-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أعمر صالحي ذلك الجزائري الذي هرب من جحيم منفى كايين

ماجيد صراح
  • 5107
  • 0
أعمر صالحي ذلك الجزائري الذي هرب من جحيم منفى كايين
ريشارد ويردلي
نصب تذكاري للمنفيين في كايين كشاهد على معاناتهم.

كايين هي عاصمة غويانا الفرنسية وتقع على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، ولها حدود مع كل من البرازيل وسورينام، وهي تبعد عن العاصمة الجزائر أكثر من 6 آلاف و600 كيلومترا. منذ أن وضعت فرنسا يدها على هذه الرقعة من العالم استغلت نظام العبودية والتجارة بالرقيق القادم من إفريقيا من أجل تعميرها بأياد غير مكلفة، حيث تم بناء كايين عام 1637.

لكن ومع منع العبودية في كل المستعمرات الفرنسية عام 1848، لجأت فرنسا لنظام آخر يسمح لها بتوفير يد عاملة رخيصة. فبعد المهاجرين القادمين من الهند والصين لتعويض العبيد في المزارع، قامت فرنسا بتحويل “كايين” إلى منفى ترسل إليه المجرمين، واللصوص كذلك الجواسيس، الفوضويين والمتمردين وذلك للقيام بأشغال المنفعة العامة.

جحيم المنفى

فضاعة هذا المنفى يرويها هنري شارير، في روايته الشهيرة “بابيون” التي تم تحويلها لفيلم سينيمائي تصور حياة المساجين ، ومن بينهم شاريير، في كايين وما كانوا يتعرضون له.

من 1867 إلى 1887 كانت غويانا الفرنسية تستقبل منفيين فقط من أبناء البلدان التي استعمرتها فرنسا محكوم عليهم بالأشغال الشاقة، وأغلبهم جزائريون. هؤلاء تم استغلالهم لبناء سجن لاستقبال المنفيين إلى هذه البقعة من العالم.

في كتابه “المنفيون الجزائريون إلى كايين”، تحدث مصطفى حاج علي عن حياة 20000 جزائري، منهم 20 إمرأة، نفاهم الإستعمار الفرنسي إلى هذه البقعة من العالم.

أيضا، فإضافة للمنفيين الجزائريين إلى غويانا الفرنسية، فقد نفى الإستعمار الفرنسي أيضا ألاف الجزائريين إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة، الواقعة جنوب غرب المحيط الهاديء، على بعد أكثر من 18 ألف كيلومترا من الجزائر. ومن بين المنفيين الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة بين 1864 و1921 كان بينهم 350 منفيا سياسيا خصوصا من المشاركين في الإنتفاضات الشعبية.

نصب تذكاري في الجزائر العاصمة تخليدا لأولئك الجزائريين الذين نفتهم فرنسا الإستعمارية. صورة ماجيد صراح.

المنفيون الجزائريون كانوا يحافظون على عاداتهم حتى في المنفى، فكان المتحصلون منهم على الحرية بعد انقضاء فترة الأشغال الشاقة يكونون مجموعات للعمل في مناجم الذهب، أو الزراعة أو التجارة. مع استبعاد العمل عند المعمرين الأوروبيين.

الهرب ومخاطره كسبيل للنجاة من المنفى وويلاته

عكس الصينيين الذين استقروا في كايين، أو الفرنسيين الذين أرسلتهم فرنسا إلى المنفى والذين كانوا يبحثون عن الذهاب إلى بلدان أخرى مثل البرازيل وفنزويلا، كان الجزائريون والتونسيون والمغربيون الذين نفتهم فرنسا الإستعمارية إلى هذه البقعة يعملون على جمع ما يكفي من المال من أجل العودة إلى ديارهم.

إضافة لأولئك الذين ينتظرون نفاذ فترة عقوبتهم للعمل على العودة إلى ديارهم، كان هناك من المنفيين من يعملون على الفرار سواء في مجموعات أو فرادى من المنفى وظروفه اللاإنسانية للعودة إلى ديارهم. وبين 1860 و1907 تم تسجيل 316 محاولة فرار من كايين منها 143 محاولة في مجموعات.

وكانت محاولات الهروب هذه تدوم حوالي عام وتتخللها عديد المخاطر كملاحقات الحراس، الغرق في الأنهار، التعرض للحيوانات المفترسة في الأدغال أو التماسيح في الأنهار.

من بين هؤلاء الذي هربو من منفى كايين وويلاته، أعمر صالحي

عام 1917 قام أعمر صالحي بقتل “قايد” دواره، دوار الريش، في ولاية البويرة حاليا. فحكمت عليه محكمة الجنايات بعقوبة الأشغال الشاقة لمدة 15 عاما على أن يعاقب عليها في مستعمرة غويانا الفرنسية وبالضبط في شبه جزيرة كايين.

كان ذلك في منتصف الحرب العالمية الأولى (1914– 1918) حيث تم  تسخير كل بواخر نقل المحكومين لنقل الجنود والعتاد الحربي. وبالتالي كان على المدانين الإنتظار لسنوات في سجن الحراش.

 كي يتم بعد ذلك استئناف نقل المحكوم عليهم بالنفي إلى غويانا عبر خط “سان مارتين دو ري – الجزائر – غويانا”، ويصل صالحي إلى منفاه عام 1921.

حكم على أعمر صالحي بالأشغال الشاقة مع الإقامة الجبرية في المستعمرة مدى الحياة. وبالتالي الحل الوحيد الذي رآه صالحي هو الفرار من المنفى. وكان ذلك عام 1922، أي عاما فقط بعد وصوله.

من كايين لفنزويلا…

كان أعمر صالحي في مجموعة مكونة من عشرة منفيين جزائريين آخرين هربوا من سجن “غوديبير” التابع لبلدية سان لوران دو ماروني في غويانا الفرنسية. المجموعة تفاوضت مع مهرب سري ليقوم بتمريرهم عبر نهر ماروني الذي يبلغ عرضه 3 كيلومترات كي يجدوا أنفسهم بعد ذلك في سورينام التي كانت آنذاك مستعمرة هولندية.

كي يدخلوا بعد ذلك أدغال غابة الأمازون مع مئونة طعام تكفي لمدة 13 يوما. في اليوم السابع المجموعة كان عليها أن تمر عبر واد تملؤه التماسيح، وهنا فقدت المجموعة شخصين. في اليوم العاشر، فقدت المجموعة شخصا ثالثا بعد تعرضه للإصابة في الكاحل وعدم قدرته على السير، فراح ضحية الحيوانات الضارية.

وقد وقعت فرنسا اتفاقات مع البلدان المجاورة لغويانا للإبلاغ عن السجناء الهاربين وإرجاع الفارين المتواجدين على أراضيها.

كي يفترق السبعة لاحقا في مجموعات أخرى صغيرة، فذهب أعمر صالحي مع شاب آخر من أقبو اسمه عاشور. حين وصول الرجلين إلى باراماريبو، عاصمة سورينام، عمل الرجلين في مناجمها لمدة 5 أشهر. حتى تمكنا من جمع ما يكفيهم من المال لدفع ثمن الرحلة إلى فنزويلا عبر قارب مع ثلاثة جزائريين آخرين التقوا بهم في المنجم.

بعد عبورهما، انفصل الإثنان، فعاشور فظل الإتجاه نحو مدينة “جورج تاون” في غويانا البريطانيا، بينما واصل أعمر صالحي رحلته نحو فنزويلا.

عمل أعمر صالحي في فينزويلا ما سمح له بجمع ما يكفي من المال، حتى أنه تزوج وأنجب أبناء.

العودة إلى الجزائر

عاد في 1962 إلى الجزائر وبالضبط إلى دواره في بويرة حيث إلتقى ابنه متزوجا وله أبناء، لكن وجد زوجته متوفية. كي يعيش أعمر صالحي 20 عاما مع ابنه وأحفاده في الدوار الذي نفي منه وهو شاب. إلى أن توفي عن عمر يناهز 95 عاما.

قصة المنفي الذي هرب من منفاه في غويانا الفرنسية أعمر صالحي، يرويها مصطفى حاج علي في رواية تحت عنوان “الهارب من كايين” الصادرة مؤخرا عن دار الأمل للنشر والتوزيع.

الكاتب وبعد أن أصدر عديد العناوين التاريخية حول المنفيين الجزائريين في كل من كاليدونيا الجديدة وكايين، كتب  رواية “الهارب من كايين” وذلك لرسم صورة أعمر صالحي، وعبره صورة العديد من الجزائريين الذين هربوا من ويلات  المنفى.

“الرواية مبنية على قصة حقيقية. بعد أن اتصلت بي أسرة الهارب أعمر صالحي، أجريت سلسلة لقاءات مع أحد أحفاده من أجل جمع المعلومات اللازمة عن مسار جده. كذلك التقيت عديد المرات مع كبار السن الذين قضى معهم وقته في السوق وفي المقاهي في البويرة بعد عودته من فنزويلا عام 1962. كذلك تمكنت من الإتصال بالعائلة التي تركها في فينزويلا عبر أسرته”، يقول مصطفى حاج علي للشروق أونلاين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!