-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الذات المتعالية عن واقعنا

الذات المتعالية عن واقعنا

بعيدا عن التفلسف، وعالمه الغامض الغريب، ونأيا بالقارئ الكريم عن مصطلحات الفلسفة، وما تتطلبه من تأويل وتأخير وتقديم، ونزولا بقضايانا المصيرية إلى دنيا الناس، في غير تمويه أو التباس، تأتي هذه المحاولة لتسلط الضوء على بعض أنواع الإعاقة في منهج عملنا الوطني الإنساني، قصد تخليصه مما يلاقي وما يعاني.

  • إن إخضاع عملنا التنموي، للتأمل الهادي الموضوعي الرزين، ليكشف عن مدى تعقيد العوامل المسببة للإعاقة، وتداخل عناصر المؤخرة والمقدمة، وتنافر اتجاه العربة بالقاطرة.
  • فبين ذات متفانية، متهاوية، مسحوقة الكرامة، فاقدة لرموز الهوية، ولكل مميزات أو علامة، وبين ذات أنانية، متعالية، تستمد معالمها من قيصرية كسروية، بائدة، ومن قارونية فرعونية عائدة، ضاعت السيادة، وضعفت الإرادة، وفقد الجميع الأمل في القاعدة، وفي القيادة.
  • فهذه الثقافة »الزئبقية« السائدة في حياتنا اليوم، قد فتكت بالضمائر، وهتكت ستر الحرائر، وجلبت علينا ما لا يعد ولا يحصى من الخسائر.
  • إنهم نماذج من البشر نصطدم بهم في واقعنا اليوم، فسيتفزوننا في أكثر من ميدان… فهذا الطفل الذي، سكن العنف، نفسيته، فهو يعبث في الأرض، ويعيث فسادا في كل ميدان، تستوي في ذلك قطع السيارة، وجدران وأبواب العمارة، ورموز ومعالم الإدارة، وواجهات ومحلات التجارة، إنه يقدم على كل ذلك بوقاحة وجسارة، ولكم أن تبحثوا عن كوامن هذه التصرفات الشاذة المنافية لأبسط قواعد الحضارة.
  • وهذا السائق، الذي تقوده السيارة، ولا يقودها، فيراوغ بها، غير مبال بقانون السير ولا حركة المرور، فهو يسخر من الناس، ويدوس على المشاعر والأنفاس، دونما خجل، أو إحساس، وتتساءل في حسرة وابتئاس، أين أثر المنظومة التربوية، والتربية المدنية، وما تدعي أنها تقدمه للناس؟
  • فإذا انتقلت إلى الإداري، فهو الطامة الكبرى، في نشر النرفزة والعنجهية، وتفشي العبثية والبيروقراطية، وإجبار الناس على تقديم الرشاوى، وإفساد الذمة المالية، بعيدا عن الضمير المهني وكل القيم الوطنية، والأخلاق الإسلامية.
  • ويزداد الفساد فشوا واستفحالا كلما ارتقيت صاعدا في سلم التصنيف الاجتماعي، لتجد نفسك على مستوى التنظيمات الحزبية، والهيئات السياسية، والجمعيات الثقافية، والعلمية، والدينية، لتنكشف لك سلوكات لا وطنية ولا إنسانية، إنها تكاد تكون كلها، محكومة، بمواقف انفعالية، تجتمع كلها على ذات أنانية متعالية عن القواعد التحتية، تعيش وسط أوهام، وأنواع من الخيال نسجتها لها نرجسية مقيتة، وذاتية مميتة.
  • إن كل قائد فها رمز وأي رمز، علا على عباد الله بما حقق من قارونية، اكتسبها من مص دماء المستضعفين، وعرق جبين الكادحين.
  • ورمز وأي رمز، بما اغتصبه من التلفيق، والتصفيق، والتزويق، فزيف الإرادة، وكبت الشعور بالسيادة، إذا حدث صعّر خده للناس، فهو يمضغ أقوالا جوفاء، ويكرر قصصا وهمية لا تخرج عن الإشادة بذاته الصفراء، وأين من هذه الأصناف، رجال كنا نعدهم من الأخيار، ونعدهم لمجابهة المتكبرين، والفجار، غيرتهم الكراسي والأحلام، فعلى عهدهم القديم السلام، لقد بطل ما كانوا يؤمنون به، وفسد ما كانوا يدعون إليه، فما منهم إلا الذي تملكته الضغينة، والأحقاد الدفينة، فانعكست ـ من خلال أعصابهم النحيلة ـ عن نفس مريضة هجينة.
  • وما منهم إلا الذي يداري ويداهن، فهو يلبس لكل زمن لبوسه، ويغير المواقف أمام كل من يطمع فيه فيعانقه ويبوسه، ومنهم هذا المغتاب السباب الذي لا ينظر إلى العالم إلا من خلال ذاته، ولا يؤمن بأية قيم أو أوصاف خارج ذاته وصفاته.
  • سبحاهن الذي ابتلانا، بهذا الرهط من البشر، ممن نلتقي بهم في السياسة، وفي الثقافة، وفي الدين، وفي الإعلام والأعلام، وكلهم لا يرعوون عن اتخاذ أقرب سبيل، للتضليل، ولو استخدموا العلم لذلك دليلا، أو الظلم سبيلا.
  • ومما زاد الطين بله، في بروز هذه الظواهر البشرية، إحاطة أنفسهم ببعض ذوي النفوس المريضة من الانتهازيين والوصوليين الذين يهللون لكل زنيم، ويحولون كل ممثل دجال، إلى عظيم وزعيم… فأين يكمن الفساد؟ هل في الراعي أم الرعية؟ أم في الأبوين أو الذرية؟ أم في المدرسين أو المنظومة المدرسية؟ أم في القوانين التنظيمية أو الهيكلة الحزبية؟
  • أيّا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة، فنحن نبحث عن شعب الثورة والاستقلال، الذي فقدناه بعد أن عرفناه، ونبحث عن شعارات نبيلة رفعناها، ثم دفناها، وكان منها »بطل واحد هو الشعب«.
  • لقد ضعف الطالب والمطلوب، وتساوى الغالب المغلوب، واضمحل الراغب والمرغوب، وما ذلك إلا انطباق قول الشاعر العربي فينا.
  •  
  • ورثنا المجد عن آباء صدق
  •                  أسأنا في ديارهم الصنيعا
  • إذا البيت الرفيع تعاورته
  •                  بُنَاةُ السوء، أوشك أن يضيعا
  •  
  • إن الوطن كيان مقدس، لا يدخله إلا المطهرون نفسيا، وعقليا، وأخلاقيا، واجتماعيا… ولا يتقلد المسؤولية فيه، إلا مؤمنون بقضاياه، والعاملون بوصاياه، فإذا اختلت هذه المعادلة، وسادت بدلها المقايضة، والمساومة والمبادلة، فبشر الوطن بالانهيار، وأهله بالاندثار، ومن علامات ذلك، تفشي آفات الإحباط واليأس، والحرڤة والاغتصاب والانتحار.
  • أشهد الله أنني آمنت ولازلت مؤمنا بالجزائر جليلة، جميلة، نبيلة، أنجبت العلماء، والعظماء، والشهداء، واثقا بقدرتها على النهوض من كبوتها، والوقوف بعد عثرتها، رغم ما فعله ويفعله المفسدون بعترتها، وصفوتها.
  • وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فإن عملية الوفاء لميلون شهيد تبدأ بوقفة، وقفة تأمل فيما مضى، وفيما هو آت، ورحلة عمل لمحو الآفات والخلاص من الإعاقات.
  • وإذا كان منا الصالحون، ومنا دون ذلك، فإنا منا المؤمنون ومنا القاسطون، وعلى هؤلاء تقع مسؤولية العودة إلى الذات الوطنية، الحضارية، الإسلامية، التي هي بمثابة، الطارد لكل نحس، المبطل لكل تعس، القاضي على كل ألوان الذوات المتعالية، أو المتهاوية للسقوطوبذلك يصبح وطننا الجزائر أشبه بالراية التي تتساقط حولها المهج، وهي قائمة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!