-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أرحنا “منها” .. يا بلال

أرحنا “منها” .. يا بلال

يجتهد بعض الأئمة الجزائريين، كما فعلوا في السنوات الأخيرة، في تقديم ما يسمّونه بـ “مضار” الإطالة في صلاة التراويح، ويتحوّلون بين “حرص” طبي على صحة الرجال والنساء الذين يقومون الليل، وبين “حرص” اقتصادي حتى يعود العمال إلى بيوتهم للنوم، فيباشروا في اليوم الموالي عملهم، حتى تتخيل أن مشاكل البلاد توقفت عند “التراويح”.

 وعندما يقول أحد الأئمة إن التطويل في صلاة التراويح سيجعل بعض المصلين ينفرون من القرآن الكريم، لأنه أتعبهم وأبعدهم عن متابعة مباراة الكرة، أو النوم، فإن المستمع لهته الفتاوى إن صح تسميتها بذلك، سيتصوّر بأن القرآن الكريم الذي فيه شفاء للناس من أمراض المجتمع! وما هو رحمة للعالمين خطر على صحة واقتصاد الأمة!!! رغم علم هؤلاء المفتين بأن الناس لا تستمع إليهم، لأنهم صاموا دائما عن الفتوى في الأمور التي شغلت الناس، ناهيك عن كون الفتوى لها أهلها الذين يحققون الإجماع، وعندما كان الصيام أفطروا فتوى.

لا أحد قال بأن صلاة التراويح فرض، أو حتى سنة مؤكدة، لأجل ذلك من المعلوم أن مؤديها بإمكانه الانسحاب في أي ركعة شاء، إذا كانت لديه أشغال أو أصيب بالتعب، أو حتى الغياب في بعض أيامها أو كلها، حتى لو أراد الإمام المقرئ أن يجوّد آيات الله إلى غاية منتصف الليل، ولم نسمع عن إمام اشترط على من يصلون من خلفه أن لا يغادروا المسجد إلى صلاة الوتر، أو اشترط الحضور الدائم، ومع ذلك ورث بعض الأئمة “هفوات” وزير الأوقاف السابق، وصاروا يفتون بالتخفيف في صلاة التراويح التي صار لها جيش من محبي كتاب الله، شغلتهم الدنيا بمشاكلها طوال السنة، فوجدوا فيها متنفسا لأداء الصلاة جماعة، والاستماع للقرآن الكريم كاملا بتلاوة أو تجويد، وهي الصلاة التي يقال إن عدد الذين يؤدونها في الجزائر لا يقل عن ثمانية عشرة مليونا، وهو رقم كبير لم تتمكن حتى أفراح الكرة من جمعه على مدار عقود، وهي أيضا وسيلة تحدّ تاريخية كان يصليها الشيخ عبد الحميد بن باديس وأبناؤه، وكان يصليها الجزائريون في الليالي الشتوية في العشرية السوداء، عندما كان الخروج إلى الشارع خطرا في النهار.. فما بالك ليلا.

لو فتحنا ملف رمضان في الجزائر، لوجدنا الكثير من النقاط السوداء، فالشهر الذي من المفروض أن تصفّد فيه الشياطين، استنسخ منها البشر مثيلا لها، فصار موعدا للربا والقمار والسرقة والتبذير، وتكاد تكون صلاة التراويح هي النقطة البيضاء الوحيدة في هذا الشهر، يشد لها الرجال والنساء والأطفال الرحال، في واحدة من مظاهر الأعياد التي لا تمنحها أي وسيلة أخرى، ومع ذلك لا يقول بعض الأئمة كلمة حق لدى سلاطين الجور من المضاربين في تجارتهم، والهاربين من مناصب عملهم، ويتجرؤون على صلاة لا أحد اشتكى منها، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى بلال بن رباح كلما حان وقت الصلاة، ليقول له: أرحنا بها يا بلال، صرنا نخشى أن يقول بعضنا أرحنا منها، ليس بالسرعة في الإتيان بها، وإنما في إلغائها نهائيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!