-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يحاربون‭ ‬‮”‬المحيرقات‮”‬‭!‬

محمد يعقوبي
  • 4862
  • 1
يحاربون‭ ‬‮”‬المحيرقات‮”‬‭!‬

أوجعت قلبي الحملة التي يقودها بعض الأئمة ضد انتشار ظاهرة المفرقعات في الجزائر، وكيف أنهم يسابقون الزمن في الإذاعات والجرائد والتلفزيون بتجنيد من السلطات العمومية، لثني جماهير الشباب والأطفال عن إحدى مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لدى الجزائريين، وسمعت بعضهم يستعير لغة الأرقام الاقتصادية ليثبت لنا بالدليل القاطع حجم الإهمال والتبذير الذي يمارسه الجزائريون باسم المولد النبوي الشريف، بل سمعت أحدهم يرغي ويزبد ويشبه مستعملي المفرقعات من الأطفال والشباب بالشياطين التي تهاجم الملائكة! وآخر يعاتب الأولياء الذين‭ ‬يشترون‭ ‬‮”‬المحيرقات‮”‬‭ ‬لأبنائهم‭ ‬ويصور‭ ‬لهم‭ ‬المشهد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عصيان‭ ‬لله‭ ‬ولرسوله‭..‬

 

مع احترامي الشديد لحسن نوايا المحاربين لظاهرة “المحيرقات” من أئمة ومربين وإعلاميين، إلا انه يؤسفني أن أقول لهم جميعا “انتم تختلقون معارك وهمية، وتفسدون علينا أجمل لحظات العمر منذ كنا صغارا نخترع “محيرقات” بدائية لنعلن بها فرحتنا وحبنا للنبي صلى الله عليه وسلم.. تتحدثون عن أخطار بعض هذه “المتفجرات” وتلومون من يقتنيها ويستعملها وتنسون أن الدولة هي المسؤول عن إدخال الأنواع الخطيرة منها.. وتتحدثون عن التبذير وتنسون أن التبذير الحقيقي هو الفساد المستشري في هياكل الدولة. فإذا كانت المفرقعات تستهلك من الجزائريين بضعة ملايير سنتيم تصنع فرحة أبنائنا وشبابنا ليوم عابر، فإن التبذير الحقيقي ينخر جسدنا بملايير الدولارات، والبارون الواحد في بلادنا يستطيع نهب أكثر من 3000 مليار مقابل عشر سنوات سجن، ولا أحد يتكلم عنه بهذه الشحنة وهذا الغيظ.. والتبذير الحقيقي الذي لا يتكلم عليه إلا القليل هو ما يحدث تحت الأرض في احتفالات رأس السنة، من قمار ومجون وإفساد في الأرض.. والتبذير الحقيقي هو رمي ما لا يقل عن 500 مليار سنتيم من “الخبز اليابس” من موائد الجزائريين، والتبذير الحقيقي هو أكل حق الأجيال القادمة من البترول وإهدار الطاقات الوطنية وإفلاس المؤسسات العمومية وتشريد أبناء الشعب من عمالها، والعجز عن الاستثمار الفعال في احتياطي الصرف، وعدم القدرة على استغلال الأراضي الفلاحية الشاسعة التي وهبنا الله معها الأمطار والثلوج والطبيعة، ثم نجد أنفسنا عاشر دولة مستوردة للقمح في العالم.. 

لم تكن في يوم من الأيام “محيرقات” المولد هي مشكلة الجزائر والجزائريين، بل أجدها مفخرة لنا جميعا باستثناء ما يتخللها من مخاطر تتحمل مسؤوليتها أجهزة الدولة الرقابية. فالجزائريون وحدهم في العالم الذين يخرجون عن بكرت أبيهم ليحرقوا أموالهم إحتفالا بالمولد النبوي الشريف، وقد قالها لي مندهشا صديق عربي صادف وجوده في الجزائر احتفالات المولد قبل سنوات، فأدمعت عيناه لهول المشهد الذي يعلن خلاله الجزائريون لكل العالم ولو بطريقة فيها الكثير من العنف، أنهم يحبون رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم، بل يحرقون بعض أموالهم لإعلان‭ ‬ذلك،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬الجزائريين‭ ‬وحدهم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬يسمون‭ ‬أبناءهم‭ ‬‮”‬مولود‮”‬،‭ ‬ووحدهم‭ ‬من‭ ‬لديهم‭ ‬فريق‭ ‬المولودية‭ ‬ووحدها‭ ‬ليلة‭ ‬مولد‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬أيام‭ ‬السنة‭ ‬عند‭ ‬الجزائريين‭..  ‬

ليت أئمتنا ومربينا اقتصدوا طاقتهم لمحاربة الفساد الأخلاقي والمالي في الأحياء الشعبية التي يخطبون فيها، وتركوا أبناءنا يمرحون ويحرقون بعض أموالهم كمدا وغيظا فيمن ينهبون ملايين الدولارات دون أن يحاسبهم أحد. ليت أئمتنا استهلكوا جهدهم في محاربة الرذيلة والفساد والنفاق في الأحياء المحيطة بهم فقط.. ليتهم نقلوا المشهد السوري الفاضح إلى مريديهم وأشعروهم بواجب النصرة لإخوانهم المضطهدين في درعا ودير الزور وحمص.. ليتهم صلوا صلاة الغائب على شهداء مجزرة بور سعيد.. ليتهم وليتهم وليتنا جميعا نلتفت إلى المعارك الحقيقية بدل‭ ‬أن‭ ‬تستنزفنا‭ ‬المعارك‭ ‬الوهمية‭.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عنتر

    ان بعض الناس يريدون قتل كل ماهو جميل لانهم يرون الشوك في الزهر ولايرون الندى شكرا اك