-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الياس سالم يقدّم فيلمه السينمائي الطويل الثاني بعد "مسخرة"

“الوهراني”..بين دفء الثورة وصقيع الاستقلال!

الشروق أونلاين
  • 2585
  • 2
“الوهراني”..بين دفء الثورة وصقيع الاستقلال!
ح.م
لقطة من فيلم الوهراني " الوهراني "

سيكون المخرج الياس سالم، وبعد عمله السينمائي الجديد “الوهراني” (ثاني أفلامه الطويلة بعد “مسخرة”) مضطرا في المستقبل القريب لمواجهة العديد من الأسئلة والتهم الجاهزة، أخطرها “شيطنة الثورة” وبيع القداسة، وأخفها..الإساءة لسمعة البلاد وتاريخها! لكن في الوقت ذاته، سيكتشف الجميع من خلال هذا العمل الجديد ميلاد مبدع آخر، ناقم على سينما التمجيد والتزوير والتطبيل، ومتصالح جدا مع “واقعه”..

عرض الياس سالم فيلمه الجديد “الوهراني” أول أمس بقاعة الموڤار في الجزائر العاصمة، منتشيا بأولى الجوائز التي حصل عليها العمل من مهرجان الفيلم الفرانكفوني لأنغوليم (فرنسا) قبل أسبوع فقط، وهي جائزة أحسن ممثل لالياس سالم ذاته.. هذا الأخير، وبالاعتماد على ملامحه تسلل لقلوب المشاهدين حين صادفوه ممتعا ومضحكا في “مسخرة” وها هو اليوم يرتدي ثوب “الثوري والسياسي حاد الطباع” في “الوهراني”..

من يشاهد بداية الفيلم، يعتقد أننا بصد عمل جديد يدخل في إطار السينما الثورية، السينما التي تمجد نوفمبر قبل ذكراه الستين، لكن مع تعاقب الأحداث، نكتشف سريعا أن قصة الفيلم وإن كانت تستند إلى الثورة فعلا، فهي تقدمها بوجه مختلف.. ثورة مجيدة واستقلال مكسور “الخاطر”، تملؤه حكايات الفساد، وغدر الرفاق، واغتصاب الشرف، وعسكرة الدولة، ومقاومة التعريب، والدفاع عن الهوية الأمازيغية، وصولا إلى رسم معالم الخيانة..حكايات صنعت الفارق بالنسبة للدولة الوطنية، ما بعد الاستقلال، وللجزائريين عموما في سنوات السبعينيات ثم الثمانينيات..صحيح أن “الوهراني” لم يجب على كل تلك الأسئلة دفعة واحدة، (ربما لأن الياس سالم يرفض تبديد طاقته كلها في عمل واحد) لكنه اختزل قضية التعريب في مشهد “كوميدي” (بطله الممثل مراد خان) واختزل الحديث عن الهوية في مشهد آخر (يجمع عدد من أبطال الفيلم في رحلة عائلية للغابة) كما اختزل البطش الأمني في مشهد أو مشهدين(ملاحقة أحد الصحفيين وتعذيبه بتهمة البحث عن الحقيقة وإغضاب..لمْعلّم والتحرّش بماضي ابنه بالتبني)!

منذ البداية، يقدم لنا الياس سالم “جعفر الوهراني” في ثوب البطل الذي يحتفل الجميع بعودته..يمجّده الصغير قبل الكبير، يحتفي به رئيس البلدية رسميا، ويرفعه الجيران على الأكتاف شعبيا، لكن فرحة الاستقلال ضاعت (من وجهة نظر المخرج وكاتب النص) حين يعلم جعفر أن حبيبته وزوجته ياسمين تم اغتصابها انتقاما من صعوده الجبل..لا يتوقف العذاب هنا، بل سيكون جعفر مضطرا أن يربي “ثمرة هذا الاغتصاب” على يديه، ويعتبره جزءا من “حبه المغتال” دون أن يلهي نفسه بالتفكير طويلا في نصفه الثاني..”الاستعمار”.

يكبر بشير، وتكبر معه الأسئلة،..”لماذا أنا ومن دون كل العائلة، عيوني زرقاء؟”..الإجابة لا يملكها حتى “السعيد” (الممثل خالد بن عيسى) صديق جعفر، وأحد الذين يملكون كل أجوبة السلطة ما بعد الاستقلال، حيث يظهر في أكثر من مشهد وهو يصعد سلم “الأفلان” رافضا اقتسام “البلد”مع أي طرف آخر، فمن وجهة نظر “السعيد”(المتزوج من أمريكية والذي يعيش حياة غربية) لا أحد يحق له المشاركة في “الجزائر” سوى من صنعوا ثورتها وان كانوا فاسدين..انه يمنح لنفسه حق السرقة وامتياز اللصوصية، بل ويقتل أحد رفاقه لأنه وقف في طريقه !

تتطور أحداث الفيلم وتتصاعد..موسيقى أمازيغ كاتب تحضر لتعطي نسقا مختلفا..علما أن عنصر الموسيقى لعب دورا مهما في توجيه المشاهدين، منذ بداية الأحداث وحتى نهاية العمل .. هنا، وضمن مشهد يغادر فيه “جعفر” صديقه السعيد” الراقد بين الحياة والموت، يخبرنا المخرج أن البطل الثوري استعاد بعض “عذريته”وتوصل لعقد “صفقة” مع ابنه بالتبني بشير..يصالح بها هذا الأخير ماضيه، في مقابل أن يصالح جعفر نفسه.

في “الوهراني” يفتح الياس سالم الباب على عالمين متناقضين:قداسة الثورة التي صنعت من جعفر ورفاقه أبطالا للثورة، وزمن الاستقلال الذي حولهم إلى أثرياء جدد، يبحثون عن المال نهارا ثم يحتفلون بجمعه في الكباريهات ليلا !

يتعثر الفيلم قليلا في تكثيفه لمشاهد “الكباريه” والخمور.. وأيضا في استعمال بعض الكلمات النابية بشكل غير مبرر في النص أحيانا، بحثا عن تميز” ربما، أو تأكيدا لـ “جرأة” العمل، أو بهدف تكسير الطابو الأخير، فبعد طابو الثورة لا يمكن القبول بمزيد من الخطوط الحمراء.

الفيلم يجمع بين دفء الثورة وصقيع الاستقلال، بين قداسة نوفمبر 54، وبشاعة ما بعد جويلية 62. (في المشهد ما قبل الأخير، يطلب السعيد من رفيقه جعفر قليلا من الماء، حين لا يجد، يرد بسخرية: هل جاهدنا حتى لا نجد ماء نشربه بعد الاستقلال؟). يلعب الياس سالم على هذه المتناقضات بكثير من المكر” والذكاء، يدين المرحلة السياسية دون تسمية واحد من شخوصها، و”يغسل” التاريخ الرسمي عبر صداقات تنفجر سريعا بفعل الرغبة الشديدة في اقتسام الوطن !

 

الياس سالم “يحرّر” الثورة.. أم يروّضها؟ !

بات الانطباع الشائع عن السينما الثورية، أنها لا تهدف فقط للتمجيد مثلما يقول المدافعون عنها، وفي مقدمتهم “العرّاب” أحمد راشدي، لكنها مع مرور السنين، أضحت سينما “للتضليل”.. ورسملة “الوهم” وبيع الأكاذيب!

المثير للانتباه، أن هؤلاء السينمائيين الذين منحوا الشاشة الكبيرة العديد من الأوهام، لا يفعلون ذلك حبّا في (لـ) الوطن، ولا دفاعا عن الثورة، ولا حتى تضامنا مع التاريخ “الرسمي” المهدد بالزوال، لكنهم يفعلون ذلك، مقابل المال الوفير الذي تقدمه الدولة، أو لنقل السلطة، ومن أبرز مكوناتها “وزارة المجاهدين ثم وزارة الثقافة”..

ما يقوم به هؤلاء حاليا، يشبه تماما أن تضع يدك أمام الشمس، لتخفي ضوءها ثم تسأل: لا أرى شيئا، أين الضوء الذي يتحدثون عنه؟ فكاتب النص في مثل هذه الأفلام، يكتب كمن يريد أن يمحو..يقدّم سينما مليئة بالعدم، خالية من الاتهامات و”المحاكمات” ومليئة بالغرور الوطني.. لكن في العقد الأخير، بدأنا نشهد أعمالا تحمل توقيعات مخرجين شباب، يريدون الانتقام لجيلهم أو حتى لجيل الثورة، من يعلم؟

السينما التي يبشر بها الياس سالم، هي سينما لا تقوم على “التخطيط المسبق” فمثلا ينضم جعفر (بطل فيلم الوهراني) لجبهة التحرير دون استئذان، فقد وجد نفسه مجاهدا محكوم عليه بالصعود للجبل صدفة، حين قال له صديقه السعيد (الممثل خالد بن عيسى) مجيبا على عملية فراره الأولى..إنها الثورة”…

هل يعدّ هذا الفيلم مغامرة محسوبة العواقب، تطهّر مشروع من زمن الوصاية؟ أم أنها انتحار مسبق؟ تحديدا عندما نعلم أن وزارة الثقافة، وأحد أبرز مكونات المشهد الثقافي في الوقت الراهن، الوكالة الوطنية للإشعاع الثقافي، يقفان كجهة داعمة لـ”الوهراني”.

سؤال آخر: هل يعدّ “الوهراني” ضوءا أخضر أمام الياس سالم وجيله لتحرير للثورة من “قداستها” أم أنه مجرد “ترويض” وتسكين للأسئلة متفق عليه؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • شاوي مقطر

    الرفد الفيلم نتاعك او اطير تلفتنا الهدرة يا الراسة.............

  • بدون اسم

    حتى تعطي السينما الجزائرية حق الثورة من جانبها الايجابي و التمجيد تعال تحدث عن الجوانب الاخرى أعتقد أن كل من يذهب لفرنسا من الممثلين أو المخرجين يتعاملون مع الجزائر من ناحية الجوانب الشاذة عن المجتمع الجزائري ويعظمون من أمرها ولست أفهم سبب ذلك هل هو نيل رضى النقاد الفرنسيين هناك أو السعي لنيل الجوائز الاجنبية