”استشهاد” مستوطنين إسرائيليين!
صدّقوا أو لا تصدّقوا: فضائية “سي بي سي” المصرية تكتب أسفل شاشتها بالحرف الواحد: “استشهاد مستوطنين وإصابة اثنين آخرين طُعنا في القدس واستشهاد منفذ العملية” وذلك إثر عملية بطولية استشهادية قام بها شاب فلسطيني قتل خلالها مستوطنين اثنين تبيّن لاحقا أنهما ضابطان صهيونيان!
معنى هذا أن الفضائية المصرية تعتبر اليهود القتلى “شهداء في سبيل الله” مثلهم مثل المسلمين تماماً.. لا فرق بين الطرفين، ولا فرق بين المحتلين الغاصبين والمقاومين الذين يدافعون عن أراضيهم ومقدّساتهم المدنّسة.
ومع أن القناة اعتذرت عما حصل وزعمت التمسّك بـ”ثوابتها” ومنها “دعم حقوق الشعب الفلسطيني”، إلا أن الشكوك تبقى تراود المتتبعين: فهل هي فعلاً مجرّد هفوة غير مقصودة وقع فيها أحد المعتوهين العاملين في الفضائية؟ أم يتعلق بأمر مقصود، وقد تراجعت القناة عنه بعد أن ثارت عليها ردودُ أفعالٍ عاصفة في مواقع التواصل الاجتماعي وخافت من العواقب؟
الله أعلم بالنيّات، ولكن ما أقدمت عليه الفضائية المصرية قد يعكس توجّه النظام الحاكم بالبلد، ولا يخفى عن أحد أن هناك توجّها معاديا للفلسطينيين في مصر منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، وقد تصاعد بشكل غير مسبوق منذ انقلاب 3 جويلية 2013، وانعكس ذلك بشكل جليّ في تشديد الحصار على غزة وإقامة منطقة عازلة وغلق معبر رفح وصولا إلى إغراق كل الأنفاق وتدميرها بمياه البحر المالحة. وهو ما أثار حتى حفيظة الكاتب البريطاني آسا وينستانلي الذي آلمه هذا البغي والجور، فكتب مقالاً في موقع “ميدل إيست مونيتور” في 4 أكتوبر الجاري ينتقد فيه بشدّة إغراق الأنفاق ويؤكد أنه يأتي في إطار “امتنان مصر للدعم الأمريكي والإسرائيلي”؛ فأمريكا تقدّم مساعداتٍ اقتصادية لمصر ما جعلها تقدِم على “تنفيذ توجيهات إسرائيل في المنطقة” واللوبي الصهيوني في أمريكا، وخاصة جماعة “إيباك”، أقنع الرئيس أوباما بدعم النظام الحالي في مصر، ما جعله يقوم بإغراق الأنفاق امتناناً لهذا الدعم.
وعندما يقوم الموتورون في الإعلام المصري بحملة مكثفة لشيْطَنة المقاومة في غزة، وكيل اتهامات خطيرة لها دون أي دليل، وتحريض الجيش المصري على ضربها، وتوجيه الشكر لنتنياهو على ضربها في الصيف الماضي، ووصفها بـ”الإرهاب”… فإن ما وقعت فيه فضائية “سي بي سي” من وصف القتلى اليهود في القدس المحتلة بـ”الشهداء” يبدو مجرّد امتداد لهذا المسار المعادي للمقاومة الشريفة في غزة وكل فلسطين.
الكيانُ الصهيوني يتحوّل إلى “دولةٍ شقيقة” إذن، والمستوطنون القتلى يتحوّلون إلى “شهداء” والمقاومون الفلسطينيون يُصنّفون “إرهابيين” ويتعرّضون للشيْطنة ولحملة تحريض جائرة لتكريه الشعب المصري فيهم.. هل رأيتم نذالة وحقارة أكثر من هذه؟
لكن عزاءنا أن هناك شرفاء في فلسطين يقدِمون دون تردد على طعن المحتلين الصهاينة أو دهسهم بسياراتهم، وهم يعلمون أن ثمن ذلك سيكون حياتهم على الأرجح.. وأن هناك شعباً حرّا أبيّا بدأ ينتفض ضد المحتلين ويهيّئ لانتفاضة ثالثة ستعصف بالظالمين.. هؤلاء الأبطال هم فخرُ هذه الأمة من المحيط إلى المحيط، ولن يضرّهم من خالفهم أو خذلهم إلى أن يأتي الله بأمره.