-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أقيلوا عن “رجال الدّين”!

سلطان بركاني
  • 2825
  • 0
أقيلوا عن “رجال الدّين”!

لا تكاد تحلّ بأمّة الإسلام فتنة لها علاقة بدينها، إلا وتنطلق أقلام كثير من الكتاب والصحفيين لسلق من يوصفون بـ”رجال الدّين” وتحميلهم مسؤولية ما يستجدّ في واقع الأمّة من انحدار في الأخلاق وانتشار للآفات والموبقات وفشوّ للعقائد الشاذّة وتمدّد للطّوائف المنحرفة، وربّما يصل الأمر ببعض هؤلاء الكتاب إلى حدّ اتّهام العلماء والأئمّة والدّعاة بجهل حيثيات الواقع ووصم خطابهم بالبائس والمتخلّف والعاجز عن المواجهة!.

ابتداءً لعلّه يكون من المناسب أن نلفت الانتباه إلى أنّ “رجال الدّين” مصطلح نصرانيّ كنيسيّ لا يأنف منه أحبار النّصارى، ولا يخالف واقعهم ولا دينهم المحرّف، لكنّه لا يصحّ أبدا أن يستعار لإطلاقه على علماء المسلمين ودعاتهم وأئمّة مساجدهم، لأنّه يجعل الدّين شأنا خاصّا بفئة من النّاس ينقطعون لتعلّمه وخدمته والحديث باسمه، أمّا عامّة النّاس فهم أهل الدّنيا ولا شأن لهم بالدّين إلا في أحوال وأوقات قليلة يأخذون فيها من بركة “رجال الدّين” الذين يُنظر إليهم على أنّهم شفعاء ووسطاء بين عامّة النّاس وبين خالقهم!.. هذه القسمة لا يقرّها دين الإسلام الذي يوجب على كلّ مسلم أن يكون مهتما بدينه، معنيا بتعلّم ما يلزمه تعلّمه من عقائده وأحكامه وآدابه، ساعيا لخدمته ونصرته والذّود عنه.

من يُسمَّون “رجال الدّين” يتحمّلون المسؤولية الأكبر في استفراغ الوُسع للحيلولة دون وقوع الانحراف في واقع الأمّة وواقع المسلمين، وفي التصدّي لكلّ انحراف قبل وأثناء وبعد وقوعه، لكنّ وقوع الانحراف واستشراءه لا يعني بالضّرورة ولا يلزم منه في كلّ الأحوال أنّ كلّ الأئمّة والدّعاة والعلماء أو جلَّهم قد قصّروا في واجبهم أو أنّهم لم يكونوا في مستوى التحدّي والمواجهة، وإلا كان من السّائغ أيضا تحميل الأنبياء المؤيَّدين بالوحي والمعجزات مسؤولية عدم استجابة المعاندين والجاحدين، ولومهم في ظهور مناوئين لدعواتهم، وحاشاهم كلّ هذا.

خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، أقوى أنبياء الله حجّة، ظهر في زمانه كذّابون متنبّئون، كان على رأسهم مسيلمة الكذّاب الذي استطاع أن يكسب له آلاف الأتباع، ليس بسبب خلل في دعوة النبيّ الأكرم الذي شهد له ربّه بأنّه أدّى الأمانة وبلّغ الرّسالة وأقام الحجّة، وليس بسبب قوة حجّة مسيلمة وإنّما لأنّ من النّاس من تستعبده بطنه وشهوته، ومنهم من يستعبده منصبه وجاهه، ومنهم من يصرّ على المخالفة اتباعا لهواه وحقدا على حامل الحقّ، “وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم” (المائدة، 41)؛ مسيلمة قدّم من المغريات ما كان كافيا لاستمالة المخلِدين إلى الأرض الممتعضين من التّكاليف الحاسدين لأهل الحقّ.. وهكذا في زمن عثمان رضي الله عنه، حيث ظهرت دعوة عبد الله بن سبأ اليهوديّ، وفي زمن عليّ رضي الله عنه، حيث ظهرت دعوة الخوارج، واستطاعت كلّ دعوة أن تجنّد آلاف الأتباع، ليس لضعفٍ في حجّة الصّحابة أو لقصور في خطابهم، وإنّما هو الجهل والهوى والضّغائن التي تُشحن بها نفوس بعض النّاس.

كما أنّ للأنبياء والمرسلين مناوئين يخالفون دعواتهم ويسعون في نقضها “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا” (الفرقان 31)، فإنّ للعلماء والدّعاة والأئمّة أيضا من يمالئهم ويسعى في إبطال دعوتهم إلى الهدى والصّلاح، وليس من الإنصاف أن نغضّ الطّرف في زماننا هذا عمّا تحيكه الجهات العلمانية المتحكّمة في الإعلام من مكر يهدف ليس فقط إلى إبطال مفعول الخطاب الإعلاميّ الإسلاميّ والخطاب الدينيّ المسجديّ، وإنّما أيضا إلى الإزراء بالعلماء والدّعاة والأئمّة، وتضخيم أخطاء بعضهم وتعميمها وتزهيد النّاس فيهم لصالح أهل الفنّ والرياضة؛ دور كمّله بعض الكتّاب والصحفيين السّاعين -من حيث قصدوا أو لم يقصدوا- في شقّ الصّدع بين العلماء والدّعاة والأئمّة من جهة وبين عامّة المسلمين، من خلال خوضهم في قضايا الدين بجهل ممزوج بكثير من الغرور والجرأة وقلّة الإنصاف.. لقد كان لهذا الصّنف من الكتّاب والصحفيين دور لا يقلّ خطورة عن دور الإعلام المتعلمن في توطيد الأمر لشيوع الأفكار والمعتقدات المنحرفة، بسبب سياسة التهوين التي دأبوا على انتهاجها في مواجهة التيارات الوافدة، حين رأى بعضهم الحصافة والوعي في إمساك العصا من الوسط بين الحقّ من جهة وبين الباطل الذي يرونه وجها آخر للحقّ!؛ فأهل السنّة والشّيعة عندهم طائفتان تحمل كلّ واحدة منهما وجها من أوجه الحقّ، والقرآنيون ربّما يكونون أقرب إلى الحقّ من أهل السنّة! وهكذا… حتى إذا وقعت الفأس في الرّأس خرجوا يولولون ويحمّلون “رجال الدّين”! مسؤولية فشوّ العقائد الباطلة! 

وقد تجد بين هؤلاء الكتّاب من أمضى سنوات كثيرة يسعى لعرض التشيّع -ومذاهب دخيلة أخرى- على أنّه وجهة نظر يمكن قبولها في الجزائر، كيف لا والشّيعة يملكون مرجعا جزائريا يُعدّ واحدا من كبار مراجعهم، هو نعمة الله الجزائريّ (!!!)، مع أنّ “الجزائريّ” هذا من قضاء “الجزائر” في العراق (يسمّى حاليا قضاء الجبايش) وليس من بلاد الجزائر، وهو علاوة على هذا واحد من أكثر علماء الدولة الصفوية غلوا وتطرفا، توفي سنة 1112هـ؛ تجد الواحد من هؤلاء الكتّاب يعرض التشيّع كوجهة نظر مقبولة، لكنّه حينما يرى الأوساط العامّة والخاصّة تتحرّك للحيلولة دون تغريره بالجزائريين، يعود ليحمّل “رجال الدّين” مسؤولية اعتناق بعض الشّباب لهذا المذهب المنحرف الذي كان ذاتُ الكاتب لا يرى كبير فرق بينه وبين الدين الذي يعتنقه جماهير المسلمين!. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!