-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رمضان‭ ‬خمس‭ ‬نجوم

إمام‭ ‬قريتنا

الشروق أونلاين
  • 1882
  • 0
إمام‭ ‬قريتنا

في كل شهر من رمضان أنزل ضيفا لأيام على قريتنا، لأؤدي واجب الزيارة، وأقف على قبور المتوفّين وأتعرف على المولودين الجدد، وأجلس إلى شيوخ القبيلة ليحدثونني عن الزرع والضّرع، وفي خارطة طريقي أزور مسجد القرية البسيط في فراشه وطلائه وبنائه من التبن والطين، وهوائه‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬يتسلل‭ ‬من‭ ‬فتحات‭ ‬صغيرة،‭ ‬فلا‭ ‬أثر‭ ‬هنا‭ ‬لمبردات‭ ‬بيكو‭ ‬وسامسونغ‭ ‬وكوندور‭ ‬أوهاير‭.‬

  • الإمام نفسه لم يكبر في شكله ولم يغيّر من زاوية رؤيته إلى الحياة منذ نصّبه أحد الموّالين قارئا في صلاة التراويح من مدة ثلاثة عقود من الزمن، ليصبح إماما بالتقادم، ثم بنت له القرية شبه بيت وزوّجوه وأصبح له أحفاد، ولما حاول مدير الشؤون الدينية بالناحية تعيين إمام جديد، رفع السكان هراواتهم وأطلقوا كلابهم، وتشبثوا بشيخهم، فرضخت المديرية لمطلب القرية ورُسّم الإمام، الذي لا يكاد يفارق المسجد إلا إلى السوق ليقضي بعض حاجاته أو إلى وليمة يدعو لأهلها بالبركة أو إلى أداء صلاة الجنازة في مقبرة ليترحم على فقيد.
  • يصرّ إمامنا في أغلب دروسه الحديث على الخمرة وأضرارها، وأن أصلها من خمرة العقل، أي ذهابه، ومع ذهاب العقل تحدث الكوارث والنكبات، حتى أشك أنه يوجد في المسجد من هو سكران، مع أن قريتنا فقيرة، لا طريق، ولا خدمات، ولا ماء ولا شجر، بيوت عارية يجلدها البرد شتاء وتلفحها‭ ‬الشمس‭ ‬صيفا،‭ ‬وأن‭ ‬أغلب‭ ‬شبابها‭ ‬قد‭ ‬هجرها‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬فقريتنا‭ ‬ليست‭ ‬برج‭ ‬الكيفان‭ ‬أو‭ ‬عين‭ ‬البنيان‭.‬
  • شكّكنا الإمام بحديثه المسلسل عن الخمرة في أن قريتنا غارقة بالمشروبات الكحولية من نبيذ وردي إلى أبيض إلى أحمر إلى الكونياك، العرق، الفودكا، الشامبانيا، الجعة، السكوتش وكوكتيلات أخرى من المشروبات، وفي ختام أحد دروسه الخمرية سأله أحد الشباب عن بيرة الشعير بدون كحول، فأجاب على طول بيرة الشّعير أو القمح أو الحمص أو الدقيق حرام في حرام، ولمّا ذكّره الشاب أن في المملكة العربية السعودية يجيزون ويستهلكون بكثرة شرب البربيكان وهو شراب شعير بدون كحول بنهكة التوت الأزرق والليمون، كما يتهافتون على الهولستن الألماني الصنع،‭ ‬وهو‭ ‬بدون‭ ‬كحول‭ ‬أيضا،‭ ‬يشربونه‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ ‬دون‭ ‬حرج،‭ ‬أجابه‭ ‬إجابة‭ ‬صريحة‭ ‬لا‭ ‬تأويل‭ ‬فيها،‭ ‬السعودية‭ ‬هي‭ ‬السعودية‭ ‬والجزائر‭ ‬هي‭ ‬الجزائر‭.‬
  • خرجتُ بعد أن أتمّ شيخنا فتواه، وتمنيت أن أعود مرة أخرى إلى قريتنا وأجد إمامنا يتحدث عن أهمية الأشجار وحفر الأنهار وتنبيه بارونات القرية الذين يجلسون في الصفوف الأمامية بتسوية الفْريضة ـ بتسكين الفاء ـ قبل الفَريضة وإعادة القطع الأرضية المنهوبة إلى أصحابها وتحسيسهم بأن من أكل شبرا من غير حق أكلت منه النار ذراعا، وأن لعنة الجفاف من لعنة الله، وأن الله إذا غضب من قرية جفّف ينابيعها وقبض أرواح أنعامها وبثّ الوهن في ساكنيها، وإذا أحبّ قرية فجّر فيها العيون وأغدقها باليمن والعسل والبركات.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!