-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمن الغذائي: التحدي أو الانصياع (الجزء الثالث والأخير)

عمار تو
  • 894
  • 0
الأمن الغذائي: التحدي أو الانصياع (الجزء الثالث والأخير)

المتغير أصبح الآن معروفا أحسن، في حين كان من الواجب استغلاله في العمق منذ السنوات الأولى للعشرية 2000، على الأقل، لتجاوز طاقات تحلية ماء البحر المقامة إلى غاية اليوم، بما في ذلك الخمس محطات الكبرى الجديدة التي هي، حاليا، قيد الإنجاز، ونظرا كذلك لكون المعطيات المغياثية معروفة فعليا منذ زمن طويل مع وضع العدد الهائل من السدود المنجزة خلال 22 سنة الماضية مقارنة بما أنجز من سدود خلال 132 سنة من الاستعمار الفرنسي (نحو 40 سدا وبطاقات هزيلة مقارنة مع ما أنجز في 22 سنة الأخيرة)، فإن اسقاطات المستقبل قد تقتضي الفرضية الأكثر تشاؤما لتسقط، إلى الأبد، أزمة المغياثية في الجزائر، وذلك في توافق مع الإسقاطات المتشائمة التي تنشرها المصادر الأممية المتخصصة.
وحتى مدن من ولايات الجزائر تقع في الهضاب العليا وعلى أبواب الجنوب الكبير، يفترض ألا تستبعد من هذه الفرضية لتزود، عند الاقتضاء، بماء الشرب المحلى بصفة تكميلية، فاستباق أزمة حادة من شأنه أن يُبعد المفاجآت والمباغتات الكبرى التي لا تحتمل الحلول الإنقاذية لآخر دقيقة.
والملتقى الوطني الأخير حول الماء الذي نظم بتاريخ 16 ماي 2022 بمعهد الدراسات العليا للأمن الوطني، أبرز جيدا الدور الاستراتيجي للماء. وقد أوضح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الذي ترأس افتتاح الملتقى، أن »الماء يشكل أداة لزعزعة الدول«. (14)
والبحث عن الحلول البديلة التي ستترجم هذه الإنذارات إلى نظام وقائي ضد أزمات الماء المتكاثرة ومولدة الأضرار المتزايدة على كل المستويات، من شأنه الدفع إلى الشروع، حينا، في التفكير على مستوى المدرسة الوطنية العليا للري بالبليدة أو في أوساط أخرى متخصصة ذات البعد الاستراتيجي، بغرض اقتراح حلول بديلة متنوعة منقِذة على المدى القريب ودائمة وبآجال إلزامية تستلزم التطبيق آنيا وبطريقة متدرجة لكن فعلية واستباقا لإسقاطات مأساوية لأزمات الماء في البلاد. وتحلية ماء البحر، بطبيعة الحال، بالإضافة إلى واجب حجز أحسن للمياه السطحية ( للأمطار الطوفانية) بإمكانها تشكيل الطرق والوسائل التطبيقية الأكثر آنية والأقل تكلفة.
وإنشاء مؤسسة عمومية ثانية متخصصة في إنجاز وصيانة الوحدات الصناعية لتحلية ماء البحر، احتمالا بشراكة مع منتجين أجانب للتجهيزات الدقيقة، قد يكون ضروريا، نظرا لجسامة الحاجيات الحالية والمستقبلية للبلاد من المياه.
وتنمية صناعة متخصصة في تجهيزات تحلية ماء البحر قد تكون نتيجة طبيعية واسعة التبرير، مع التدرُّجية الملائمة للمناولة المطمئنة الموطنة محليا، فالطموح إلى استهداف الأسواق الخارجية قد يتطلب إدماجه في الرؤية التشاركية مع منتجي التجهيزات الأجانب.
وفي هذا السياق، ثبُت أن التكنولوجيا الخاصة بتحلية مياه البحر هي، بالفعل، بحوزة الجزائر بنسبة 80 إلى 85 %، كما صرح به رئيس الجمهورية خلال اللقاء ذاته مع بعض من ممثلي الصحافة الوطنية المشار إليه أعلاه. وبهذا الصدد، فإن صناعة القنوات الحديدية و/ أو القنوات على أساس مواد بترو كيميائية، ممكنة في الحين أو في آجال قريبة في أسوإ الحالات، فالكفاءات البشرية الوطنية متوفرة وماء البحر مجاني ولا ينضب إلا بقدرة الله.

الرد قد يأتي، سريعا، عبر إنجاز شبكة من السدود الصغيرة لتخزين الفائض من السيول الفيضانية إذ تسمح الجغرافية والتضاريس بذلك، بغرض تخزين المياه، على حوافي الهضاب العليا في شكل إمداد مستمرّ غير منقطع من المياه المتأتية من وحدات التحلية التي ستُنجز، حسب هذا المنحى، بكثافة، لتلبية حاجات الري العادي، والري التكميلي لحاجات الزراعات الزيتية والسكرية المطلوبة للمياه والمبرمجة للإنجاز، وكذا حاجات تربية البقر خصوصا.

وبالتالي، فإن إنجاز وحدات تحلية ماء البحر، طاقة وعددا ملائمين، قد يكون من شأنه إبعاد، إلى ما لا نهاية، طيف أزمة ماء كارثية دائمة، وهو ما تعيشه الجزائر، اليوم، كواقع معيش على مستوى الإنسان والفلاحة والثروة الحيوانية.
وفي سياق هذه المقاربة، فإن الرد قد يأتي، سريعا، عبر إنجاز شبكة من السدود الصغيرة لتخزين الفائض من السيول الفيضانية إذ تسمح الجغرافية والتضاريس بذلك، بغرض تخزين المياه، على حوافي الهضاب العليا في شكل إمداد مستمرّ غير منقطع من المياه المتأتية من وحدات التحلية التي ستُنجز، حسب هذا المنحى، بكثافة، لتلبية حاجات الري العادي، والري التكميلي لحاجات الزراعات الزيتية والسكرية المطلوبة للمياه والمبرمجة للإنجاز، وكذا حاجات تربية البقر خصوصا وعلى نطاق واسع، في المراعي و/أو في حظائر تربية الأنعام عموما والبقر الحلوب على وجه التخصيص، كما سبق تقديمها، وهي حواجز مائية تكون أحسن دراسة وإنجازا ورعاية من تلك التي أنجزت في سنوات 1980. وتأتي دعما لشبكة السدود الصغيرة المقترحة أعلاه والتي ستخزن الفائض من فيضانات الأودية و/ أو تستجمع المياه السطحية التي لم تتمكن الجزائر، إلى حد الآن، من استجماعها، إلا نسبيا، رغم العديد من السدود التي أنجزتها، كما ذكرنا بذلك سابقا.
ومن أجل تسيير أحسن لأفكار هذه المشاريع، فإنها قد تستحق إدراجها ضمن صيغ توليفية تحدد بدقة الأهداف وتنظم التكفل بها، كما تحدد الوسائل البشرية والمادية والمالية لهذا التكفل، وكذا الآجال الصارمة المفصَّلة لإنجازها ورزنامات مقربة وقطعية لإنجازها وبآلياتها لتدارك كل خلل أثناء إنجازها. وأثر الفرضية المدرسية لزحزحة خفيفة زمنيا للإنجاز الكلي لبعض مكونات الهدف الشامل في أفق 2025، كالقمح اللين والحليب، فمن المنطق التقليل من أهميتها أمام الديناميكية المطمئنة لتحقيق المكونات الإجمالية للأمن الغذائي في البلاد.
وفي الوقت الذي ستكون فيه جميع النفقات المرتبطة بهذه المشاريع أو اقتراح أفكار مشاريع، مطروحة للتمويل الكلي، تقريبا، بالعملة الوطنية، لن يتوانى ”أبطال إعطاء الدروس الأرتوذكسيون” في التظاهر بالصخب، رفضا لكلِّ التدابير الرامية إلى تطهير المياه العكرة الراكضة، تفضيلا للجمود، منددين مدعين بانزلاق في تسيير الميزانية العمومية، تماما كردة فعلهم تجاه تدابير العدالة الاجتماعية التي اتُّخذت وتلك التي أعلن عنها لنهاية 2023 وبداية 2024 لرفع الأجور في فائدة طبقات السكان التي لا تزال، نسبيا، مهمشة أو ضعيفة، بموجب منطق لا يمكن مؤازرته. ومن وراء حسابات خبيثة، ”ينبري” دعاة ”إعطاء الدروس الأرثوذوكسيون” بمحاكاة بدائية بخصوص قواعد غريبة في ميدان نفقات الميزانية العمومية، فـ”أبطال إعطاء الدروس” في الاقتصاد الليبرالي (الحر) يستخفُّون هم أنفسهم، على مستوى التطبيق، وفي العمق، من ضوابطهم الخصوصية التي سنّوها، هم أنفسهم، والتي يريدون فرضها كمقاييس لتقييم الاقتصاديات الأخرى في العالم والحكم عليها.
وأمثلة القواعد عديمة الحجية التي منحوها لأنفسهم في سنة 1944 بتسمية ”اتفاقيات بروتون وودس” (accords de Bretton Woods) التي فصَّلوها على مقاسهم لاستعمالها على هواهم في كل بلدان الجنوب المستقلة حاليا، كانت تحت سيطرتهم الاستعمارية. وكعيِّنة عن هذه الحالات، فبالنسبة لحدود قصوى حُدِّدت من قبلهم بـ60 % كنسبة أعلى للدين العامّ إلى الناتج الداخلي الإجمالي (PIB)، فإن هذه النسبة تتجاوز عندهم حاليا 100 %، باستثناء بلجيكا والمملكة المتحدة. أما في فرنسا، فكانت تبلغ النسبة 111,6 % في نهاية 2022. وفي إيطاليا، كانت تبلغ 145,7 % ، وفي اليابان 246 % ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 137 %. أما في الجزائر، فكانت هذه النسبة، في التاريخ ذاته تدور حول 60%، مقارنة بالمتوسط الفعلي العالمي في التاريخ نفسه الذي كان يبلغ نحو 156 % ، في الوقت الذي كانت النسبة في الغرب، كما أسلفنا، تبلغ أعلى النسب.(15) فيلجأ، بإفراط ودون تحفظ، إلى تاريخ جد حديث، إلى طبع النقود في مقابل الودائع الهائلة لدول الخليج العربي البترولية أو الصينية، على وجه الخصوص، واستكمالا، من الاتحاد الروسي. ولم يكونوا يترددون في اللجوء إلى هذه الأساليب، حتى في انعدام المقابل التبريري، وذلك منذ فصل ارتباط الدولار بمقابله من الذهب في 1971 بقرار أحادي تعسفي في خرق صارخ لـ”اتفاقيات بروتون وودس” (accords de Bretton Woods) التي أعدُّوها هم أنفسهم على مقاسهم.

في الوقت الذي لا تسجِّل الجزائر سوى 60 % من الديون العمومية نسبة إلى الناتج الداخلي الإجمالي (PIB) والتي لم تطبع سوى 6000 مليار دينار جزائري أو ما يعادل حوالي 41 مليار دولار لتغطية حاجيات حيوية، ألا يحق لها طبع الدينار من أجل تغطية حاجاتها لتمويل تكميلي لمقومات أمنها الغذائي، كما سبق أن حددناها، أعلاه، في هذه المحاولة، وذلك باللجوء إلى الاستعمال السليم للعجز الموازناتي بالخلق النقدي أو بطبع النقود؟!

أما الدين الأمريكي إجمالا، من جهة أخرى، فقد قفز من 3,48 بليون دولار في 1998 إلى 31.419.689.421.557 دولار و90 سنتا في نهاية 2022. ويكون قد بلغ مستوى هذا الدين، في جوان 2023، أكثر من 32 بليون دولار. وتكون الولايات المتحدة الأمريكية بمستوى هذا الدين، على رأس الترتيب العالمي. (16)
وانسجاما مع هذه السيرة، لقد طبعت الولايات المتحدة الأمريكية في 20 إلى 25 سنة الأخيرة، ما مقداره من 20 إلى 25 بليون دولارا بدون مقابل تبريري، كما تنص عليه اتفاقيات ”بوتوون وودس” ومثلها، خلقت دول الاتحاد الأوربي ما مقداره نحو 5 بليون يورو، بدون مقابل تبريري، هي أيضا. ومن بين الدول الأوربية، تتميز فرنسا باستحواذها على المداخيل بالعملة الصعبة التي تحققها مستعمراتها القديمة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، من خلال صادراتها، تصل إلى 80 % من قيمة هذه الصَّادرات والتي تستعملها فرنسا لتغطية ديونها الخارجية، على حساب حاجات التنمية لهذه المستعمرات القديمة التي لا تزال ترزح تحت الخصاص الشامل. .(17)
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فالحيلة لا تختلف: فنحو 800 قاعدة عسكرية أمريكية للردع والترهيب والتدخل، هي موزعة في حوالي 177 بلدا في كل مناطق العالم، ناشرة الوهم بأنها توزع، من أموالها الخاصة، قدرة شرائية إضافية ووسائل دفع خارجية في البلدان التي تتواجد فيها،(18). إنه مقابل غير قويم بالمفهوم الاقتصادي، قصد تبرير طبع الدولار بإفراط. وبالمقارنة، في الوقت الذي لا تسجِّل الجزائر سوى 60 % من الديون العمومية نسبة إلى الناتج الداخلي الإجمالي (PIB) والتي لم تطبع سوى 6000 مليار دينار جزائري أو ما يعادل حوالي 41 مليار دولار لتغطية حاجيات حيوية، ألا يحق لها طبع الدينار من أجل تغطية حاجاتها لتمويل تكميلي لمقومات أمنها الغذائي، كما سبق أن حددناها، أعلاه، في هذه المحاولة، وذلك باللجوء إلى الاستعمال السليم للعجز الموازناتي بالخلق النقدي أو بطبع النقود؟! إن دعاة جلد الذات الموازناتية سيهللون بل سيتلذذون بروح العرقلة مندسين وراء حجيتهم المزعومة التي تقتضيها ”الصرامة الأرثوذوكسية المالية.”
لكن في المقابل، يجب تجنيد الوسائل والطرق النظرية والتطبيقية من أجل قفزة استثنائية للناتج الداخلي الإجمالي (PIB) للبلاد في اتجاه التنويع لصالح الصناعة عموما والصناعة الفلاحية على وجه الخصوص، وذلك بتثمين فلاحة تسجّل وثبات كبير ومستمر، لكن في المستويات الأسفل لقيمتها المضافة. وتلبية لهذا الانشغال، يتعين ضبط مخطط عاجل: يعرف الأهداف، ويحدد الآجال الأقرب الممكنة، ويضبط التنظيم المكلف بوضع المخطط حيز التنفيذ، ويجند كل وسائل العمل بما في ذلك آليات التصحيح والتدارك خلال مسار تنفيذ المخطط، بمعزل عن الهدف الاستراتيجي للأمن الغذائي الذي تم الإعلان عنه بصفة رسمية لأفق 2025، علما أن الكل مرهون بالقفزة المصيرية للناتج الداخلي الخام في حجمه وفي هيكلته.(19)

المراجع

(1) وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري. وكالة الأنباء الجزائرية. منشور بتاريخ 18 يناير 2022 على الساعة 18 :05
(2) وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري. تصريح إلى قناة النهار التلفزية. Algerie-eco.com ، بتاريخ 9 يناير 2023.
(3) الشركة الوطنية للسميد والكسكس والعجائن الغذائية والديوان الجزائري المهني للحبوب.
(4) بالنسبة للقمح اللين نستخرج 92 كلغ من دقيق الخبز من كل قنطار من القمح، في حين لا نستخرج سوى 68 كلغ من السميد من كل قنطار من القمح الصلب.
(5) https//www.algerie-eco.com
(6) الرسالة الموقعة في 30 سبتمبر 1995 من قبل وزير المالية الجزائري ومحافظ بتك الجزائر والقاضية بقبول المذكر ة المحددة لشروط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لإعادة جدولة الديون الخارجية للجزائر.
(7) وكالة الأنباء الجزائرية http//wwwAPS dz15 ديسمبر 2022.
(8) Africa Globl Mark. https// www agm.net. 13 مارس 2017. المجاهد بتاريخ 13 مارس 2017.
(9) وكالة الأنباء الجزائرية. http//wwwAPS dz. . 27 يناير 2023. بيان وزير الصناعة المنشور على صفحته في الفايسبوك algerie-eco.com.. 25 دسمبر 2022.
(10) وكالة الأنباء الجزائرية. https//www aps dz. 26 ديسمبر 2021.
(11) وكالة لأنباء الجزائرية. https//www aps dz المنشور بتاريخ 18 ديسمبر 2022.
(12) منظمة حماية وتوجيه المستهلِك ( APOCE° Mghrebinfo DZ.. 12 مارس 2023.
(13) Agriculture g…Hel-intelligence.com
APS https//www aps dz 14) 16 ماي 2022.
(15) الخزينة امريكية. 2 فبراير 2022. France : https//www.vie-publique du.frhglkq ; المنشور بتاريخ 30 مارس 2023. Japon : https//www.lepoint.fr publié le 29 avril 2023. Italie : https//www.tresor.economie du 29/11/ 2022
(16) ) Dette et défici…http//www.doneesmondiales.com
(17) شروط إيطاليا بتاريخ 30 مارس 2023
(18) Jean planchais. les bases am …monde diplomatique.fr وويكيبيديا.
(19) عمار تو. الجزائر، الإشكالية الاقتصادية والحتمية العالمية. الطبعة أولى مارس 2022 والطبعة الثانية في أوت 2022. ص. 444.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!