-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

استهتار‮ ‬الولاة‮!‬

محمد يعقوبي
  • 7829
  • 0
استهتار‮ ‬الولاة‮!‬

تكشف قصة اختطاف وتحرير والي إليزي عن مدى هشاشة الجهاز الإداري الذي تعوّل عليه وزارة الداخلية في ضبط أمور الوطن والمواطن، فالوالي الذي يسمح لنفسه بأن يتنقل أكثر من 500 كلم دون حرسه الخاص ودون قوافل الدرك والأمن التي ترافق عادة تنقل الولاة حتى داخل المدن الحضرية، هو وال مستهتر بالأمن حتى وإن كان في مهمة وساطة نبيلة، خاصة وأن الشريط الصحراوي الذي عبره السيد الوالي هو شريط أمني تعبره من حين لآخر جماعات أبو زيد الإرهابية.. فالسيد الوالي وضع بلاده في حرج كبير أمام الطرف الليبي الذي كنا نعيب عليه فقدان السيطرة على حدوده وأنه يسمح بدخول الأسلحة والإرهابيين إلى الأراضي الجزائرية، فأثبتت لنا قصة الاختطاف والتحرير أن الليبيين يتحكمون جيدا في شريطهم الحدودي، ويكفي أنهم حرّروا والي إليزي وأعادوه لنا حيا ولم يستعملوه كورقة ضغط أو ابتزاز لاستلام عائلة القذافي، وهو سلوك ليبي‮ ‬متحضّر‮ ‬يجدر‮ ‬بالسلطات‮ ‬الرسمية‮ ‬والدبلوماسية‮ ‬عندنا‮ ‬أن‮ ‬تفهمه‮ ‬وتقدره‮ ‬رغم‮ ‬ما‮ ‬كان‮ ‬من‮ ‬خلاف‮ ‬وشقاق‮ ‬واتهامات‮ ‬في‮ ‬السابق‮.. ‬

  • هذا الاستهتار يمارسه الكثير من ولاة الجمهورية يوميا في التعاطي مع انشغالات المواطنين واحتجاجاتهم، وهو بالضبط ما فعله والي الأغواط في تعامله مع المعتصمين بعد أن سمح لدخلاء عن الولاية أن يتحصّلوا على سكنات حرم منها أهل وسكان الولاية، ثم لا يجد من حل سوى التمترس‮ ‬خلف‮ ‬قوات‮ ‬مكافحة‮ ‬الشغب‮ ‬والاعتداء‮ ‬على‭ ‬محتجين‮ ‬رفعوا‮ ‬صور‮ ‬الرئيس‮ ‬بوتفليقة‮ ‬قبل‮ ‬لائحة‮ ‬مطالبهم‮!‬؟
  • الوالي الذي ينظر باحتقار من شرفة مكتبه على احتجاجات المواطن، لا يستحق أن يبقى يوما واحدا في مكتبه، مثله مثل الوالي الذي يرفض استقبال المواطنين (تطبيقا لتعلمية الداخلية) ويحيل كل المشاكل التي تأتيه على جهاز المنتخبين المترهل، الذي عادة ما يمسح فيه “الموس” ويخرج‮ ‬الولاة‮ ‬منتصرين‮ ‬مع‮ ‬كل‮ ‬حصاد‮ ‬انتخابي‮..‬
  • استهتار الولاة نراه كل يوم في مظاهر الاحتجاجات والبطالة والفقر في الجزائر العميقة.. في طوابير لتحميل قارورات الغاز في القرى والأرياف، وفي أنامل الأطفال الموجوعين بالبرد وهم يعبرون الوديان والجبال للوصول إلى مدارس لا تتوفر على أبسط حقوق الإنسان لتلقي العلم والمعرفة‮..‬
  • قد يقول وال من الولاة أنها سياسة الحكومة والجميع مسؤول عن هذا الفشل وليس فقط الولاة، لكن المواطن البسيط أصبح يدرك أن الوالي في الجزائر أهم من الحكومة ومن أي وزير، ولديه من الصلاحيات ما يجعله يلامس مباشرة مشاكل المواطن ويحلها دون وسائط، بل يسيطر على جهاز إداري ضخم قادر على معرفة كل صغيرة وكبيرة والتجاوب معها في الوقت المناسب، وشتان بين وال بهذه الصلاحيات والسلطة، ووزير يدرك هو نفسه أنه “خضرة فوق طعام” لا يستطيع حتى أن يغيّر سكرتيرته إلا بمراسيم رئاسية!!
  • نعم، هناك ولايات نهضت وتطورت بفضل صرامة ونزاهة ولاتها، وهناك ولايات عندما تزورها تظن أنها خارجة لتوّها من حروب مدمرة.. الأوساخ.. البناء الفوضوي.. باعة الطرقات.. الازدحام.. القصدير.. التسوّل.. المجانين.. الطوابير.. معارك السيوف والخناجر.. إلى غير ذلك من مظاهر التخلف التي يتحملها بالدرجة الأولى الولاة، الذين واضح أنهم يجدون ضحية سهلة يمسحون فيها “الموس” وهم المنتخبون الذين واضح أيضا أنهم “لا يملكون ولا يحكمون”، لكنهم في الحالات كلها يدفعون الثمن ويدخلون السجون ويعيدون ترشيح أنفسهم، بينما لو أحصينا عدد الولاة الذين‮ ‬سجنوا‮ ‬أو‮ ‬تمت‮ ‬محاكمتهم‮ ‬بالتأكيد‮ ‬لن‮ ‬يتجاوز‮ ‬عددهم‮ ‬أصابع‮ ‬اليد‮ ‬الواحدة‮ ‬منذ‮ ‬الاستقلال‮.‬
  • لاشك أن الجميع فوق القانون نظريا، لكن الواقع يثبت العكس، فالمسؤولية دائما تقع على عاتق الحلقات الضعيفة في هذا الوطن مثلما حصل في محاكمة الخليفة، وبلد يعاقب المير والغفير ويخشى الوالي والوزير من الصعب أن تقوم له قائمة، خاصة وحزمة القوانين الجديدة للإصلاحات تزيد‮ ‬من‮ ‬صلاحيات‮ ‬الأقوياء‮ ‬وتدوس‮ ‬على‭ ‬أي‮ ‬أمل‮ ‬في‮ ‬إنتاج‮ ‬منتخبين‮ ‬حقيقيين‮ ‬قادرين‮ ‬على‭ ‬صناعة‮ ‬الفارق‮ ‬وقادرون‮ ‬أيضا‮ ‬ناخبوهم‮ ‬أن‮ ‬يعزلوهم‮ ‬مثلما‮ ‬انتخبوهم‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!