتن! 

وأيا يكن الباعث على هذا الفساد وأيا تكن الجهة التي تريد الاستثمار فيه، فإنّ الأئمّة سيقرعون الأسماع بقول الله جلّ وعلا: ((وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا))، وقوله جلّ شأنه: ((وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد))، وسينادون الشّباب بنداء الحقّ سبحانه ((ولاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلاَ يُصْلِحُون))، ويذكّرونهم بنعمة الأمن التي سُلبها كثير من المسلمين فذاقوا الويلات وتجرّعوا الغصص والحسرات.. الأئمّة من واجبهم أن يتحدّثوا عن كلّ هذا، لكنّ المجتمع ينتظر منهم ألا يقتصر حديثهم عن واجب الرعية في الحفاظ على أمن البلد، ويسكتوا عن واجب المسؤولين في سدّ الذّرائع التي يمكن أن يُتذرّع بها لتهديد الأمن ونشر والفوضى والفتن.. 

واجب على الأئمّة أن يخاطبوا عامّة المصلّين بمسؤوليتهم فيما يمكن أن تؤول إليه أوضاع البلد، ويذكّروهم بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخِذوا بالسنين وشدة المُؤْنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم”، لكنّه ربّما يكون من الواجب على الأئمّة أيضا أن يذكّروا المسؤولين بواجبهم في حفظ الدّين والعمل بتشريعاته وأحكامه وإقامة العدل وردع كبار اللّصوص قبل صغارهم، ويقرعوا أسماعهم بقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- المتمّم للحديث السّابق: “وما لم تحكم أئمتهم (أي حكّامهم) بكتاب الله ويتخيّروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.

هذا الذي حصل في بعض المدن الجزائرية من حرق وتخريب وترويع للآمنين، هو فساد محرّم، لكنّ بإزائه مظاهرَ كثيرة من الفساد استشرت في السّنوات الأخيرة، كانتشار المظالم واستطالة الأراذل والتساهل مع العابثين بالأرواح والأموال والأعراض والمتاجرين في الخمور والمهلكات، ناهيك عن فتح الأبواب على مصاريعها للشّهوات والملهيات.. وهي كلّها من الفساد المحرّم، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- عند تفسير قول الله تعالى: ((وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)): “قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشّرك به، هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به، ومخالفة أمره، قال تعالى:  ((ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ))”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!